الصحافيون المتسللون إلى سوريا مهددون بمواجهة مصير غامض إذا أوقفتهم قوات الأمن

مراسل حربي: ما علمته روسيا لسوريا هو «عندما تدمرون مدينة تأكدوا أنه لن يخرج منها أحد حيا»

TT

تطرح تغطية الأحداث في سوريا صعوبات أمنية ولوجيستية بالنسبة للصحافيين الذين قضى بعضهم خلال أداء مهمته؛ فالأمر يتطلب التسلل عبر الحدود مع مخاطر التعرض للتهديد من القوات النظامية، وأحيانا من مسلحي المعارضة، بالإضافة إلى تفادي تحديد مواقع البث. وأظهرت التجربة، التي مر بها عدد من الصحافيين المتسللين إلى سوريا أن كل صحافي يتسلل إلى سوريا مهدد بمواجهة مصير غامض إذا أوقفته قوات الأمن.

ويفرض النظام السوري قيودا شديدة على تحرك الصحافيين، أما من يود الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون فليس أمامه سوى التسلل عبر لبنان أو تركيا، وهي رحلة طويلة وصعبة، كما عايشها صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية، كان عليهم أن يقطعوا الطريق أحيانا بالسيارة أو على دراجة نارية أو سيرا في طرق موحلة وهم يحملون حقائبهم الثقيلة وسترات واقية من الرصاص ويستعينون بالمهربين لإرشادهم إلى الطرق مقابل بدل مالي، أو بالمعارضين.

ويقول لو ماتيو، مراسل صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية: «إن التجول هو الأصعب بعد الدخول إلى سوريا. لقد بقيت محتجزا 4 أيام لأنني أردت الوصول إلى إدلب» شمال غربي سوريا، التي أقام الجيش حواجز حولها.

ويواجه كل صحافي يتسلل إلى سوريا مصيرا غامضا إذا أوقفته قوات الأمن. وتحاصر القوات السورية المدن التي تشهد حركة احتجاج وتقصفها من دون تمييز، كما تقوم باعتقالات، وتوجد روايات موثقة عن حالات تعذيب.

وكتب المراسل الحربي، روبرت يانغ بلتون، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» مؤخرا: «إن ما علمته روسيا لسوريا هو: عندما تدمرون مدينة، تأكدوا أنه لن يخرج منها أحد حيا، ولا حتى التاريخ». وروسيا حليفة دمشق وتقوم بتزويدها بالأسلحة.

وبعد مقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكييه في 11 يناير (كانون الثاني) قُتلت الصحافية الأميركية ماري كولفن والصحافي الفرنسي ريمي أوشليك في 22 فبراير (شباط) في القصف على مدينة حمص، وسط سوريا. ويفيد تقنيون، يعملون مع المعارضين المسلحين، وعناصر في المخابرات الغربية والمراسل بلتون، بأن القوات السورية حصلت من روسيا على التكنولوجيا التي كانت تستخدمها موسكو في الشيشان للتعرف على مواقع البث عبر الأقمار الصناعية، خصوصا باستعمال طائرات الاستطلاع. وشاهد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية طيارة استطلاع تحلق فوق حمص.

ولاحظ لوك ماتيو، وكذلك مراسلون آخرون، التوتر على المسلحين عندما حاول استعمال هاتف الثريا: «قالوا لي يمكنك استعماله لدقيقة واحدة في اليوم، ليس أكثر».

وينصح المقاتلون الصحافيين كذلك بوصل هوائي (بيان) لالتقاط الإنترنت عبر القمر الصناعي بجهاز الكومبيوتر بكابل طوله 15 مترا على الأقل.. حتى تكتب لك النجاة إذا استهدف الجيش مكان الإشارة بقذيفة. ويحاول المقاتلون أحيانا التأثير على الصحافيين؛ حيث تعمل آلة الدعاية في المعسكرين.

وقال مراسل غربي، طلب عدم ذكر اسمه حتى يتمكن من العودة إلى مناطق المقاتلين، إنه صور جثث جنود يبدو أنهم كانوا ضحية عملية تصفية؛ فاستشاط المقاتلون غضبا وطلبوا منه محو الصور تحت تهديد القتل.

وقد يتصرف الصحافيون أحيانا من دون انتباه، كما حصل مع المصور الغربي الذي بث فيديو لأحد مسؤولي المعارضة المسلحة يظهر فيها وجهه، وهو ما لا يريده خوفا من الانتقام منه أو من عائلته.

وأثار الأمر غضب المسلحين الذين أراد بعضهم قتل المصور، كما لاحظ مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية. وتطلب الأمر مناقشات ومفاوضات، ولم يهدأوا حتى وعدهم بسحب الفيديو فورا من التداول.

وبعد انتهاء المهمة، تطرح صعوبة مغادرة البلاد، وقال لوك ماتيو إنه اضطر لاجتياز نهر كانت المياه فيه شديدة البرودة وتصل إلى خاصرته لينتهي في قبضة الشرطة التركية. وقال ضاحكا: «أمضيت 18 ساعة في التوقيف، لقد ظنوا أنني مخبر أجنبي».

ويقول روبرت يانغ بلتون: إن هذه الصعوبات لا تبرر عدم التسلل إلى سوريا؛ حيث «هناك حاجة لعدد أكبر من الصحافيين، وحيث يسعى النظام إلى إبقاء شعبه بمنأى عن الإعلام».