مستشار الرئيس السوداني: مشاركة عبد الرحمن المهدي في الحكومة تمهد للتعاون مع «الأمة القومي»

البروفسور عمر لـ «الشرق الأوسط»: مشاركة الاتحاديين في الحكومة إضعاف حقيقي للاتجاهات السالبة في الساحة السياسية السودانية

TT

لا يخفى على كثير من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه أن البروفسور إبراهيم أحمد عمر، مستشار الرئيس السوداني، يتولى مسؤولية العديد من الملفات السياسية الصعبة في إطار المهمات الرئاسية الموكلة إليه، خاصة بعد نجاحه في مفاوضات المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) مع الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) برئاسة السيد محمد عثمان الميرغني، حيث ترأس لجنة المفاوضات بين الحزبين في ما يتعلق بالمشاركة السياسية في حكومة القاعدة العريضة التي دعا إليها الرئيس السوداني عمر البشير في أكثر من مناسبة. وقد شهد للبروفسور عمر مفاوضوه من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بحنكته وصبره في التفاوض الذي قاد حزبهم إلى المشاركة في الحكومة السودانية أخيرا، ضمن أحزاب الموالاة التي شاركت المؤتمر الوطني في الحكومات المتعاقبة.

ولم يكن مستغربا لدى عارفي البروفسور عمر في دوائر حزب المؤتمر الوطني وخارجه أن ينبري مطالبا بالتغيير والتجديد في هياكل الحزب الحاكم خلال مخاطبته للمؤتمرات التنشيطية للحزب التي انتهت أخيرا إلى تجديد قيادات الحزب وتغييرهم في المستويات القيادية، إنفاذا لمقررات تلكم المؤتمرات التنشيطية التي عقدها حزب المؤتمر الوطني في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأتيح لي خلال زيارتي الأخيرة إلى السودان أن ألتقي البروفسور إبراهيم أحمد عمر، مستشار الرئيس السوداني والقيادي في المؤتمر الوطني، في مكتبه بالخرطوم لإجراء حوار لـ«الشرق الأوسط»، نستهله بتقييم لمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في الحكومة، والتطرق إلى قضايا أخرى متعلقة بالشأن السياسي السوداني..

وفي ما يلي نص الحوار..

* بداية.. ما تقييمكم للمشاركة السياسية للحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في إطار حكومة القاعدة العريضة التي دعا إليها رئيس الجمهورية، في إطار مساعي الإنقاذ، بتوسيع المشاركة السياسية الفاعلة لكل من يرغب من القوى والأحزاب السياسية، معارضة أو موالاة؟

- أولا، صحيح أن الأخ الرئيس وكل قادة المؤتمر الوطني سعوا ومنذ زمن طويل إلى أن توسع قاعدة الحكم في السودان، بأن يُشرك في الحكم عدد معتبر من الفعاليات السياسية، وذلك رغبة في أن يكون الحكم قائما على قاعدة جماهيرية واسعة ترتضي حكمه. ولذلك كان السعي في الفترة الأخيرة للتحاور مع أحزاب لها وضعها جماهيريا في السودان، في محاولة لكسبها وضمها لنظام الحكم القائم، بحيث إن الحكم فعلا يتوسع أيضا ليشمل قاعدة جماهيرية عريضة. فكانت المحاولة لكل من هو خارج الحكم، ولنكن أمينين، ما عدا الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي، إذ لم نتصل بهما في هذا الإطار، ولذلك أسباب يمكن أن نقولها في ما بعد. لكن كان التركيز أكثر على حزبي الاتحادي الديمقراطي (الأصل) وحزب الأمة القومي (برئاسة السيد الصادق المهدي). فنجحنا في أن إشراك الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في حكومة القاعدة العريضة، وهو يعتبر نجاحا للخط السياسي المطروح منذ سنوات لتوسيع قاعدة الحكم. ولذلك أعتقد أنها كانت مفاوضات طويلة ودقيقة، لكنها أثمرت في نهاية الأمر ودخل الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) الحكم، ونستطيع أن نقول إن القاعدة التي يعتمد عليها الحكم الآن هي أعرض بكثير مما كانت عليه قبل دخول الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وهذا يحقق بعضا مما كنا نصبو إليه، وأيضا توسيع الحكم بهذه الصورة هو أيضا محاولة لأن نجعل العدد الأكبر من أبناء السودان يكرسون جهودهم في العمل الإيجابي أكثر من العمل السلبي، أي أن يضعوا أيديهم على أيدي بعضهم بعضا ويفهم بعضهم بعضا، ويتشاركوا في أفكارهم حتى يكون العمل إيجابيا أكثر من أن يكون نصف العدد منهم مع هذا الجانب والعدد الآخر يتنازعون في ما بينهم ويغفلون كثيرا من إيجابيات بعضهم بعضا ويضخمون سلبيات بعضهم بعضا، وبذلك يكون العمل السلبي أكثر من العمل الإيجابي. فأعتقد أن دخول الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) هو من هذا الباب ويمكن أن نرى ثماره في الأيام المقبلة إن شاء الله.

* هلا حدثتنا عن الأسباب التي دفعت المؤتمر الوطني إلى عدم إشراك أو التفاوض أو عدم الاتصال حتى بحزبي المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي في ما يتعلق بالجهود التي بذلت في إطار الحكومة ذات القاعدة العريضة؟

- أولا بالنسبة للحزبين الشيوعي والشعبي، الواضح جدا، ومما لمسناه وما سمعناه منهما، ومما عرفناه عنهما، أنهما ضد التصالح بالمعنى الذي ندعو إليه نحن، في المحاولة إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة. فالمؤتمر الشعبي له بند واحد، وهو إسقاط النظام بالخروج إلى الشارع، والحزب الشيوعي يمكن من ناحية فكرية وتاريخية، لا أقول آيديولوجية، لأن كلمة آيديولوجية كثير من الناس لا يفهمون معناها حقيقة، لكن من ناحية فكرية وتاريخية، ومن ناحية تعامل ومن ناحية أطروحات، من الصعب أن ينسجم ذلك مع ما يطرحه المؤتمر الوطني من فكر وسياسة، والتعايش معه في وطن واحد ممكن، لكن تشكيل حكومة واحدة معه صعب جدا بالنسبة لهم، لذلك لم يكن هناك مجال لمجرد التفكير في ذلك الآن.

* نعود إلى ما يتعلق بمسألة مشاركة الفعاليات السياسية الأخرى، ونركز على الجهد الذي بذلتموه أنتم شخصيا في إطار لجنة المؤتمر الوطني للتباحث والتفاوض مع الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في المشاركة السياسية، وأحسب أن كثيرا من الذين قرأوا المشهد السياسي بعد توزيع المخصصات الوزارية الاتحادية اتضح لهم أن كثيرا من القيادات الاتحادية البارزة عزفت أو نأت بنفسها عن المشاركة، مما دفع أو اضطر الحزبين (المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي/ الأصل) أن يرضيا بما هو متوافر للحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) وما هو مقبول حتى وإن لم يكن مقبولا بالمعنى الواضح للمؤتمر الوطني، بمعنى أنه لم تكن بالشخصيات المتوقعة من الجانبين ومن ثم من الرأي العام.

أكاد أرى أن مثل هذه الأمور تصعب من انسيابية التفاعل بين الحزبين في حكومة واحدة تحت مسمى القاعدة العريضة ذاته؟

- أولا دعنا نذكر أن من أُشركوا في الحكومة من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) هم من المجموعة التي شاركت في الحوار منذ أول وهلة، فالأستاذ أحمد سعد عمر الذي نال منصب وزير رئاسة مجلس الوزراء هو رئيس هذه المجموعة منذ أن بدأت المفاوضات، والأستاذ عثمان عمر الشريف هو عضو في اللجنة التي شكلت من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) منذ بدأت وحتى انتهت، وهو صاحب الاقتراحات في قضية تعديل الدستور التي اتفقنا حولها. فهذه الشخصيات هي شخصيات انفتاحية في الحزب الاتحادي الديمقراطي (لأصل). وأما على مستوى رئاسة الجمهورية فالسيد جعفر الصادق الميرغني هو ابن زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) السيد محمد عثمان الميرغني، وأما الأستاذ حسن مساعد فهو من المقربين جدا لرئيس الحزب، وبالمناسبة نحن لم نتدخل في هذه الاختيارات والتي جاءت من زعامة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل). ولذلك نحن نعتقد أنهم يمثلون، حقيقة، الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل). ونحن كما قلت لك نعتقد أن دخولهم هو توسيع حقيقي لقاعدة الحكم، وأنه إضعاف حقيقي للاتجاهات السالبة في الساحة السياسية السودانية التي تحاول أن تمزق الساحة السياسية السودانية بين معارضة لا تقبل بالحكومة وحكومة تحاول أن تقفل المعارضة رسميا، وكان هذا هو الخط بألا نقفل المعارضة رسميا، بل نفتح الباب لمشاركة واسعة قدر الإمكان.

* أثار تعيين العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعدا لرئيس الجمهورية لغطا كبيرا وسؤالا مهما، على الساحة السياسية السودانية، فهل هذا التوافق الذي حدث هو جزء من توافق ما بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي، على الرغم من الإعلان المشترك بأنهما لم يتوافقا على ما يتعلق بالمشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة، نتيجة لأسباب ذكرت في داخل البيان.. دعنا نسألك، هل هذا التعيين من وجهة نظر المؤتمر الوطني هو بداية لمقاربة مع حزب الأمة القومي أم مشاركة لشخص عبد الرحمن الصادق المهدي فقط؟

- أولا في إطار ما ذكرته لك عن سعينا الجاد لتوسيع قاعدة الحكم، وسعينا الجاد لدى حزب الأمة القومي ولدى الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، أقول في هذه الإطار إنها محاولة من جانبنا لأننا لم نيأس من أن نشكل هذه القاعدة العريضة، ولذلك فإن كان البعض قد قرأه قراءة مختلفة، فإن قراءتي له هي أنه تأكيد من جانبنا على حرصنا على ما طرحناه لحزب الأمة القومي، بأننا جادون في أن نوسع هذه القاعدة وأن تكون حكومة ذات قاعدة عريضة. فحزب الأمة القومي له أن يقرأه كما يشاء، والآخرون لهم أن يقرأوه كما يشاءون، لكن نحن قراءتنا له في المؤتمر الوطني أنه تأكيد على أننا نسير في هذا الخط الداعي إلى توسيع المشاركة في الحكم، وهو خط الالتقاء مع الآخرين، وتوسيع الصف مع الآخرين، وضم الآخرين للحكومة حتى تكون حكومة ذات قاعدة عريضة. فإذن نحن عندما قبلنا بأن يكون الأخ عبد الرحمن الصادق المهدي عضوا في الحكومة اعتبرنا ذلك خطوة تؤكد مصداقيتنا في سعينا الجاد لأن يكون الآخرون لهم نصيب في الحكومة. وبالنسبة للآخرين إذا كانوا يرون أنه لا يمثل إلا شخصه، فنحن نعتبر أن شخصه هذا قد يكون مفتاحا للتواصل أو المساعدة للخط الذي نسير عليه، وهو أن يفتح الطريق إلى مزيد من التعاون مع حزب الأمة القومي.

* في المقابل، ذهب البعض إلى أن مثل هذا التعيين يأتي في إطار التكتيكات التي عُرفت عن المؤتمر الوطني في ما يتعلق بأنه إذا فشل في ضم الجسم الكلي ينتزع منه فصائل، وحدث هذا مع حزب الأمة القومي من قبل (تجربة مبارك الفاضل المهدي في المشاركة)، ومن ثم تعددت فصائله، وحدث هذا مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي انقسم إلى المسجل والأصل، ثم تعددت فصائله أيضا، والآن يذهب هذا التكتيك إلى مدى أبعد يتمثل في ضم أحد أبناء السيد الصادق المهدي، فماذا تقولون.. هل هذه الروايات غير صادقة أو أنها قراءة غير صحيحة للمشهد السياسي المتعلق بهذا الصدد؟

- التكتيك حسب معرفتي القصد منه أن نصل للخط الاستراتيجي في النهاية. فنحن استراتيجيتنا هي أن يلتقي أهل السودان هكذا، فإذا كانت هذه الخطوة تكتيكا لتؤدي إلى أن يشكل حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني تيارا حقيقيا يحكم السودان باستقرار في إطار الأفكار التي تخرج منها فأهلا وسهلا بذلك، فهذا يحسب لصالح استراتيجيتنا، وهذا ليس فيه عيب على الاستراتيجية. فالاستراتيجية هي أنه كل من يستطيع أن يسهم في استقرار السودان، خاصة إذا كانت أفكاره قريبة من أفكارنا، ومعتقداته قريبة من معتقداتنا، وسياسته قريبة من سياساتنا، فالتكتيك الذي يؤدي إلى تحقيق هذه الاستراتيجية هو تكتيك صالح وصحيح وناجح، لأن التكتيك أصلا يحسب بقدر تحقيقه للاستراتيجية. وأنا قلت إن استراتيجيتنا التي أعلناها هي أننا نريد توسيع المشاركة في الحكم.

* فلنفترض جدلا أن هذا التكتيك في إطار الوصول إلى الاستراتيجية الكبرى، وهي توحيد كل هذه الفصائل، وكل هذه القوى في إطار يستوعب هذه الجهود من أجل السودان الواحد الموحد، ماذا تقول في ما يتعلق بمناشدة الرئيس السوداني حول إمكانية أن تتوحد القوى السياسية الكبرى وجمع الأحزاب الثلاثة الكبرى وهي المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في حزب واحد، ما دامت مرجعيتها واحدة، وهي المرجعية الإسلامية، حسبما ذكر رئيس الجمهورية وقتذاك، وقبل أن تجيب عن هذا السؤال يتبادر إلى ذهن الكثيرين (نحن هنا نطرح ما يتبادر إلى ذهن كثير من قرائنا حتى يستبين الأمر من خلال إجابتكم) لماذا إذن كل الذي حدث منذ يوم الجمعة 30 يونيو (حزيران) 1989 والذي تضمن في البيان الأول لـ«الإنقاذ» أنها جاءت من أجل إنهاء الطائفية، وإذا بنا نرى أن «الإنقاذ» تحدث قدرا من التقارب مع الطائفية، بل تريد أن تتمازج داخل هذه الطائفية؟

- إذن الأخ إمام اسمعني جيدا.. أولا نحن الآن في حكومة القاعدة العريضة جمعنا بين الاتحادي الديمقراطي (الأصل) والاتحادي الديمقراطي (المسجل)، وجمعنا بين أحمد نهار في «الأمة الفيدرالي» وبين «الأمة القومي» إذا كان عبد الرحمن الصادق يمثل الأمة القومي والزهاوي الذي يمثل «الأمة الإصلاح». والقيادة الجماعية التي يمثلها الصادق الهادي المهدي وعبد الله مسار من الأمة الموحد، هؤلاء كانوا أشتاتا ونحن جمعناهم في بوتقة واحدة (من خلال المشاركة)، ونحن معهم أيضا (المؤتمر الوطني) ومعهم عناصر أخرى. الآن بعد الذي صار في أول الإنقاذ واستهدف كيانات، كما ذكرت أنت، الآن نجمعهم مع بعض ونقربهم مع بعض، وفي إطار المؤتمر الوطني، إذا شئت أن تستعمل ما يقوله الآن البعض عن الفوضى الخلاقة فهذه ليست فوضى، وإنما عمل خلاق. الآن اجتمع كل هؤلاء في مجلس الوزراء وفي المجلس الوطني وفي ولايات السودان ليشكلوا ليس حزب أمة قديما ولا اتحاديا قديما ولا مؤتمرا وطنيا قديما، وإنما تيار واحد من كل هذه الجهات لأن فكرهم أصله واحد. إذن هنالك عملية تخليق جديد، فأنت يجب ألا تنظر الآن إلى مجلس الوزراء لتعرف من هو أحمد نهار ولا من هو مسار ولا من هو عبد الرحمن الصادق المهدي ولا من هو علي عثمان، الآن هذا تيار يشكل قاعدة عريضة هم أهل السودان المؤمنون بفكر واحد وقاعدتهم واحدة ويجب أن يقودوا السودان في الفترة القادمة لتقارب أكثر وربما توحيد أكثر. إذن ما حدث أن ما طرحته عن مرحلة سابقة لإزالة (تفريق) تعديل في تركيبة أو تكوين المؤسسات (الأحزاب) السابقة، نحن نقوده للمستقبل، وربما خرج بتيار عريض فيه كل هذه المجموعات وإنما التشكيل الجديد.

* نستطيع أن نقول إن «الإنقاذ» الآن تريد أن تقول إنها في باب الإقرار بوجود هذه الأحزاب التي كانت تصنف بأنها طائفية تريد أن تدخل معها في تيار واحد في إطار.. لكنك لا تضعها في صورة الأحزاب القديمة، بل تضعها في صورة أنه الآن هناك وجود جديد وتشكيلات جديدة تخلقت من الأشكال القديمة لتخلق أجيالا جديدة..

- الآن، أن تكون حكومة القاعدة العريضة فهذه خطوة استراتيجية حقيقية في تشكيل الساحة السياسية السودانية، بأن تجعل التقارب يفضي في يوم من الأيام إلى تلاحم وربما وحدة أو تشكيل متقارب جدا وجبهة واحدة لهذه التيارات، فنخرج بعد الحكومة العريضة إلى صورة من صور التوحد بين مجموعات كانت في أحزاب وكانت تشكل مظاهر مختلفة لرؤية واحدة، الآن نعد الوحدة الواحدة، وهي تيار عريض له عقيدته وله فكره وله فهمه، ويكون هذا التيار الذي تخرج به إن شاء الله الحكومة العريضة.

* تسبب التشكيل الوزاري الجديد في خيبات رجاء وسط الرأي العام السوداني داخل السودان وخارجه، باعتبار أن وعودا بذلت من قبل كثير من قياديي المؤتمر الوطني بأن التشكيل الوزاري الجديد سيشهد بداية التغيير لإرساء دعائم الجمهورية الثانية، لكن في حقيقة الأمر جاء التشكيل بغير ذلك، فما مرد الذي حدث من عدم البدء في التغيير الداخلي الموعود من حيث إشراك وجوه جديدة سواء من الشباب أو غيرهم وأيضا محاولة تجديد دماء وزراء المؤتمر الوطني؟

- الحقيقة هي أنه قبل التشكيل الوزاري الجديد كانت هناك ثلاث أطروحات: أطروحة تقول إنه لا بد من مراعاة أن العدد السابق في الحكومة كان كبيرا، ولا بد من حكومة رشيقة، بمعنى تقليل عدد المواقع الدستورية التي كانت في الحكومة الاتحادية أو في الولايات (حكومات ولائية) وبذلك يتم ترشيد الصرف، هذه أطروحة. والأطروحة الثانية كانت أن يفسح للشباب في هذه التشكيلات الجديدة بصورة أكبر مما كان في التشكيلات السابقة. والأطروحة الثالثة هي أن تكون هناك حكومة ذات قاعدة عريضة. واضح أن هذه الأطروحات الثلاث الآن تحقق بعضها ولم يتحقق الآخر. تحقق في رأيي أن الحكومة أصبحت ذات قاعدة عريضة بدخول الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل). وتحقق جزئيا أن يفسح للشباب، وإن رأيت الآن أنت وزراء الدولة وبعض الوزراء الاتحاديين (في الحكومة الاتحادية أو المركزية) لعلمت أن عددا كبيرا منهم من الشباب. وأما أن تكون حكومة رشيقة بمعنى تقليل عدد المناصب الدستورية فقد تحقق ذلك بقدر أقل، فعدد المستشارين أصبح أقل وعدد الوزراء الاتحاديين أصبح أقل. إذن الأطروحات الثلاث فيها ما تحقق بصورة أكبر (حكومة عريضة) وفيها ما تحقق بصورة أقل من ذلك (إدخال الشباب) وبصورة أقل من ذلك (تقليل عدد المناصب الدستورية). وأعتقد أن هذه الأطروحات الثلاث كان من الصعب أن تتحقق كلها بصورة كبيرة نسبة للواقع السياسي السوداني، ونسبة للمحاولات المتعددة من أطراف كثيرة تريد أن ترى نفسها في التشكيل الجديد، إن كانت هذه الولاءات حزبية سياسية أو جهوية أو غيرها. ولذلك فأعتقد أن كل هذه الأطروحات الثلاث، وإن لم تتحقق بصورة كاملة، فالأمل ألا تسقط نهائيا، ولكن تكون لمدخراتنا السياسية للمراحل القادمة.

* ماذا عن قرارات وتوصيات المؤتمر العام الثالث للمؤتمر الوطني وإنفاذها على المستويات كافة سواء كانت القاعدية أو القيادية؟

- طبعا هذا المؤتمر كان مؤتمرا تنشيطيا، حسبما نقول نحن في المؤتمر الوطني، بمعنى أنه ليست فيه انتخابات لعضوية جديدة في أي مسمى من مسمياتها، وإنما هي العضوية التي انتخبت قبل سنتين في المؤتمر العام والتي ستستمر حتى المؤتمر العام القادم بعد سنتين أيضا، وهذا المؤتمر هو مؤتمر تنشيطي، بمعنى أنه تفعيل لمؤسسات المؤتمر وتجديد الحركة والتأكد من أن السياسات والتوجيهات التي صدرت من المؤتمر السابق هي إما نفذت أو في طور التنفيذ. من هذا المنطلق أقول إن المؤتمر كان ناجحا لأنه أولا: كان مؤتمرا استفادت منه العضوية في كل المستويات، استفادت منه العضوية في أنها حركت نفسها وتحركت الكوادر من المستوى الأعلى للمستوى الأدنى وبالعكس، بحيث إن المؤتمر الوطني في قطاعاته المختلفة تحرك بفعالية وأتى من المناطق للولاية بصورة قوية ومن الولاية للمركز بصورة قوية أيضا. إذن فقد حركت من ناحية تنظيمية كل هذا الدولاب الكبير للمؤتمر الوطني بفعالياته المختلفة، فكان هذا فيه تنشيط حقيقي. كذلك اللجان التي شكلت وناقشت القضايا المطروحة سياسية واقتصادية ووضع المؤتمر الوطني وكل هذا كان فيه نقاش ثر، وكان فيه تقويم، وكان فيه نقد، وكان فيه توجيه، وكانت فيه مراجعة لكل أعمال المؤتمر الوطني، ومن هذه الناحية أيضا نشطت أجهزة المؤتمر الوطني وكانت فاعلة جدا في هذه المجال، وأدت المطلوب منها وهو التنشيط الفكري والسياسي والاجتماعي لهذه المؤسسات، وكما قلنا أيضا أدت إلى تحريك الدولاب التنظيمي من أدنى مستوياته إلى أعلى مستوياته. وبالتالي من ناحية التنشيط تم هذا. أيضا في هذا المؤتمر دخلت أشياء مهمة جدا، مثل أنه لأول مرة في مثل هذه المؤتمرات يقوم بإدارة اللجان لهذا المؤتمر عضوية من الولايات ولم تكن من المركز، ولذلك فإن القيادات الولائية وجدت دورا فاعلا في لجان المؤتمر، وتعرفنا فيها على قدرات هذه القيادات بصورة جيدة. وهي أيضا تعرفت على العضوية من ولايات مختلفة بصورة ممتازة جدا فكان هناك تعارف وتداخل بين عضوية المؤتمر الوطني في الولايات المختلفة بصورة كبيرة. وأخيرا أجاز المكتب القيادي بعض التعديلات في هياكل المؤتمر الوطني وتغيير بعض قياداته، وذلك إنفاذا لمقررات المؤتمرات التنشيطية التي عقدها المؤتمر الوطني في نوفمبر الماضي. وسيتم إنفاذ المقررات الأخرى قريبا إن شاء الله.