الأكراد في سوريا.. الورقة الرابحة للثوار

يطالبون بقدر أكبر من السيادة وتقرير المصير

TT

تبرز الأقلية الكردية في سوريا، التي كثيرا ما واجهت القمع، باعتبارها ورقة رابحة قد تعزز زخم المعارضة السورية التي تعاني من حالة من التشتت والحصار، في الوقت الذي يبدو فيه أن الثورة السورية التي دخلت عامها الأول تتجه نحو حالة من العنف الشديد.

وحتى الآن، لم يقدم الأكراد الدعم اللازم للثورة التي تشهدها سوريا على نطاق واسع، والتي تقودها الأقلية العربية السنية بشكل رئيسي، والتي بدأت تتخذ اتجاها طائفيا بعض الشيء. ويخشى الأكراد من تفاقم حالة التهميش التي يعانون منها في حال تشكيل حكومة جديدة يسيطر عليها السنة.

ويقوم الأكراد في شمال شرقي البلاد بتنظيم مظاهرات سلمية بشكل يومي ضد نظام الأسد. وقد ركزت الحكومة معظم جهودها لقمع التمرد في المدن السنية مثل حمص وحماه، ولكنها امتنعت، في معظم الأحيان، عن استخدام القوة ضد الأكراد.

ويمثل العرب السنة الأغلبية في سوريا التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، والتي كانت لعقود تحت حكم الشيعة العلويين، بينما يتراوح عدد الأكراد بين 8 في المائة و15 في المائة، حسب التقديرات. وتعاني سوريا من بعض الانقسامات الدينية والعرقية، مما جعل الثورة السورية أكثر تعقيدا من الثورات التي شهدتها دول أخرى مثل ليبيا ومصر وتونس.

ويبدو أن هناك حالة من الانقسام بين الأكراد السوريين حيال الدور الذي سيقومون به في حال نجاح الحركة الثورية المعارضة في الإطاحة بحكومة الأسد. ومن ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الغربية حث الأكراد على المشاركة في الحركات الاحتجاجية التي تشهدها سوريا.

وقد صرح دبلوماسي غربي معني بالسياسات السورية بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يعملون من وراء الكواليس لحث حركات المعارضة على الالتزام بحقوق الأكراد بعد سقوط الأسد. وأضاف الدبلوماسي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «إذا ما قرر الأكراد المشاركة في الاحتجاجات بصورة كبيرة، فقد يكلف ذلك النظام فقدان السيطرة على منطقة بأكملها، وقد يؤدي ذلك إلى تزايد حدة الاحتجاجات في حلب ودمشق».

وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة الكردية تمثل أهمية كبيرة لسوريا من الناحية الاستراتيجية، حيث إنها تشترك في الحدود مع العراق وتركيا وتمتلك احتياطيا كبيرا من النفط مما يجعلها مطمعا.

ويراقب المسؤولون في تركيا، التي يوجد بها اضطهاد للأقلية الكردية التي تضم جناحا مسلحا، وفي العراق، التي يمتع فيها الأكراد بدرجة كبيرة من السيادة، الصراع عن كثب، ويشعرون بقلق شديد من تأثير ما يحدث في سوريا على الوضع الداخلي في بلدانهم. ويحاول الأكراد - مجموعة عرقية تنتشر في العراق وتركيا وإيران وسوريا - منذ وقت طويل لإقامة دولة خاصة بهم، وهو الطموح الذي كثيرا ما أدى إلى اضطهادهم.

وتعكس حالة الأكراد السوريين، وفقا لما جاء في لقاءات شخصية مع خبراء وقادة في سوريا والعراق، السبب وراء تأخر الثورة السورية في إحراز تقدم حاسم وما قد تكون عليه الأوضاع من فوضى بعد سقوط الأسد. وعندما خرج السوريون إلى الشوارع، متأثرين بالثورتين في مصر وتونس، امتنع القادة السياسيون الأكراد عن المشاركة في الثورة، لا سيما في مراحلها الأولى، على الرغم من أنه كان لديهم كل الدوافع للقيام بالثورة لأنهم محرومون من كل الحقوق المدنية.

وقال عبد الباقي يوسف، وهو سياسي كردي سوري، في لقاء في أربيل: «دائما ما يحاول النظام البعثي الترويج لفكرة أن الأكراد يحاولون تقسيم سوريا»، في إشارة إلى حزب البعث الذي يترأسه الأسد. وأضاف: «لو شاركنا في الثورة، لادعى النظام إننا نسعى لتقسيم سوريا».

وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه الثورة في مدينة درعا جنوب سوريا، بدأ الأكراد احتجاجات واسعة في مدينة القامشلي التي تقع في شمال شرقي سوريا وبعض المناطق الكردية الأخرى، ووصلت الأعداد في تلك الاحتجاجات إلى عشرات الآلاف في بعض الأحيان، حسب تصريحات القادة الأكراد. وقام الثوار بتمزيق صور الرئيس الأسد، كما حطموا تمثالا لوالده، الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

وقال ناشطون أكراد إن كراهية الأكراد لنظام الأسد قد زادت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عقب اغتيال المعارض السوري الكردي البارز مشعل تمو، ومع دفنه خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في شمال شرقي البلاد، في مشهد نادر الحدوث تم اتهام قوات الأمن فيه بإطلاق الذخيرة الحية على حشود المتظاهرين.

وعلاوة على الهتافات المعادية للأسد، كانت المظاهرات التي اندلعت في المناطق الكردية تطالب بقدر أكبر من السيادة وتقرير المصير، ورفع المتظاهرون العلم الكردي. وقال نشطاء أكراد إن قوات الأمن اكتفت بالوقوف لرؤية النشطاء والمظاهرات وكانت تفكر في تفريق المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع، وهو ما يوضح أن قوات الأمن قد أظهرت درجة كبيرة من ضبط النفس في المدن الكردية، في تناقض صارخ للقصف الشديد على مدينة حمص في الآونة الأخيرة.

وقال صالح كادو، وهو زعيم في الحزب اليساري الكردي في مدينة القامشلي، في مقابلة عبر الهاتف: «النظام لا يريد أن يدخل في اشتباكات مع الأكراد. ونحن نشدد حتى الآن على أن الثورة يجب أن تكون سلمية، ونؤمن بأن التغيير سوف يتحقق من خلال الوسائل السلمية».

وقالت دنيس ناتالي، وهي خبيرة في السياسة الكردية في جامعة الدفاع الوطني، إن نظام الأسد يسعى إلى استمالة بعض الفصائل الكردية، من خلال تقديم بعض التنازلات مثل تقديم المواطنة الكاملة للأكراد الذين حرموا لسنوات من الحصول على أي وثائق رسمية.

وأضافت ناتالي: «لو قام النظام بقمع الأكراد فسيكون هذا بمثابة مسمار آخر في نعشه. وفي الحقيقة، يعد الأكراد أحد الفصائل التي يحاول النظام التعاون معها».

وعلى الرغم من تصريح القادة الأكراد بأن معظم الأكراد السوريين لا يزالون معارضين للأسد بقوة، فإن الأكراد يشعرون بانزعاج شديد من الدور الذي تقوم به تركيا في تنظيم المعارضة السورية. وقد أصبحت تركيا ملاذا للاجئين السوريين ولأعضاء من حركة المعارضة المسلحة، والمعروفة باسم «الجيش السوري الحر».

ويتعامل القادة الأتراك بحساسية شديدة مع الملف السوري، حيث سبق لأعضاء حزب العمال الكردستاني، الذي حارب الحكومة التركية على مدار سنوات في محاولة للحصول على الاستقلال، أن استخدموا المناطق النائية في سوريا لشن هجمات على تركيا، ويمكنهم القيام بذلك بكل سهولة الآن إذا ما تواطأوا مع نظام الأسد.

وقد قاطعت الجماعات الكردية قمة لأحزاب المعارضة السورية في شهر مايو (أيار) الماضي لأنها قد عقدت في تركيا، في حين حضرت جماعات قليلة المؤتمر الذي عقد في إسطنبول في شهر أغسطس (آب) الماضي، والذي تم خلاله تشكيل «المجلس الوطني السوري».

وقال شلال جادو، وهو زعيم سياسي كردي، في مقابلة أجريت معه في مدينة السليمانية العراقية التي يقيم بها الآن: «يسعى النظام إلى تقسيم المعارضة من خلال اتباع تكتيكات فرق تسد. ونشعر بأسف شديد لأن الأغلبية في المعارضة تفكر بنفس طريقة النظام، بدليل أنهم لا يريدون الاعتراف بحقوق الأكراد».

وفي محاولة لرأب الصدع بين الجماعات الكردية السورية، استضاف مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق، لفيفا من الساسة الأكراد من سوريا الشهر الماضي. وتعهد بارزاني بتقديم الدعم لهم إذا ما ظلوا متكاتفين معا، مشددا على أنه لا ينبغي للأكراد أن ينضموا إلى المقاومة المسلحة. وأضاف: «لقد انتهى عصر الكفاح المسلح».

* أسهم في كتابة التقرير عزيز علوان من أربيل.