اللاجئون السوريون في المخيمات التركية يعيشون الملل والخوف من نزاعات طائفية

أحدهم: ثمة علاقة سرية بين قوات الأمن التركية وقوات الأمن السورية

TT

في مخيم بخشين للاجئين، لم يعكر أي شيء صفو وسيم صباغ، وهو مسيحي سوري من حمص. لكن عبر نهر العاصي، الذي يفصل بين تركيا وسوريا، كان يسقط ضحايا بينما كنا نائمين، بأعداد يستحيل إحصاؤها بسبب منع الحكومة السورية المراقبين المستقلين من دخول سوريا. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن «عددا يربو عن» 7,500 شخص قد لقوا مصرعهم إبان الانتفاضة التي اندلعت منذ عام.

وقد باتت الحياة حسب ما قالت وكالة «أسوشييتدبرس» في مخيم اللاجئين - حيث يمضي اللاجئون وقتهم آملين في سقوط بشار الأسد عما قريب - روتينية. ويقارن أصدقاء صباغ الأنواع المختلفة من سمك التونة التي يقدمها لهم عاملو الإغاثة الإنسانية الأتراك، بطيور الحمام التي يحتفظ بها أحد الرجال في قفص منزلي الصنع، فيما يتابعون بالطبع مستجدات الأحداث المروعة من داخل سوريا.

وعلى مدار عدة أشهر، سمح للاجئين السوريين الذين يعملون مع الجيش السوري الحر بالتحرك جيئة وذهابا كما يشاءون. ولكن بحسب لاجئين ونشطاء، فخلال الأيام الماضية، ومع ظهور الدبابات والمركبات العسكرية على الحدود - بدأ المسؤولون الأتراك في التعامل مع اللاجئين بشكل أكثر عنفا. ويقول النشطاء إنه قد تم تحذيرهم من أن هؤلاء الذين لم يحصلوا على موافقة مسبقة على إرسال مساعدات إنسانية عبر الحدود سيتم احتجازهم وإرسالهم إلى مخيم مخصص للاجئين مثيري الشغب.

«نحن خائفون»، هكذا تحدث لاجئ من مدينة جسر الشغور الشمالية. في البداية، شعر بالارتياح عندما وصل إلى تركيا قبل تسعة أشهر، لكنه يشعر الآن بأنه واقع في فخ وغير متأكد مما يتعين عليه القيام به لاحقا. «نحن لا ننظر إلى (رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان) بوصفه الحكومة بأكملها. إنني لا أدافع عن أردوغان، لكن هذه هي الحقيقة، نؤكد على أن ثمة علاقة سرية بين قوات الأمن التركية وقوات الأمن السورية».

وعلى غرار كثيرين من عشيرتهم في سوريا، يكافح قرابة 11000 لاجئ سوري داخل تركيا من أجل النجاة من صراع بات أكثر دموية وأصبح يحكمه التعصب الطائفي. يبدو من المحتمل أن تزداد أعداد اللاجئين مع تصعيد قوات الأمن التابعة للأسد إجراءاتها القمعية. وفي أعقاب الهجوم الذي شنته قوات النظام على مدينة حمص المهتاجة، حذر مسؤولون بالأمم المتحدة من أن 2000 سوري يستعدون للنزوح إلى لبنان. وفي الوقت الذي تبدو فيه محافظة إدلب الواقعة شمال سوريا هي ساحة المواجهة القادمة بين الأسد والمعارضة، ربما يفد إلى تركيا سيل جديد من اللاجئين.

فضلا عن ذلك، فقد ازداد الضغط على ممرات التهريب المؤدية إلى تركيا، مع فرض قوات الأسد قيودا صارمة على شمال سوريا. ويتقاضى المهربون المحليون، الذين يأتون بالإمدادات إلى سوريا ويخرجون المصابين منها، ما بين 500 وألف دولار على الشخص الواحد لتمكين الصحافيين من دخول سوريا. وعندما عزز الجيش السوري قواته بمنطقة الحدود، اختفى بعض المهربين. ويقول قائد محلي بالجيش السوري الحر إنه ليس بحاجة لمزيد من الصحافيين، بل إلى أسلحة.

ويرغب صباغ، ككثيرين غيره ممن تضرروا من هذه الحرب، في معرفة سبب عدم اتخاذ العالم أي إجراء من أجل وضع حد لمعاناة السوريين.

«لماذا يخرس المجتمع الدولي عن ما يحدث داخل سوريا؟»، يتساءل صباغ. في أحد الأيام، انحنى وتقيأ في قارعة الطريق. السبب، على الأرجح، هو مزيج من الضغط وبرود المشاعر.

يقول صباغ إن جميع اللاجئين في المخيم الذي يقيم به، والبالغ عددهم 1700 لاجئ، من السنة، باستثنائه. يدرك اللاجئون أن المجتمع الدولي يحدوه القلق من النزاع الطائفي الإقليمي، لكن تضمين الأقليات السورية في الثورة فكرة تبدو جيدة على المستوى النظري ولكن يصعب تنفيذها.

«النظام يوظف العلويين في القضاء على بقية فئات الشعب؛ إنه رد فعل طبيعي تجاه هذا»، يتحدث صباغ عن العنف الطائفي بين السنة والعلويين. «إنهم يقتلون فقط لأنهم علويون. لدينا الحق في أن نقول إن العلويين يقتلون أفراد الطوائف الأخرى».

فر صباغ، الذي ولد في مدينة قطنا، إلى سوريا في أعقاب الاضطهاد الشديد من قبل قوات الأمن في عام 2000. وكانت أولى المرات التي تعرض فيها لاضطهاد، على حد قوله، عندما رفض أن يصبح عضوا مبتدئا بحزب البعث في المدرسة الثانوية. ولاحقا، تم إلقاء القبض عليه واتهامه بتشكيل حركة دينية بعد تعليمه الأطفال اللغة الإنجليزية في الكنيسة. ويقول إن الاضطهاد استمر بعد أن تم تجنيده في الجيش. فبعد قضائه سنوات عدة بالخارج في لبنان والإمارات العربية المتحدة، تقدم بطلب للحصول على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة.

اندلعت الانتفاضة السورية، بينما كان ينظر في طلب صباغ بالحصول على اللجوء السياسي. وطار إلى تركيا بهدف العودة برا إلى قطنا ليبقى إلى جوار أسرته - لكن قيل له، لدى وصوله إلى الحدود، إن فرصته في الوصول إلى وطنه حيا محدودة جدا. «ذهبت إلى تركيا لأني لا أثق في اللبنانيين.. كما أن قوات الأمن السورية لديها يد طولى في لبنان»، يقول صباغ.

تزداد درجة الإحباط بين اللاجئين. فقد أقروا بصراحة بعجز المعارضة عن الاتحاد تحت لواء واحد، ويهزأون من العقيد رياض الأسعد، المنشق الذي يزعم أنه يقود الجيش السوري الحر من مخيم لاجئين تركي آخر، بسبب خضوعه لسيطرة الحكومة التركية وعجزه عن قيادة المقاتلين بشكل فعلي.

«إنهم يجلسون فقط ولا يحركون ساكنا»، هكذا يتحدث أحد اللاجئين عن رياض الأسعد وضباط آخرين منشقين في تركيا يزعمون أنهم يقودون الجيش السوري الحر. وأضاف: «ليس بوسعهم فعل أي شيء لأنه ليس مخولا لهم ذلك».

التباين بين رموز المعارضة المنفيين والحقيقة على أرض الواقع يثير أيضا حالة من الاستياء داخل مخيمات اللاجئين. ومع عقد أعضاء المجلس الوطني السوري، والذي يتمثل الهدف منه في أن يكون مظلة سياسية تنضوي تحت لوائها المعارضة السورية، مؤتمرات في فنادق فاخرة في إسطنبول، ذهب أحد قادة الجيش السوري الحر إلى حد تسريب صندوق من الرصاص عبر الحدود الواقعة تحت خط النار.

ويلقي اللاجئ نفسه الذي انتقد الجيش السوري الحر باللوم على النظام السوري في غرس بذور الفرقة بين جماعات المعارضة المختلفة. «إنك تمضي حياتك بأكملها في السجن؛ فلا يمكنك تناول الطعام إلى أن تحصل على إذن بذلك. ويوما ما تجد نفسك الشخص الذي يتحكم في السجناء داخل السجن»، هكذا تحدث.

وأضاف: «كيف يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص قادة حقيقيين في مثل هذا الوضع الحرج؟».

ويلقي تدفق اللاجئين بضغط أيضا على موارد تركيا. ومع ذلك، فقد أنكر مصدر دبلوماسي تركي في إقليم هاتاي الواقع على الحدود السورية التركية أن المخاوف المثارة حول التعامل مع تدفق المزيد من اللاجئين هي ما يمنع تركيا من اتخاذ إجراء أكثر عنفا ضد نظام الأسد. «تركيا مستعدة لاستقبال جميع السوريين، مستعدة لاستقبال كل هؤلاء المعرضين لمخاطر، لا يوجد حد أقصى للأعداد التي يمكن أن نقبلها»، هكذا يقول. ويضيف: «نحن نعكف على إنشاء مخيم ضخم يمكن أن يستوعب 10,000 لاجئ».

يعتبر ذلك تطمينا لقلة قليلة من اللاجئين السوريين، على الرغم من ظروفهم المزرية. فسرعان ما سيصبح بإمكان السوريين الانتقال إلى مخيم أكبر على بعد نحو 125 ميلا من الحدود، حيث ستتم الاستعاضة عن خيامهم المصنوعة من قماش القنب - التي تراكم عليها عفن أسود الآن - بأماكن معيشة مكونة من غرفتي نوم وحمام ومطبخ. وتجبر هذه الخطوة اللاجئين الذين يعملون مع الجيش السوري الحر على الاختيار ما بين العودة إلى سوريا واحتمال فقدان إمكانية حصولهم على الإمدادات الحيوية الموجودة في تركيا وبين الاستقرار في المخيم الجديد بعيدا عن الحدود - حيث يخاطرون بفقدان قدرتهم على العبور إلى سوريا.

وفيما ستحظى التحسينات في الظروف المعيشية دون أدنى شك بالتقدير من قبل السوريين، إلا أن الحكومة التركية ما زالت ترفض منحهم وضعهم القانوني كلاجئين. فهي تتعامل مع السوريين بوصفهم «ضيوفا»، وهي ثغرة تتطلب قدرا من المسؤولية القانونية. وقد قوبلت عروض مساعدة مقدمة من منظمات دولية للمساعدات الإنسانية بالرفض من قبل الأتراك، حتى بعد غرق أحد المخيمات ومرض كثير من اللاجئين.

ربما يرجع هذا الأسلوب الفاتر إلى رغبة في السيطرة على قوات المعارضة ومخاوف من انتقال النزعة الطائفية التي مزقت أوصال المجتمع السوري إلى تركيا بالمثل. وقد قام مجهولون برسم صلبان على منازل في تركيا يملكها النصيريون، وهم أقلية مماثلة للعلويين، لإبرازها عن غيرها. وقد حاكى هذا العمل الترويعي المذبحة التي وقعت في عام 1978، والتي راح ضحيتها 105 من طائفة النصيريين على يد قوميين متعصبين من السنة، بعد أن تم رسم صلبان على منازلهم بطريقة مماثلة.

ووصف وزير الداخلية التركي، إدريس نعيم شاهين، الذي يعتبر سنيا وقوميا، الحادث بأنه «عمل صبياني طائش». في الوقت نفسه، نظم العلويون في أنطاكيا، عاصمة إقليم هاتاي، العديد من المظاهرات المؤيدة للأسد وأعربوا عن مخاوفهم لأقربائهم داخل سوريا، الذين خشوا من أن يواجهوا هجمات ثأرية من قبل جماعات مناهضة للأسد. كذلك، أعربوا عن عدائهم لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي ظهر كأحد أشد المعارضين الدوليين الرئيسيين لنظام الأسد.

ويقول دوغان بيرميك، رئيس اتحاد المؤسسات العلوية، إن هناك قدرا أكبر من الحريات الدينية في سوريا في عهد الأسد منه في تركيا، وإن «البعض» كان يحاول إثارة حرب دينية في كلا البلدين.

«هؤلاء الذين يحاولون استغلال (الانتفاضة العربية) كوسيلة لإحداث صدام بين الأديان في سوريا، ربما يحاولون توسيع نطاق النزاعات الطائفية»، هذا ما حذر منه بيان أرسله الاتحاد. ولم يتفق الجميع مع ما جاء في البيان. تقول لويز عبد الكريم، 35 عاما، هي ممثلة من الطائفة العلوية من مدينة اللاذقية الساحلية، إنها قد دعمت المعارضة منذ البداية. وقد غادرت سوريا في ديسمبر (كانون الأول) بعد تعرضها لمضايقات مستمرة من قبل قوات الأمن، وتعيش الآن في القاهرة.

وتقدر عبد الكريم أن ثلث العلويين يدعمون الأسد «لأنهم يستفيدون من النظام»، في حين يدعمه الثلث الآخر «لأنهم يصدقون رواية العصابات المسلحة»، أما الثلث المتبقي، فلا يصدق رواية النظام السوري، لكنهم من الجبن بحيث لا يمكن أن ينبسوا ببنت شفة.

ويتم استهداف عدد من العلويين يفوق ما يتم الإعلان عنه بسبب التعتيم الإعلامي، حسبما تزعم عبد الكريم. وتقول: «النظام لا يحمي الأقليات؛ إنها أكذوبة أخرى».

يتفق صباغ مع هذا الرأي. فقد كانت مدينة قطنا، مسقط رأسه، خاضعة لحراسة مشددة من قبل الجيش السوري على مدار أشهر لضمان أن المسيحيين هناك لن يقوموا بدعم المعارضة بأي صورة. «الوضع معقد نوعا ما بسبب المسيحيين أنفسهم»، يقول صباغ. ويضيف: «لن تنشب حرب أهلية، لكن سوريا ما بعد الأسد لن تنعم بالهدوء والاستقرار».

ويتوقع صباغ وقوع بعض أعمال العنف الطائفية ضد المسيحيين في أعقاب سقوط الأسد، تشمل، في رأيه، تفجير كنائس. وهو مبعث خوف يشترك فيه العديد من القادة المسيحيين، الذين يحتمون بنظام الأسد. على سبيل المثال، حذر البطريرك الماروني، بشارة الراي، مؤخرا من أن الربيع العربي تحول إلى شتاء من «العنف والحرب والدمار والقتل». لكن على الرغم من كل هذه المخاوف، يحدو صباغ التفاؤل بأن السوريين سرعان ما سيتمكنون من العودة إلى حالة التعايش. وفي هذه الأرض المشاع، يعتبر بمثابة تذكرة بأن كثيرين ما زالوا يلعنون المعركة الدينية التي نشبت داخل سوريا.

يقول: «لقد أبهرنا العالم بثورتنا. وربما سنبهر العالم بالفترة القصيرة التي ستظل فيها سوريا في حالة من عدم الاستقرار».