موسكو تعتبر مشروع القرار الجديد حول سوريا «غير متوازن»

واشنطن تصر على مشروعها.. وبكين ترسل مبعوثا للسعودية ومصر وفرنسا

طفل في منطقة القصور بحمص يحمل لافتة يوجه من خلالها رسالة للشعب السوري (رويترز)
TT

أكدت روسيا أمس رفضها مشروع القرار الجديد الذي طرحته واشنطن في مجلس الأمن الدولي حول سوريا لأنه «غير متوازن» لكونه لم يتضمن نداء إلى طرفي النزاع، أي الحكومة والمعارضة، لوقف العنف، بينما أعلنت الصين إرسال مبعوث جديد إلى كل من السعودية ومصر وفرنسا لشرح موقفها من الأزمة السورية.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، بحسب ما نقلت عنه وكالة «إنترفاكس الروسية» للأنباء «لا يمكننا الموافقة على مشروع القرار بالصيغة التي طرح بها.. نص القرار الذي تجري مناقشته غير متوازن».

وأضاف أن «المشكلة الرئيسية فيه تكمن في عدم مطالبته في آن واحد كل الأطراف بأخذ خطوات عملية لوقف إطلاق النار».

وأوضح المسؤول الروسي أن موسكو تلقت تقارير مفادها أن مجلس الأمن الدولي يعتزم طرح مشروع القرار على التصويت بعد غد (الاثنين).

من جهتها، ألقت الولايات المتحدة بثقلها السياسي والدبلوماسي وراء مشروع القرار الذي تقدمت به الأسبوع الماضي حول سوريا، والذي تطالب فيه الولايات المتحدة بعبارة واضحة بـ«النظر في اتخاذ إجراءات إضافية ضد سوريا ما لم تمتثل لمطالب مجلس الأمن»، ويسعى نص مشروع القرار إلى دعم مبادرة الجامعة العربية بمطالبة سوريا بوقف جميع أشكال العنف وحماية سكانها وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتشكيل حكومة انتقالية للوحدة الوطنية يرأسها شخص تختاره الحكومة والمعارضة. وقد بحث مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي في جلسة مغلقة يوم الثلاثاء الماضي بمشاركة الأعضاء الدائمين وممثل عن دولة المغرب. وعلقت سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة على الاجتماع والاعتراضات الروسية بقولها إن الاجتماع كان تمهيدا وإن الجهود الدولية مستمرة حتى التوصل لحل للأزمة السورية.

واستخدم مشروع القرار عبارات قوية لإدانة العنف في سوريا ملقيا مسؤولية الأحداث على الحكومة السورية. ويدين نص مشروع القرار الانتهاكات المستمرة على نطاق واسع ومنهجي وجسيم لحقوق الإنسان والحريات الأساسية من قبل السلطات السورية، ويطالب الحكومة السورية بوضع حد فوري لمثل هذه الانتهاكات والسماح بالوصول الفوري ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية لجميع السكان الذين هم في حاجة إلى مساعدة، كما يدعو مشروع القرار إلى مساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

ويدعو مشروع القرار جميع العناصر المسلحة في سوريا بما في ذلك قوى المعارضة من الجيش السوري الحر إلى الامتناع عن ممارسة العنف لكن النص يطالب بهذه الخطوة بعد انسحاب الجيش النظامي وسحب جميع القوات العسكرية المسلحة من المدن والبلدات السورية.

وفي محاولة للالتفاف والتغلب على الاعتراضات الروسية، أضافت الولايات المتحدة عبارة بمشروع القرار تقول فيها «إن مجلس الأمن المكون من 15 دولة تؤيد تماما جهود الاتحاد الأفريقي الذي يقوده كوفي أنان لتسهيل عملية انتقال سياسي للسلطة تقودها الحكومة السورية إلى نظام سياسي متعدد وديمقراطي». وقد فشل مجلس الأمن خلال الفترة الماضية في تبني قرارين الأول يدين العنف في سوريا والثاني يؤيد المبادرة العربية بسبب استخدام كل من روسيا والصين لحق «الفيتو»، بينما حملت عدة دول عربية مجلس الأمن مسؤولية ما يجري في سوريا، معتبرة أن صمت المجلس على ما يحدث أمر «غير مقبول ويشكل (فضيحة)».

وقد شهدت كواليس الأمم المتحدة ومجلس الأمن خلافات شديدة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية، حيث تضغط مجموعة من المنظمات والدول ومنها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتشديد العقوبات على السلطات السورية لوقف العنف، في حين ترى مجموعة أخرى تتصدرها روسيا والصين أن ما يحدث في سوريا هو شأن داخلي يجب حله عبر حوار وطني وترفض أي تدخل خارجي في الشأن الداخلي.

إلى ذلك، أعلنت الصين أمس عن إرسال مبعوث جديد إلى كل من السعودية ومصر وفرنسا لشرح الموقف الصيني حول الأزمة السورية، وذلك بعدما واجهت انتقادات شديدة بسبب دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال ليو وايمين الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إن تشانغ مينغ الدبلوماسي الرفيع المستوى سيقوم بجولة تستغرق سبعة أيام يستهلها بالسعودية ثم مصر على أن يزور فرنسا من 14 إلى 16 مارس (آذار) الجاري. وتبذل الصين جهودا للدفاع عن موقفها بعدما انتقدتها عدة دول لأنها استخدمت حق النقض مع روسيا ضد مشروعي قرار في مجلس الأمن يدينان القمع في سوريا.

وأوفدت الصين عدة مبعوثين في الأسابيع الماضية إلى سوريا ودول عربية أخرى. وقد أعدت خطة من ست نقاط تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا وإجراء مفاوضات بين أطراف النزاع لكنها رفضت أي تدخل أجنبي في البلاد.

كما أبدت بكين استعدادها لإرسال مساعدة إنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة أو منظمة «حيادية» بشرط أن يتم الحفاظ على السيادة السورية.

وأكد المتحدث الصيني أمس أن بكين «تدعم الدور البناء» الذي يقوم به مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان.

ومن جانبها، حرصت باريس على تأكيد مساندتها للمساعي الهادفة إلى بلورة «حل سياسي» للأزمة السورية مستبعدة الخيار العسكري، وهو ما أكده وزير الخارجية آلان جوبيه في الرباط أمس، مستبعدة أيضا تسليح المعارضة السورية، لأنه ترى فيه بابا لحرب أهلية تهدد سوريا والمنطقة بأسرها.

غير أن الإشكالية تقع في «تحديد» مكونات الحل السياسي. وفي هذا السياق، تتمسك باريس بالمبادرة العربية وتبدي شكوكا إزاء تعدد «مبادرات» السلام، ومنها المبادرة الصينية المكونة من ست نقاط. وبحسب فرنسا، فإن الحل السياسي يكمن في تنفيذ بنود المبادرة العربية التي تحظى بدعم دولي، كما برز ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس، والتي تضمنها مشروع القرار الذي أجهض مؤخرا في مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الروسي - الصيني.

وأمس، قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية في مؤتمر الصحافي الأسبوعي إن «تعدد خطط السلام» في إشارة إلى الخطة الصينية وقبلها الروسية والأفكار الجديدة المطروحة «يعني الدوران في حلقة مفرغة، إذ هناك خطوة مطروحة على الطاولة»، أي الخطة العربية «ويتعين دعمها». وأضاف برنار فاليرو أن باريس «متمسكة بالخطة العربية» التي ترى أنها الطريق للحل السياسي.

وقالت مصادر واسعة الاطلاع في الأمم المتحدة اتصلت بها «الشرق الأوسط» بالهاتف إن الاتصالات مستمرة بين الدول الغربية والمغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. غير أنها اعتبرت أن الأجواء «بعيدة عن التفاؤل» حيث إن الموقف الروسي «لم يتزحزح» حتى الآن، فيما بكين «تلحق» بموسكو. وكشفت هذه المصادر أن نقطتي الخلاف الأساسيتين تتمثلان في تعيين الخطوات الميدانية الواجب البدء بها. فمن جهة، تريد روسيا أن يتوقف العنف بكل أشكاله «أولا» قبل انسحاب قوات الجيش من المدن، بينما الغربيون يطالبون أولا بانسحاب قوات النظام فورا لما يعتبرونه الطريق الوحيد لوقف القتل والقمع.

أما نقطة الخلاف الثانية فتكمن في رفض الغربيين أن توضع قوات النظام المسؤولة عن القمع والقتل على قدم المساواة مع الثوار الذين يدافعون عن المدنيين. وكانت هذه النقطة إحدى المسائل التي دفعت موسكو وبكين إلى إجهاض مشروع القرار السابق في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب رفض العاصمتين المذكورتين قبول بند الخطة العربية الذي يدعو إلى تخلي الرئيس السوري عن صلاحياته لنائبه الأول للتفاوض مع المعارضة وتشكيل حكومة جديدة مختلطة وإجراء انتخابات.

وقالت باريس إنها تريد «قرارا حقيقيا من مجلس الأمن، ولا نريد قرارا يبعث برسالة سيئة» إلى السوريين «لأنه لا يمكن المساواة بين القمع الوحشي الذي يقوم به نظام الأسد منذ أشهر، والمطالب المشروعة للشعب السوري باحترام حقوقه الأساسية». ووفق ما قاله، فإن قرارا من المجلس يعني التأكيد على مسؤولية قوات النظام والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والسعي لحل سياسي والتأكد من أن الإفلات من العقاب لمرتكبي أعمال القمع الهمجي والعنف لن يحصل».

وتختبئ روسيا وراء اعتبار أن المشروع الجديد «غير متوازن». وقالت المصادر الأممية لـ«الشرق الأوسط» إن الأجواء السائدة والمناقشات التي جرت حتى الآن «لا تبشر بالخير». غير أنها أشارت إلى الاجتماعات المهمة التي ستشهدها نيويورك يوم الاثنين القادم بمناسبة المناقشات التي سيجريها المجلس بناء على طلب بريطانيا حول أوضاع العالم العربي وعلى رأسه سوريا، والتي ينتظر منها أن توضح بشكل أفضل الموقفين الروسي والصيني ومعرفة ما إذا كانت موسكو قد أصبحت «جاهزة» لإحداث انعطاف ما في سياستها إزاء سوريا بعد أن أجريت الانتخابات الرئاسية فيها، أم لا.