إيطاليا تندد بشدة بعملية فاشلة دبرتها بريطانيا لتحرير رهينتين في نيجيريا

روما انتقدت عدم إبلاغها المسبق بالهجوم الذي أدى لمقتل الرجلين.. ولندن تبرر تسرعها بضغط الوقت

طفل يطل خلف جدار لمشاهدة آثار الرصاص المستخدم في العملية الفاشلة لتحرير الرهينتين في منطقة سوكوتو بنيجيريا أمس (أ.ب)
TT

نددت إيطاليا، بشدة، أمس، بعملية عسكرية دبرتها بريطانيا، لتحرير رهينتين، إيطالي وبريطاني، في نيجيريا، إلا أنها فشلت في النهاية، وتسببت في مقتل الرهينتين. وقال الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو، للصحافيين أمس: «إن سلوك الحكومة البريطانية بعدم إبلاغ إيطاليا لا يمكن تفسيره، ومن الضروري تقديم توضيح سياسي ودبلوماسي». وقالت بريطانيا أمس إنه تم إبلاغ «الإيطاليين مع بداية العملية».

كانت قوات الأمن النيجيرية، مدعومة بعناصر بريطانية، قد نفذت، صباح أول من أمس، عملية دهم في منزل بسوكوتو في أقصى الشمال الغربي؛ حيث كان يحتجز الرجلان اللذان خطفا في مايو (أيار) 2011. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مساء أول من أمس، أن المهندسين، البريطاني كريس ماكنوس، 28 عاما، والإيطالي فرانكو لامولينارا، 48 عاما، قُتلا. وكان كاميرون قد أوضح، أول من أمس، أنه أعطى موافقته على تنفيذ العملية.

لكن الكثير من الأسئلة بقيت قائمة أمس حول الملابسات الدقيقة لمقتل الرهينتين وسير العملية وهوية الخاطفين، حين ثار جدل في روما بسبب عدم إبلاغ روما مسبقا بالعملية. وقال كاميرون: «بحسب المعطيات الأولية تم اغتيال الرجلين من قبل خاطفيهما قبل أن نتمكن من إنقاذهما».

كان الرئيس النيجيري، غودلاك جوناثان، قد أكد، في بيان، أنه تم اغتيال الرهينتين من قبل خاطفيهما الذين قال إنهم ينتمون إلى مجموعة «بوكو حرام» المسلمة المتشددة. والمجموعة التي كثفت في الأشهر الأخيرة اعتداءاتها الدامية لم يسبق أن أشير إليها رسميا باعتبارها مسؤولة عن عملية الخطف التي جرت في ولاية كيبي المجاورة لسوكوتو، كبرى مدن الولاية التي تحمل الاسم ذاته.

و«بوكو حرام»، التي تنشط أساسا في المناطق الشمالية النيجيرية ذات الغالبية المسلمة، لم تنفذ سابقا عمليات في هاتين الولايتين لكن السلطات النيجيرية أوقفت في الماضي عناصر مفترضة للجماعة في سوكوتو. وتقع الولايتان بمحاذاة النيجر؛ حيث كان تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» قد أعلن في السابق تبنيه خطف أجانب.

ولا تشبه عملية الخطف الأخيرة العمليات السابقة لـ«بوكو حرام»، التي تنسب إليها عدة هجمات واغتيالات خلفت مئات القتلى. وعادة ما كانت المجموعة تتبنى عملياتها بعيد تنفيذها. غير أن «كل شيء ممكن» بحسب محلل نقلت تصريحاته وكالة الصحافة الفرنسية. وقال هذا المحلل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «ربما تعلق الأمر بعنصر أو عنصرين من (بوكو حرام) بالتواطؤ مع عناصر إجرامية نفذت الخطف، لكن أن يكون الأمر مرتبطا بمجموعة (بوكو حرام) التاريخية التي وُلدت في بورنو، فهذا يبدو مستغربا»، في إشارة إلى ولاية بورنو، وعاصمتها مايدوغورو، التي تعتبر معقل الإسلاميين.

ويشتبه الكثير من المراقبين بوجود علاقات بين «بوكو حرام» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وفي أغسطس (آب) الماضي تم بث شريط فيديو تظهر فيه الرهينتان جاثيتين معصوبتي الأعين، وهما يصفان الخاطفين بأنهم من «القاعدة». وفي شريط فيديو آخر، حصلت عليه وكالة أنباء موريتانية خاصة، هدد أشخاص مقنَّعون بقتل البريطاني إذا لم تتم تلبية مطالبهم. وقالت الوكالة إن الخاطفين ينتمون إلى مجموعة نيجيرية تابعة لـ«القاعدة».

ولم تعرف تفاصيل سير العملية، لكن سكانا في سوكوتو قالوا إن اشتباكا طويلا وقع بين القوات المسلحة وعناصر تحصنت بمنزل. وقال أحد السكان إنه شاهد عملية الدهم التي نفذها كما قال مائة رجل «بعد نحو سبع ساعات من تبادل إطلاق النار، دخل الجنود المنزل. وأخرجوا منه جثتين أعتقد أنهما لشخصين أبيضين ثم جثتين لشخصين أسودي البشرة». وأضاف: «خرج ثلاثة أشخاص وقد وضعت في أيديهم الأغلال ووضعوا في شاحنة صغيرة بسرعة».

وقال الرئيس النيجيري، مساء أول من أمس: «إن مرتكبي عملية الاغتيال أوقفوا جميعا». وبحسب صحيفة «ديلي تليغراف» فإن رجالا كانوا يحرسون الرهينتين في إحدى غرف المنزل قتلوهما بعد أن سمعوا إطلاق النار. وقُتل اثنان من الخاطفين على الأقل. واتصل رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، مساء أول من أمس، بالرئيس النيجيري، غودلاك جوناثان، ليطلب أن «يتم بأسرع ما يمكن تقديم صورة مفصلة للملابسات التي أدت إلى مقتل الرهينتين».

وأثارت العملية جدلا في الطبقة السياسية ووسائل الإعلام في إيطاليا وسط تنديد بسلوك لندن. وقال فابريزيو سيتشيتو، وهو مسؤول كبير في حزب شعب الحرية، حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، في مقابلة تلفزيونية: «لم يتم إبلاغ إيطاليا ولم يطلب رأيها بشأن غارة عرَّضت حياة مواطن إيطالي لخطر الموت. تجرى في العادة محادثات مسبقة بين الحلفاء بشأن مثل هذه المهام. الحكومة البريطانية تجاوزتنا وتجاهلتنا تماما». بدورها، تحدثت صحيفة «كوريرا دي لا سيرا» الإيطالية عن «إهانة إيطاليا» من قبل لندن.

وتعقيبا على ذلك، قال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، أمس: إن تسارع الأحداث أعاق إبلاغ الإيطاليين. وقال، على هامش اجتماع لوزراء الخارجية في كوبنهاغن: «لقد اضطررنا لاتخاذ قرار سريع جدا بشأن هذه العملية. وكان أمامنا وقت قصير جدا للتحرك وحال ذلك دون إبلاغ الإيطاليين». وأضاف: «تمكنَّا من إبلاغ الحكومة الإيطالية حين كانت العملية جارية، لكن تعذر القيام بالمزيد، وأعتقد أن الكل يتفهم الضغوط وضغط التوقيت في مثل هذه العمليات»، مذكرا بأن لندن كانت تعمل «بتعاون وثيق» مع روما بشأن هذه القضية منذ أشهر.