الآلاف يتظاهرون مجددا في موسكو تحت شعار «بوتين ليس رئيسنا»

عرض مشاهد تزوير مفترض سجلت خلال الاقتراع.. ودعوات لـ«ثورة برتقالية»

متظاهر يحمل لافتة كتب عليها «وداعا بوتين» خلال احتجاجات موسكو أمس (رويترز)
TT

عادت مظاهرات المعارضة الروسية إلى قلب العاصمة موسكو أمس، تحت شعارات تقول إن «بوتين ليس رئيسنا» و«من أجل انتخابات نظيفة». فقد تجمع الآلاف من أنصار المعارضة مجددا في وسط موسكو للتنديد بعمليات التزوير في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الرابع من مارس (آذار) الحالي، والاتفاق على الخطوات اللاحقة لهذه التحرك. وقال منظمو مظاهرات أمس إن أعداد المشاركين بلغت ما يقرب من خمسة وعشرين ألفا، وإن قدرت الشرطة الأعداد أقل كثيرا من الرقم المعلن.

ومن اللافت أن المتحدثين في اللقاء الخطابي لم يكونوا من زعماء الحركات المعارضة وحسب، شأن كل المظاهرات السابقة بل وأيضا من المراقبين الذين شاركوا في الرقابة على الانتخابات الرئاسية السابقة وعدد من أبرز السياسيين والإعلاميين فيما جرى عرض بعض مشاهد التزوير التي سجلتها كاميرات المراقبة والمتطوعين.

وكان القوميون انشقوا أمس عن بقية فصائل المتظاهرين التي ضمت كل ألوان الطيف السياسي بما فيها اليساريون ممثلين في الجبهة الشعبية بزعامة سيرغي اودالتسوف، واليمينيون ممثلين في حزب يابلوكو بزعامة غريغوري يافلينسكي وحزب بارناس بزعامة بوريس نيمتسوف وكذلك الليبراليون والوطنيون. وقد طالب المتظاهرون في كلماتهم بسرعة إجراء الإصلاحات في النظامين السياسي والقضائي وتأسيس القضاء المستقل وإلغاء الرقابة على الصحافة والإعلام وعدم ملاحقة الكسي كوزلوف، وهو رجل أعمال يواجه بالحكم بالسجن في قضايا تتعلق بفساد مالي وغسل أموال.

ومن اللافت أيضا أن عددا من الخطباء دعوا صراحة إلى «ثورة برتقالية» متسائلين عمن يمكن أن يخاف من مثل هذه الثورة سوى الرئيس العائد فلاديمير بوتين. وانتقد المتظاهرون توارث السلطة واستمرار شخصيات بعينها على رأس السلطة لفترات طويلة.

وكانت قوات الأمن والشرطة تحسبت لهذه المظاهرات، فدفعت بأعداد غفيرة إلى المناطق المجاورة لطريق «نوفي اربات» (اربات الجديد) الموقع المختار لإقامة المظاهرة على مقربة من الكرملين تحسبا لوقوع شغب ومواجهة مع نشطاء المعارضة. وكانت المظاهرات السابقة التي جرت في ميدان «بوشكين» في أعقاب الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية انتهت باعتقال ما يقرب من 250 من المشاركين فيها بعد إصرارهم على الاعتصام في الموقع رغم انتهاء الموعد المقرر المسموح به لإقامة المظاهرات.

ورفع المتظاهرون أمس لافتات تندد ببوتين وإعلام مختلف الحركات السياسية التي تؤلف تحالف المعارضة. وقال فلاديمير ريجكوف أحد قادة الحركة إن «هذه السلطة ليست شرعية وهي خائفة». وأضاف «مطالبنا واضحة: إصلاح سياسي وقضاء مستقل ووقف الرقابة وانتخابات مسبقة». وكانت بلدية موسكو أعطت موافقتها على تجمع 50 ألف شخص، وتم استنفار أكثر من 2500 شرطي. وعمد المتظاهرون إلى التنديد بعمليات التزوير في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها بوتين بـ63.6 في المائة من الأصوات، وإلى الاتفاق على خطة لمواصلة هذا التحرك، كما يقول المنظمون.

وقد توصل التحالف المعارض لبوتين، المؤلف من حركات سياسية واجتماعية إلى جمع عشرات آلاف الأشخاص مرارا منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية بعد الانتخابات النيابية في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي فاز بها حزب فلاديمير بوتين «روسيا الموحدة». وقال اركادي سيرينكين وهو طالب عمره 22 عاما: «يجب أن نثبت أن الناس ليسوا خانعين، وأن الحركة لن تتبدد». وأوضح متظاهر آخر يدعى يوري سافيلييف وعمره 49 عاما: «من الضروري ممارسة ضغوط، في إطار قوة سلمية ووطنية».

وفي الخامس من مارس (آذار) الحالي، غداة الانتخابات الرئاسية، حشد معارضو بوتين نحو 20 ألف شخص، كما قال المنظمون، و14 ألفا كما ذكرت الشرطة. وكتب ناشط على صفحة «فيس بوك» المخصصة للمظاهرة «يجب أن نحافظ على الصلات التي أقمناها خلال الانتخابات ونثبت للسلطات أننا ما زلنا موجودين». وأضاف «إنها مسألة بقاء». وكتبت كسينيا سوبتشام الصحافية اللامعة في التلفزيون الروسي، على حسابها في موقع «تويتر»: «يجب أن نتفق على برنامج للمستقبل ونتوقف عن توجيه الانتقادات إلى الماضي».

وفي أعقاب أربع مظاهرات كبيرة شارك فيها عشرات آلاف الأشخاص، يواجه هذا التحرك غير المتجانس تحدي المستقبل على خلفية انقسامات داخلية. وكتب اوليغ اورلوف مدير منظمة ميموريال الروسية للدفاع عن حقوق الإنسان غير الحكومية، على موقعه: «للمرة الأولى منذ أشهر، أتردد في المشاركة في هذه المظاهرة». وتساءل: «لماذا يتعين علي وعلى أصدقائي الاستماع إلى قوميين متطرفين في كل مظاهرة؟ هؤلاء الذين لم يرسلوا مراقبين إلى الانتخابات والذين دافعوا أخيرا عن الفاشية بصريح العبارة؟». وكتب المعلق المعارض للكرملين أندري كولسنيكوف في صحيفة «نوفايا غازيتا»، أن «التغيرات لن تكون سريعة. يتعين علينا القيام بعمل كبير، خصوصا لتأسيس أحزاب سياسية جديدة، حتى لو تعرضت الانتخابات للتزوير».

وفي سان بطرسبورغ، لم تعط السلطات المحلية موافقتها على تنظيم مظاهرة أمس في جادة نفسكي، الشارع الرئيسي في العاصمة الامبريالية السابقة.

وعلى رغم تنظيم تجمعات كبيرة، تبدو السلطات غير مستعدة حتى الآن لاستجابة مطالب المعارضة. وواجه فلاديمير بوتين الأربعاء، حركة الاحتجاج على انتخابه رئيسا لروسيا، بدعوة منتقديه إلى الاستماع «إلى صوت الشعب»، بعدما وصفت رابطة للمعارضة العملية الانتخابية بأنها «إهانة» لروسيا ونددت بعمليات تزوير كثيفة. وأعلن بوتين الذي سيتسلم مقاليد الحكم في مايو (أيار) المقبل، بعدما تولى الرئاسة مرتين من 2000 إلى 2008، : «يقولون إن السلطة يجب أن تستمع لما يقوله صوت الشعب. وعلى المعارضة أيضا أن تستمع لهذا الصوت».