العميد المنشق يحمل الرئيس السوري مسؤولية كل ما تقوم به وحدات الجيش من «قتل وإرهاب»

قال لـ «الشرق الأوسط»: الجنود يعيشون حالة نفسية سيئة جدا

شخص مصاب جراء معارك شديدة بين مقاتلين من الجيش السوري الحر والقوات الحكومية في إدلب أمس يحاول زملاؤه نقله إلى المستشفى (أ.ب)
TT

حمل عميد منشق، الذي وصل الخميس الماضي إلى تركيا ضمن مجموعة من الضباط المننشقين ليعلن انضمامه للجيش الحر، الرئيس السوري مسؤولية كل ما تقوم به وحدات الجيش من «قتل وإرهاب», وقال العميد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وأن يستعمل اسم محمد محمود كاسم مستعار، في حوار أمس مع «الشرق الأوسط»، إن كل الأوامر العسكرية «تأتي من القائد العام وهو رئيس الدولة, وهو المسؤول الأول», وأضاف «وهو لا يعطي أوامر خطية بل تأتي شفاهية, كي لا يترك أي وثيقة تدينه», وأكد أن هذا السبب الرئيسي الذي دفع الأسد لإقالة وزير الدفاع السابق علي حبيب، لأنه طلب أوامر خطية، وقال: «سمعت زملاء لي يتحدثون بشكل سري وكانوا يتكلمون عنه ببشاعة, وقالوا إنه كان يريد أوامر خطية».

وقال العميد إن من أهم الأسباب التي دفعته إلى الانشقاق زيادة العنف الداخلي الذي وصفه بأنه «شيء لا يطاق، لم يعد يحتمل, نحن نشارك في جريمة وجودنا في القوات المسلحة من دون مشاركة في القتل، هي جريمة والواجب الأخلاقي والديني يحتم علينا الانشقاق».

وأكد محمود أنه من الأكيد أن المزيد من الانشقاقات ستحدث قريبا وقال «هناك شرفاء كثيرون داخل الجيش غير قابلين بما يحدث». وتحدث العميد الذي ينتمي حاليا للجيش الحر, إن الجنود يعيشون حالة نفسية سيئة جدا، وأضاف أن «عناصر الجيش موجودون في مكان غير مكانهم, ويتعاملون مع عدو غير الذي تدربوا لأجل ملاقاته», وأوضح: «كنا نتدرب لأجل العدو الإسرائيلي لكن ملاقاة الأهل أمر لا يطاق». وشدد على أن من بقوا في الجيش بقوا فقط لأنه لا فرصة لديهم للهروب, وقال «لو ترك لهم المجال أنا أؤكد أنهم لن يتراجعوا عن المغادرة». وعن دوره قال إنه كان إداريا وإن مجموعة الضباط الكبار الذين انشقوا في اليومين الماضيين كانوا من الإداريين، وأوضح «نحن لنا هامش من الحرية في الحركة وزيارة عائلاتنا.. أما الميدانيون فظروفهم أصعب بكثير وحرياتهم محدودة جدا، فهم لا يستطيعون حتى مشاهدة التلفاز, هي سياسة من النظام، إذا شوهد وهو يتابع قناة أخرى غير السورية الرسمية يعاقب عليها, وحتى عندما يذهب لزيارة عائلته فمسموح بيوم واحد أو (سهرة), وإذا كان على مستوى لواء فيمكن أن يتأخر من شهر إلى 40 أو 60 يوما عن عائلته, وأعرف شخصا كان يأتي لمدة يوم واحد حتى عندما نزوره مع عائلته لا نجلس أكثر من 10 دقائق لنترك له مجالا للجلوس مع عائلته, وهذا لأن النظام لا يريد أن يمنحهم أي فرصة للتواصل مع الآخرين».

وعن صاحب القرار ميدانيا في سوريا قال العميد المنشق إن الجهاز الأمني هو الذي يسيطر على الوضع, وعلى الرغم من أن الجيش أكثر عددا وعتادا فإنه «يأتمر من الأمن، وهناك عناصر من الأمن داخل الجيش».

وعن المسؤول عن أعمال العنف في حمص، قال محمود إن الفرقة 18 التابعة للجيش وهي تأتمر بإمرة لواء تسلم من شهرين تقريبا لا يملك القرار، هو قائد فرقة ينفذ القرارات التي تأتيه من فوق، وهي موزعة في حمص وريف حمص.

وعن الفرقة الرابعة ودورها في قمع المتظاهرين قال العميد المنشق هي «فرقة خاصة لا تأتي إلا لأماكن للاقتحامات وتنفيذ مجازر, وتستعمل لتدمير مناطق بالكامل, وإرعاب أهلها». وعما إذا كانت هي التي قامت باقتحام بابا عمرو قال محمود «على الأغلب.. وأؤيد هذا القول بنسبة 90 في المائة».

وعن المنطقة التي ينتمي إليها قال «أنا كنت في حمص، كنا نشاهد الدمار والقصف المدفعي والصاروخي، كنت في قلب حمص». وعن زملائه من الضباط الذين تزامن وصولهم مع وصوله قال «كلهم ينتمون لمناطق ساخنة من الرستن والحولة وحمص».

وعن إمكانية الانشقاق عن النظام ولماذا لا تقوم الوحدات بانشقاق جماعي قال العميد «صعب جدا الانشقاق كوحدات, وحتى الانشقاق الفردي يتطلب ترتيبا سريا جدا وفرديا، فما بالك بالجماعي؟ إذا لم يكن توافق كامل فمن الممكن أن نتعرض لقصف طيراني أو بالصواريخ».

وأضاف «حصل انشقاق جماعي بباب دريب بحمص, وهرب الطاقم المكون من 9 جنود بعربة معا فتم قصفهم.. والكثير من هذه العمليات وقع لكنها بقيت في نطاق السرية».

وبين العميد أن النظام يتوخى الحرص من أجل تفادي مثل هذه الأمور، «فعندما يقوم النظام بتشكيل حاجز, يأتون بعناصر لا يعرف بعضهم بعضا لعدم الثقة بالعناصر، ويحرص على أن يكونوا موالين من أجل التجسس».

وحول ما يقال عن رفض عناصر إطلاق النار على المحتجين قال محمود «كل عنصر يقتل فهو ممن رفضوا إطلاق النار, وقد عاد جنود كثيرون إلى أهليهم مقتولين, ومن ذلك شاب كنت أعرفه اتصل بوالدته قبل مقتله بساعة وأخبرها بأنهم سيرسلونه (قوات الأمن) لبابا عمرو وسلموه قناصة، وأكد أنه لن يقتل أحدا أبدا, واستمعوا لمكالمته وأعادوا جثته لأمه بعد ثلاثة أيام».

وعن تجربته في الانشقاق ورحلته نحو تركيا قال العميد «بدأت الفكرة منذ الأشهر الأولى للانتفاضة, وكان الرد القاسي من النظام على الشعب, وآلمني أن الشعب كان ينظر لنا بأمل حتى إنهم خرجوا في جمعة سموها (جمعة حماة الديار)، لكن الجيش خذلهم وأصبح يقتل, وبعدها بدأت تظهر الأغاني مثل (خاين خاين الجيش السوري خاين) كانت تؤثر فينا كثيرا, وكل هذا خلق لدينا حالة نفسية سيئة, حتى إني في بداية الأحداث ذهبت لبابا عمرو للتسوق لكني لاحظت استهجانا كبيرا لي، فأقسمت ألا ألبس اللباس العسكري بعد ذلك اليوم خارج الثكنة أبدا»، مضيفا «منذ نهاية الشهر السابع كنت مستهجنا جدا من طرف الشعب، وهذا أثر في كثيرا. وبعد توالي الأحداث وزيادة القتل حسمت الموضوع خاصة عند قصف بابا عمرو, كنت أشعر بأن وجودي في النظام يعني مشاركتي بالقتل».

وعن عملية الهروب قال «من شدة الحرص أعلنت القليل فقط لأصدقاء في الجيش, وساعدني صديقي وهو عميد وجئنا معا. وكما ذكرت كان هناك هامش للإجازات للضباط الإداريين، وطلبنا إجازة ثلاثة أيام وكنا متفقين, وانطلقنا نحو تركيا».