الهجمات الإسرائيلية تشل قطاع غزة وتربك حياة الغزيين

18 قتيلا.. ومصر تقود تحركا لإعادة تثبيت التهدئة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل

فتاة فلسطينية تبكي خلال جنازة الطفل أيوب عسلية (12 عاما) في مخيم جباليا شمال غزة (أ.ب)
TT

ترك التصعيد العسكري الإسرائيلي، الذي خلف، حتى مساء أمس، 18 قتيلا وعشرات الجرحى، آثاره على أنماط حياة الغزيين بشكل واضح. فقد قتل فجر أمس ثلاثة فلسطينيين، من بينهم طفل ومسنّ، في غارات نفذتها طائرات استطلاع إسرائيلية من دون طيار. واستهدفت آخر غارة إسرائيلية شارع النفق، شمال شرقي مدينة غزة، مما أسفر عن مقتل المسن عادل الإسي، في حين أودى قصف إسرائيل شارع عسلية في بلدة جباليا، شمال القطاع، بحياة الطفل أيوب عسلية (12 عاما). وإلى الشرق من حي الزيتون، جنوب مدينة غزة، أسفرت غارة إسرائيلية نفذت فجر أمس الأحد عن مقتل محمد سالم (23 عاما)، أثناء وجوده في أرض زراعية. وأدى هذا التصعيد الخطير إلى شل الحياة في قطاع غزة، فقد امتنع آلاف المزارعين الفلسطينيين عن التوجه إلى مزارعهم منذ فجر أول من أمس السبت، حيث تقع معظم الأراضي الزراعية، في ما يعرف بمنطقة «التماس»، المتاخمة للخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وهي المنطقة التي تتعرض للقصف المدفعي الإسرائيلي بحجة العمل على منع المقاومين من الاقتراب من الخط الحدودي. وقد أدت مشاركة سلاح البحرية الإسرائيلية في عمليات القصف التي استهدفت معسكرات تدريب تابعة لحركات المقاومة، إلى تراجع عمل صيادي الأسماك، الذين لم يتوجهوا إلى الصيد، لا سيما في ساعات الليل. وقد تراجعت وتيرة العمل في مؤسسات حكومة غزة، بعد إخلاء معظم مقار الأجهزة الأمنية في القطاع، خوفا من استهدافها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

من ناحية ثانية ألغت المدارس والجامعات الأنشطة غير المنهجية التي تتم خارج المدارس والجامعات، وتأجيل الرحلات المدرسية حتى إشعار آخر في انتظار توقف الغارات الإسرائيلية. وذكرت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن تراجعا كبيرا قد طرأ على عمل الأنفاق التي تربط قطاع غزة بمصر، والتي يتم عبرها تهريب البضائع والوقود، خوفا من قيام الطائرات الإسرائيلية بقصفها. من ناحية ثانية تصاعدت وتيرة الجهود الهادفة إلى إعادة العمل بالتهدئة بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن مستويات قيادية في جهاز المخابرات العامة المصرية أجرت بالفعل اتصالات مع ممثلي الفصائل الفلسطينية وحكومة غزة، بينما أجرت مستويات في الخارجية المصرية اتصالات مع الجانب الإسرائيلي وأطراف دولية أخرى بهدف وضع حد للتصعيد الإسرائيلي. وذكرت مصادر فلسطينية مطلعة أن القيادي البارز في حركة حماس، محمود الزهار، توجه إلى القاهرة لبحث ملف التهدئة مع المسؤولين المصريين، إلى جانب ملفات أخرى، لا سيما إمدادات الوقود لقطاع غزة وتشكيل حكومة التوافق الوطني.

من ناحيته أكد السفير المصري لدى السلطة ياسر عثمان أن مصر «تسابق الزمن من أجل منع حدوث سيناريو لا يتمناه أحد»، مشيرا إلى أن القاهرة تجري اتصالات مع الفلسطينيين وإسرائيل بهدف وقف التصعيد. ودحض عثمان المزاعم الإسرائيلية القائلة إن التصعيد الآخر جاء في أعقاب توفر معلومات حول نية «لجان المقاومة الشعبية» تنفيذ عملية ضد إسرائيل انطلاقا من سيناء، مشيرا إلى أن سيناء تحت السيطرة التامة. واعتبر عثمان أن هذه المزاعم تأتي في إطار محاولة إسرائيل تقديم مسوغات لتنفيذ العدوان على القطاع.

من ناحيته قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أجرى اتصالات مع ممثلي الرباعية الدولية والإدارة الأميركية والجانب المصري «للجم إسرائيل» ووقف عدوانها الذي وصفه بـ«الغاشم والخطير». وأكد عريقات أن السلطة وضعت المجتمع الدولي في صورة التطورات المأساوية التي يعيشها سكان القطاع بفعل الغارات الإسرائيلية. وأشار عريقات إلى أن عباس أجرى اتصالات مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح، وبحث معهما سبل تثبيت التهدئة وتجنيب غزة حربا محتملة. وأوضح عريقات أن عباس بحث مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إمكانية التحرك لدى مجلس الأمن للمطالبة بتدخل دولي عاجل لوقف العدوان. أما إسماعيل هنية، رئيس حكومة غزة المقالة، فقال إن أولويات حكومته الآن هي حماية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان الذي يتعرض له من قبل الاحتلال، وتعزيز صموده. وأكد مكتب هنية في تصريح صحافي أنه يجري اتصالات مكثفة مع جهات مختلفة لوقف العدوان على القطاع.

من ناحيتهم واصل قادة إسرائيل تهديداتهم بتكثيف وتيرة العدوان على القطاع. وقال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس إن إسرائيل ستضطر عاجلا أو أجلا إلى القضاء على حكم حماس في قطاع غزة. واعتبر في تصريحات نقلتها الإذاعة الإسرائيلية العامة، الأوضاع الناشئة في القطاع لا تطاق. وقال إن إسرائيل لا تستطيع قبول حكم حماس والجهاد الإسلامي لفترة طويلة.

من جانبه أعرب وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن اعتقاده بأنه يجب على إسرائيل الانفصال بشكل مطلق عن قطاع غزة، ما يعني غلق المعابر ونقل المسؤولية المدنية عنه إلى السلطات المصرية. وقال كاتس إنه لا يعقل أن تواصل إسرائيل إمداد أعدائها في القطاع بأي نوع من السلع والمنتجات، وتتحمل المسؤولية عن أوضاع المدنيين فيه حسب ما تراه دول العالم.