مصادر إسرائيلية عن أهداف العدوان: تجريب «القبة الحديدية» والضغط على حماس

تسعى إلى اختبار أسلحة الفصائل الفلسطينية

TT

كشفت مصادر سياسية في إسرائيل أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، عارض خطة لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، لتوسيع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتنفيذ عملية اجتياح بري، حتى لو كان محدودا. لذلك اختار نتنياهو تصعيد الغارات، ونفذت قواته حتى ساعات المساء من يوم أمس أكثر من 20 غارة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها مصر للعودة إلى اتفاق التهدئة، فإن الحكومة الإسرائيلية صدقت على إجراءات التأهب العسكري على الحدود مع سيناء المصرية، بدعوى وجود خطر تنفيذ عمليات عبرها ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي نفاه بشكل قطعي سفير مصر في رام الله.

وكان نتنياهو قد استهل جلسة حكومته العادية، أمس، بالاعتراف بأن قواته هي التي بدأت العدوان، لكنه برر ذلك بالقول: «في يوم الجمعة تمت تصفية إرهابي كبير (يقصد رئيس لجان المقاومة الشعبية، زهير القيسي)، خطط لتنفيذ عمليات إرهابية كثيرة ضد دولة إسرائيل، وكان مشغولا مؤخرا بتخطيط عملية إرهابية أخرى وجهت لحدودنا مع مصر. ولا نزال على أهبة الاستعداد أمام احتمال وقوع عملية إرهابية هناك، لذلك أوعزت بإغلاق الطريق الذي يقع على حدودنا الجنوبية مع مصر، ولكن لا شك أن عملية جيش الدفاع الإسرائيلي قد أحبطت هذا المخطط، وسنرى إلى أي مدى تم إحباط هذه العملية خلال الأيام القريبة. ومن البديهي أن عملية التصفية التي قمنا بها أدت إلى القتال مع لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي ومنظمات إرهابية أخرى، ولا نزال في أوج هذا القتال، ويسدد جيش الدفاع ضربات موجعة لهذه المنظمات. وأريد أن أشيد بجيش الدفاع وبالأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وقد أجبرنا الإرهابيين على دفع ثمن باهظ ولا نزال نجبرهم على ذلك وسنواصل العمل وفق الحاجة».

وقد نفى السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية، ياسر عثمان، أن يكون انفلات أمني في سيناء يتيح تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، كما حصل في الصيف الماضي. وقال إن العملية الإسرائيلية ضد غزة لا يوجد ما يبررها. ومع ذلك، حبذ التركيز بالحديث في هذه المرحلة، عن الجهود التي يقوم بها المسؤولون المصريون بالتعاون مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وقادة الفصائل الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية للعودة إلى التهدئة. وأعرب عن تقديره بأن التهدئة ستدخل حيز التنفيذ في غضون 48 ساعة.

وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحدثوا صراحة عن أهداف أخرى لهذا العدوان، لا تتعلق بخطط الفصائل الفلسطينية المسلحة ولا العمليات ضد إسرائيل. وكتب ألكس فيشمان، المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، المعروف بكثرة مصادره في قيادة الأجهزة الأمنية، أن عملية الاغتيال كانت بمثابة كمين نصبته القوات الإسرائيلية بهدف جر أقدام الفلسطينيين إلى الرد عليها، ومن خلال ذلك تحقق عدة أهداف، أهمها: إجراء تجربة أخرى على منظومة «القبة الحديدية» (الصواريخ التي تدمر صواريخ العدو في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها)، ومعرفة مدى التزام حماس بالتهدئة، وهل هي فعلا ستمنع الفصائل الفلسطينية من إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، وإقناع المجتمع الإسرائيلي بمدى أهمية «القبة الحديدية»، حتى يتم منع وزارة المالية من تقليص الميزانية التي يطلبها الجيش للتزود بمزيد منها.

وقد أكد الوزير باراك، أمس، خلال جلسة الحكومة، على أهمية هذه المنظومة. وتحدث عن ارتفاع نسبة نجاحها في تدمير صواريخ العدو من 55 في المائة قبل سنة مرورا بـ70 في المائة في الصيف الماضي وصولا إلى 90 في المائة في هذه المعارك. وطلب اعتبارها «مشروعا وطنيا ضخما تسخر له كل الموارد». وأثنى نتنياهو على ذلك إذ قال في الجلسة نفسها: «منظومة (القبة الحديدية) تثبت فعاليتها بشكل ملموس، وسنقوم بتزويد جيش الدفاع بالمزيد منها خلال الأشهر والسنوات المقبلة».

الجدير ذكره أن الجيش الإسرائيلي معني بتسويق منظومة «القبة الحديدية» وبيعها لدول في الخارج، ولكنه لن يستطيع ذلك من دون أن يجربها ويثبت ميدانيا أنها ناجحة. وقد اختار أهل غزة حقلا لهذه التجارب. وهذا هو أحد أهم أهداف العدوان الجديد.

واعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، أمس، بهدف آخر لهذا العدوان، وهو معرفة نوعية الصواريخ الموجودة بحوزة الفصائل الفلسطينية، وهل وصلت إليها صواريخ حديثة متطورة. وقد أكد أمس خلال حفل تبادل مراكز في قيادة اللواء الأوسط في الجيش، أن معارك اليومين الأخيرين دلت على أن فصائل فلسطينية صغيرة مثل «ألوية صلاح الدين» و«سرايا القدس»، أطلقت صواريخ «غراد»، التي كانت موجودة في الماضي فقط بحوزة حماس.

وكان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي قد أدلى ببيان، بعيد جلسة الحكومة، قال فيه إن قواته نفذت 21 غارة جوية على أهداف «تخريبية» في قطاع غزة خلال اليومين الماضيين، منها 13 مرة على خلايا مسلحة كانت تستعد لإطلاق صواريخ على إسرائيل، و8 مرات على مخازن أسلحة، قتلت فيها 15 «مخربا»، بينهم القيسي، ومحمد الحناني «الأسير الذي تحرر في صفقة شاليط لكنه عاد لممارسة الإرهاب»، وكذلك قتلت طفلا في الثالثة عشرة «بطريق الخطأ»، وإن الفلسطينيين أطلقوا 120 صاروخا على إسرائيل، أدى أحدها إلى إصابة 10 أشخاص، بينهم عامل تايلاندي جراحه بالغة. وقال إن أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي يتعرضون لخطر الصواريخ، وإن الدراسة تعطلت أمس في المدارس بكل مراحلها وحتى في الجامعة.

وعلى الرغم من أن حركة حماس لم تطلق الصواريخ وحرصت على إظهار ذلك علنا، وتتعرض لانتقادات شديدة داخل غزة وخارجها بسبب موقفها هذا، فقد حملها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون، مسؤولية استمرار إطلاق الصواريخ. وهدد يعلون حماس بدفع «ثمن باهظ في حال لم تقم بوقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل».

في المقابل، أشارت مصادر سياسية في تل أبيب إلى «تنافس خفي» بين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان، على خلفية هذا التصعيد الحربي. فقد اعتبر ليبرمان، في حديث مع «الإذاعة العبرية» صباح أمس، أنه في حال «الخروج» لعمليات برية، فإن هذه العمليات لن تكون مجدية ما لم يتم تحديد هدف هذه العمليات مسبقا، بإسقاط حركة حماس والقضاء على البنية التحتية لها في قطاع غزة. واستذكر ليبرمان أن هذا الهدف - إسقاط حماس - هو واحد من الأهداف الرئيسية المعلنة للحكومة الحالية، والذي تم الاتفاق عليه في الائتلاف الحكومي.

لكن تصريحات ليبرمان تشير في الوقت ذاته، وفق ما قاله عدد من مراسلي الشؤون العسكرية في الصحافة العبرية، إلى عدم وجود «اتفاق» بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع باراك من جهة، وبين ليبرمان من جهة ثانية، مرجحين أن باراك ونتنياهو يسعيان، حاليا، إلى تصعيد محدود الأمد يهدف أساسا إلى الضغط على حركة حماس وحملها على العمل جديا وبشكل أكثر فعالية لوقف الهجمات التي تنفذها منظمات فلسطينية في القطاع مثل «الجهاد الإسلامي». وبحسب المحلل في صحيفة «هآرتس»، أفي سخاروف، فإن حماس تدرك أنها في وضع حرج، فهي تريد البقاء في الحكم ومواصلة لعب دور المقاومة في ذات الوقت، في المقابل فإن الضغوط الإسرائيلية في حال رضوخ حماس لها، من شأنها أن تظهر أن حماس تخلت عن المقاومة وأخذت نفس الدور الذي لعبته السلطة الفلسطينية في كبح العمليات ضد إسرائيل والتنسيق الأمني معها، وهذا ما دفع الحركة إلى توجيه وفد إلى القاهرة ومطالبة الجانب المصري بالتدخل للتوصل إلى تهدئة مع إسرائيل.