الشركات الأميركية تعيد النظر في وجودها بأفغانستان

مع إلغاء عمل شركات الأمن وفي ظل مخاوف أمنية غير مسبوقة

TT

تعلم إدارة إحدى الشركات التي تستعين بها الحكومة الأميركية في تنفيذ أعمال المساعدات والتنمية في أفغانستان أن بعض موظفيها يحتفظون بأسلحة في غرفهم، لكنها تغض الطرف عن ذلك. وفي شركة أخرى تعمل في المجال نفسه، يدرس المحامون إمكانية رفع دعوى قضائية ضد «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بسبب خرق جوهري للعقد المبرم بينهما، مشيرين إلى تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان.

ويقول المسؤولون إن الخطة التي وضعتها الحكومة الأفغانية لإلغاء شركات الأمن الخاصة بنهاية الشهر الحالي، إلى جانب اندلاع المظاهرات ضد الوجود العسكري الأميركي والهجمات التي وقعت الشهر الماضي، وضعت الشركات الخاصة التي تتولى تنفيذ معظم أعمال التنمية الممولة من قبل أميركا في أفغانستان في مأزق في ما يتعلق بتدبير أمر عملياتها هناك، مما يهدد بخسارة مليارات الدولارات التي خصصتها لتلك المشاريع.

وهذا، بدوره، يهدد جزءا محوريا من خطط إدارة الرئيس أوباما بالنسبة لأفغانستان، التي تتلخص في استمرار المهمة الإنمائية بعد نهاية مهمة حلف «الناتو» العسكرية في 2014.

وتسببت الثورة، التي اشتعلت مؤخرا، بعد واقعة حرق المصاحف على يد بعض الجنود الأميركيين يوم 20 فبراير (شباط) الماضي، في حالة مفاجئة من الشك في كل مظاهر الوجود الأميركي في أفغانستان، بما في ذلك إمكانية عقد صفقة شراكة استراتيجية طويلة الأجل. وقد تحقق بعض التقدم، الجمعة الماضي، حين توصلت الولايات المتحدة وأفغانستان إلى اتفاق يسمح للأفغان بالسيطرة على السجن الرئيسي التابع للتحالف في غضون 6 أشهر.

لكن تداعيات ذلك على جانب التنمية المدنية من المهمة كان لها تأثير مباشر، بحسب خبراء وعاملين في مجال التنمية؛ حيث زادت المخاوف بشكل خاص بشأن الترتيبات الأمنية الجديدة التي تفرضها الحكومة الأفغانية، والتي تهدف، بحلول 20 مارس (آذار)، إلى استبدال شركات الأمن الخاصة القائمة حاليا على حراسة العاملين في مجال المساعدات وإحلال قوة أفغانية، يتم تشكيلها على عجل، محلها.

وفي مواجهة احتمال حدوث تغير مفاجئ في الترتيبات الأمنية لتلك المؤسسات، مع عدم وجود ضمان لإمكانية تشكيل القوة الأفغانية في الوقت المناسب أو قدرتها على تلبية احتياجاتها الخاصة، بدأت تلك المؤسسات في تقييم مستقبل عملياتها في البلاد.

ويقول ستان سولواي، من «مجلس الخدمات المهنية» في واشنطن، الذي يمثل نحو 24 شركة خاصة لديها عقود خاصة بالمساعدات، إنه يعرف شركتين قررتا بالفعل إنهاء مشاريعهما الحالية والمغادرة، وإن كان لم يذكر اسميهما. وأضاف: «الأصعب هو أن تكون موظفا أميركيا في إحدى شركات تقديم المساعدات. الجنود مسلحون ويمكنهم الدفاع عن أنفسهم، أما أنا وزملائي، فنحن فريسة سهلة». وقد طلب عدم ذكر اسمه لأن شركته أمرت موظفيها بعدم الحديث مع الصحافيين حول الوضع الأمني.

وهذا الموظف هو واحد من مئات «الناصحين» المدنيين من الشركات التي تعاقدت معها وكالة المساعدات الأميركية للمساعدة في تسيير شؤون الحكومة الأفغانية وطردوا من وظائفهم أثناء الاضطرابات الأخيرة. ويقول سولواي وغيره إنه مع استمرار عودتهم، أصبح البعض يعملون الآن في ظل قيود أمنية أكثر صرامة بكثير.

واعترف أحد المسؤولين الكبار المختصين بالشأن الأفغاني في «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بمخاوف شركات التنمية، على الرغم من تصريحات مسؤولي الوكالة بأن كثيرا من مشاريعها لا تحتاج إلى حراسة. وبالنسبة لتلك المشاريع التي تحتاج إلى حراسة، يقول المسؤول ألكسندر ثيير: «نعمل عن كثب مع موظفينا وشركائنا في أفغانستان لضمان توفير بيئة عمل آمنة، وسوف نظل ملتزمين تماما باستراتيجيتنا في التعاون مع شركائنا الأفغان من أجل أفغانستان أكثر استقرارا وأمنا».

وذكرت واحدة من كبريات الشركات التي تعمل لحساب وكالة المساعدات إنها تنوي وضع حراس أمن مع أفرادها الذين يعملون في الوزارات الحكومية الأفغانية، طبقا لما أعلنه مسؤول بالشركة، التي يقع مقرها في واشنطن.

واعترف المسؤول بأن الوضع ليس مثاليا؛ حيث لن يسمح للحراس بدخول الوزارات، وبدلا من ذلك سينتظرون أمام مباني الوزارات أثناء يوم العمل في موضع ظاهر لكل من يدخل، وهي «ليست الصورة التي نريد إظهارها للمواطنين الأفغان» حسبما قال المسؤول، لكن «علينا أن نرعى موظفينا».

وذكر المسؤول أيضا أنه علم هو وآخرون غيره في مقر شركته في واشنطن أن بعض الموظفين في أفغانستان يحتفظون بأسلحة في غرفهم الخاصة تحسبا لتعرض المجمعات التي يقيمون فيها للهجوم، وأن الإدارة تجاهلت هذا السلوك تماما حتى الآن، وهو ما يتعارض مع القانون المحلي.

وقد طلب المسؤول، وكثيرون غيره ممن أجري معهم حوار، عدم ذكر اسمه تجنبا لإغضاب مسؤولي «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، التي تعتبر أكبر ممول للتبرعات في البلاد، أو الأفغان الذين يعملون جنبا إلى جنب مع موظفيهم.

وتقول كثير من شركات المساعدات المستقلة غير المرتبطة ماليا بالولايات المتحدة إن الاضطرابات لم تؤثر على عملياتها، ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى أنهم لا يعتقدون أن الأفغان يربطون شركاتهم بالولايات المتحدة، كما أن هذه الشركات نادرا ما تعتمد على حراس أمن خصوصيين بالطريقة التي تفعلها الشركات المتعاقدة مع وكالة المساعدات، وبالتالي فهي لن تتأثر بقرار الحكومة الأفغانية بإلغاء شركات الأمن.

يقول أحد المسؤولين الذين يعملون في مجال المساعدات الإنسانية: «أنا غير مقتنع أبدا بهذا الكلام، إنه نموذج مختلف تماما».

لكن العاملين بشركات المساعدات المرتبطة بالولايات المتحدة يقولون إنه وضع جديد عليهم.

وتسند الحكومة الأميركية، من خلال «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، مشاريع بمليارات الدولارات إلى شركات خاصة كائنة في الولايات المتحدة، وهذه الشركات تشترط توفير الأمان لموظفيها في أفغانستان طبقا لبنود عقودها مع الوكالة.

وحتى الآن، كان هذا يعني التعاقد مع شركات الأمن الخاصة، التي تستعين في معظم الحالات بمديرين أجانب - يكونون في العادة ضباطا أميركيين أو بريطانيين سابقين - للإشراف على الحراس الأفغان، كذلك توفر شركات الأمن الخاصة الحراسة للسفارات والمباني التابعة للأمم المتحدة، التي يسمح لها جميعا بالإبقاء على ترتيباتها الأمنية القائمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»