جندي أميركي يرتكب مجزرة بحق 16 أفغانيا بينهم أطفال

كرزاي يدين الحادثة التي «لا تغتفر».. و«الناتو» يعد بمحاسبة المتورطين وواشنطن تعزي

جندي أفغاني في نوبة حراسة بقاعدة بنجوايي الأميركية في قندهار أمس (رويترز)
TT

ارتكب جندي أميركي أمس مجزرة راح ضحيتها 16 مدنيا، على الأقل، في منطقة قندهار الأفغانية، في حادثة لم تعرف دوافعها على الفور، لكنها ستزيد على الأرجح التوتر بين الشعب الأفغاني والقوات الأجنبية. وعلى الفور دان الرئيس الأفغاني هذا العمل «الذي لا يغتفر»، فيما تعهد حلف شمال الأطلسي بفتح تحقيق ومحاسبة المتورطين فيه، وقدمت الولايات المتحدة تعازيها لعائلات الضحايا.

وقال صحافي تابع لوكالة الصحافة الفرنسية: «دخلت إلى ثلاثة منازل وأحصيت 16 قتيلا، بينهم طفلان ونساء ورجال مسنون. في أحد المنازل كان هناك عشرة أشخاص بينهم أطفال ونساء، قتلوا واحترقوا في إحدى الغرف. وكانت سيدة أخرى ممددة جثة هامدة عند مدخل المنزل». وتابع قائلا: «لقد قتلوا واحترقوا. رأيت طفلين على الأقل في الثانية أو الثالثة من العمر ميتين. في منزل آخر سقط أربعة أشخاص قتلى. رأيت جثثهم ممددة في إحدى الغرف. كان هناك رجلان مسنان وقاصر وسيدة». وتحدث عن مشاهدة جثة أخرى في منزل ثالث.

وعلى الفور، دان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي المجزرة «التي لا تغتفر» التي ارتكبها الجندي الأميركي. وقال في بيان: «إن الحكومة سبق أن دانت مرارا العمليات التي تجري تحت اسم الحرب على الإرهاب، والتي توقع خسائر في صفوف المدنيين، إلا أنه عندما يقتل أفغان عن عمد من قبل قوات أميركية، فهذا يعني اغتيالا وعملا لا يغتفر».

ورد قائد قوة «إيساف» التابعة للحلف الأطلسي في أفغانستان، الجنرال الأميركي جون ألان، قائلا إن أي شخص تثبت مسؤوليته عن قتل المدنيين الـ16 في أفغانستان «سيحاسب بشكل كامل عن أفعاله»، واعدا بإجراء تحقيق «سريع ومعمق». وقال ألان في بيان صدر في واشنطن «أنا مصمم على محاسبة أي شخص تتأكد مسؤوليته بشكل كامل. ألتزم أمام شعب أفغانستان بإجراء تحقيق سريع ومعمق». وتابع الجنرال الأميركي: «نواصل تقديم العلاج إلى جرحى إطلاق النار. سنبقي الجندي الأميركي قيد الاحتجاز، أي المنفذ المفترض لهذا الهجوم، ونتعاون بشكل تام مع السلطات الأفغانية لتوضيح الوقائع».

وقال مسؤول غربي إن «جنديا خرج من قاعدته وبدأ يطلق النار. ثم عاد إلى مكتبه ووضع قيد الاحتجاز». وعبرت القوة التابعة لحلف شمال الأطلسي (إيساف) في بيان عن «أسفها العميق للحادث»، وأقرت بأن «جنديا أميركيا وضع قيد الاحتجاز (أمس) الأحد لعلاقته في حادث تسبب بضحايا مدنيين». ومن جهتها، قدمت الولايات المتحدة «أصدق تعازيها» لعائلات المدنيين الـ16 الذين قتلوا برصاص الجندي الأميركي. وقالت متحدثة باسم الخارجية الأميركية إن «الولايات المتحدة تعبر عن أصدق تعازيها للعائلات (التي تأثرت) بإطلاق النار المأساوي هذا الصباح. إن هذا العمل العنيف الذي ارتكب ضد أصدقائنا الأفغان يثير حزننا». وأضافت أن «أفكارنا وصلواتنا مع العائلات».

وكان شخصان أكدا أن 11 أفغانيا قتلوا عندما هاجم الجندي المذكور أحد المنازل وخمسة قتلوا في هجوم آخر. وقال حاجي سيد جان، وهو رب أسرة: «إن منزلي هوجم وفقدت أربعة من أفراد أسرتي». فيما أكد حاجي صمد، وهو رب أسرة أيضا: «إن أحد عشر شخصا من أفراد عائلتي لقوا حتفهم. قتلوا جميعهم».

وأعرب أحد السكان في العاصمة الأفغانية عن شعوره بأن إطلاق النار ليس مصادفة. وقال سردار محمد: «سمعنا أن جنديا أجنبيا قتل مدنيين. شهدنا مثل هذا الحادث من قبل، حيث قصفت طائرة أجنبية منازل مدنيين وقتلت الكثير من المدنيين. يظهر هذا بوضوح أن عملهم متعمد وليس خطأ من أجل تعزيز جانب طالبان». واعتبر سكان آخرون أن الحادث سيعمق أزمة في العلاقات بين القوات الأجنبية والشعب الأفغاني. وقال سميع الله خان من قندهار: «سيكون لهذا الحادث تأثير سلبي جدا على شعب أفغانستان. مثل هذا العمل سيعطي دافعا للشعب للوقوف ضد القوات الأجنبية وتنظيم احتجاجات. هذا عمل متكرر ولا أحد يريد حدوثه مرة أخرى».

وجاءت حادثة أمس بعد أسابيع على إقدام جنود أميركيين على إحراق مصاحف في قاعدة باغرام العسكرية الأميركية قرب كابل، مما أثار احتجاجات مناهضة للغرب على نطاق واسع. وتعد ولاية قندهار معقلا لحركة طالبان التي طردها في 2001 تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من الحكم الذي تولته منذ 1996، وتقاتل منذ ذلك الحين الحكومة الأفغانية وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي. وفي الآونة الأخيرة تزعزعت الثقة بين القوات الموالية للحكومة والقوات الأجنبية التي تقوم بتدريبها بسبب إطلاق نيران «صديقة» من جنود أفغان على زملائهم الغربيين، فقد قتل ستة عسكريين أميركيين على يد زملائهم الأفغان بين 23 فبراير (شباط) والأول من مارس (آذار) بعد حادثة إحراق المصاحف. وقتل اثنان منهم، وهما مستشاران، في مكتبهما في وزارة الداخلية في كابل التي تعتبر من أكثر الأماكن المحاطة بحراسة مشددة في البلاد.

وقد تزيد حادثة أمس الوضع تفاقما، وربما تؤدي إلى أعمال انتقامية جديدة. وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها في محاربة المتمردين ووجود أكثر من 130 ألف جندي أجنبي، لم تتمكن إيساف من القضاء على حركة التمرد، بل تكبدت خسائر كبيرة في صفوفها.

وفضلا عن الهجمات الانتحارية وزرع الألغام اليدوية الصنع استطاع بعض رجال طالبان التسلل إلى صفوف قوات الحلف الأطلسي في مهمة كلفوا بها، وهي تصويب أسلحتهم ضد مدربيهم أو زملائهم الغربيين. وتساعد إيساف أفغانستان على بناء قواتها الأمنية الذاتية، لكن أمام الكلفة المالية الباهظة للعملية وتورط قواته، على ما يبدو، قرر التحالف الدولي سحب قواته المقاتلة من البلاد بحلول أواخر عام 2014، ولكن بعد إحراق المصاحف في قاعدة باغرام الشهر الماضي، وتسرب شريط فيديو في يناير (كانون الثاني) يظهر فيه جنود أميركيون يتبولون على جثث أفغان، وبعد حادثة أمس، قد تواجه القوات الأجنبية أياما صعبة قبل مغادرتها الأراضي الأفغانية.