ارتفاع الأسهم الدولية لتوجيه المساعدات العسكرية للمعارضة السورية

مع فقدان الأمل في التوصل لحل سلمي للأزمة

كتيبة من عناصر الجيش السوري الحر أثناء تدريباتها في ريف حماه (يوتيوب)
TT

بدأت إدارة أوباما وحلفاؤها، جنبا إلى جنب مع شركاء دوليين، مشاورات جادة بشأن تدخل عسكري محتمل في سوريا، مع استمرارهم في الضغط من أجل التوصل لحلول سلمية للمذبحة الدائرة هناك.

ومع حدوث تقدم طفيف خلال الأسبوعين الأخيرين، منذ أن تعهدت 70 دولة ومؤسسة دولية في تونس بتكثيف جهودها على المستويين الإنساني والدبلوماسي، فإن الرغبة تزداد حاليا لدراسة خيارات أخرى.

وتشمل الخيارات المحتملة التسليح المباشر لقوات المعارضة وإرسال قوات لتأمين «ممر إنساني» أو «منطقة آمنة» للثوار، أو شن هجمة جوية على الدفاعات الجوية السورية، بحسب مسؤولين من الولايات المتحدة ودول أخرى معارضة للرئيس السوري بشار الأسد. غير أن الحكومات ما زالت في حالة انقسام شديد بشأن نطاق أي تدخل، وكيف ومتى يجب أن يتم، ومن سيشارك فيه. ومع استمرار معارضة روسيا لمشروع قرار صادر عن الأمم المتحدة، يشكك كثيرون في شرعية أي خيارات عسكرية بموجب القانون الدولي.

ويقول مسؤولون أميركيون إن استراتيجيتهم ما زالت تركز على المساعدات الإنسانية وتنظيم صفوف المعارضة السورية. غير أن الآمال تخبو في إمكانية تشكيل جبهة موحدة تستحق الحصول على الاعتراف الدولي، مثلما حدث في ليبيا، أو إمكانية إقناع الأسد بالتسليم.

ومع شن القوات السورية هجوما جديدا يوم السبت على منطقة إدلب الشمالية، كرر الأسد ادعاءه بأن الانتفاضة التي تعود إلى عام مضى ما هي إلا مخطط حاكه متطرفون خارجيون. لا يمكن أن ينجح أي حوار سياسي «ما دامت هناك جماعات إرهابية مسلحة تنشر الفوضى وعدم الاستقرار»، هذا ما قاله الأسد لموفد الأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا، كوفي أنان، يوم السبت، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الحكومية السورية.

وذكر بيان صادر عن الأمم المتحدة أن المباحثات كانت «نزيهة وشاملة»، وأن أنان سيلتقي الأسد مجددا يوم الأحد.

وفي اجتماع لجامعة الدول العربية في القاهرة، شدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قائلا: «نحن لا نحمي أي نظام». وقال إن روسيا تحمي «القانون الدولي.. ولا تسعى إلى جائزة خاصة أو مصلحة جغرافية»، وهو تعليق يبدو ساخرا بالنسبة لهؤلاء الذين يمارسون ضغوطا من أجل التدخل في شأن دولة كانت أقوى حليف لروسيا في الشرق الأوسط. وقال رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، في الاجتماع المنعقد بالقاهرة إن «صبر العالم وصبرنا قد نفد». واستبعد وزير خارجية المملكة العربية السعودية، سعود الفيصل، احتمال تبني المزيد من «الحلول الخادعة والمواقف المتخاذلة»، حسبما نقلت عنه محطة «الجزيرة» من القاهرة.

تزايد المخاطر التي تهدد المنطقة

* ثمة إجماع واسع النطاق على أن التهديد الذي يحدق بالاستقرار الإقليمي والدولي يزداد يوما بعد يوم، مع مقتل المزيد من المدنيين بأساليب أكثر وحشية وعدم تحقق أي تقدم نحو تحول سلمي.

«كلما استمر هذا الوضع لفترة أطول، تعمقت الشقاقات الطائفية وزادت مخاطر استمرار النزاع الطائفي لأجل أطول وزيادة أعمال العنف من قبل الجماعات المتطرفة»، هذا ما صرح به جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، للكونغرس الأسبوع الماضي.

وفي جلسة استماع في مجلس الشيوخ، قال الجنرال جيمس ماتيس، رئيس القيادة المركزية الأميركية، المعروفة باسم «سينت كوم»، إن فكرة أن يحل نظام حكم ديمقراطي محل الأسد ستكون «أكبر عقبة استراتيجية» خلال 25 عاما بالنسبة لإيران، أحد الحلفاء الرئيسيين للأسد.

وفعليا، تضم الخيارات الأخرى المتاحة إنشاء «منطقة آمنة» خاضعة لحماية دولية، على طول حدود تركيا مع سوريا الممتدة لمسافة 500 ميل، حيث يتم حشد المساعدات الإنسانية والعسكرية وتنظيم صفوف القوات العسكرية المعارضة، أو شن هجوم جوي مماثل لذلك الذي تم توجيهه ضد ليبيا لتدمير الدفاعات الجوية السورية الهائلة.

إن الولايات المتحدة على استعداد للتزويد بأجهزة اتصالات وإمكانات استخباراتية في إطار جهود تستهدف تسليح المعارضة، بحسب مسؤولين أميركيين ومسؤولين آخرين من المنطقة، قبلوا الحديث عن الوضع في سوريا شريطة عدم الكشف عن هويتهم.

يذكر أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي ينظر إليها بوصفها قادرة على تنظيم ودعم البديل الأكثر حدة، ألا وهو إنشاء منطقة حظر جوي أو فرض حماية مباشرة على الطيران. وقد ذكر مسؤولو دفاع أميركيون أن الإعداد لمثل هذه الخطوة سيستغرق أسابيع، كما أن تنفيذها سيتطلب أسابيع إضافية. وسيكون من اللازم نقل أعداد ضخمة من الطائرات والأفراد من مناطق أخرى.

وفي جلسات استماع عقدت الأسبوع الماضي، أكد بعض المشرعين، يتزعمهم السيناتور جون ماكين (الجمهوري عن ولاية أريزونا) أن الإدارة ملتزمة أخلاقيا باستخدام أي وسيلة ضرورية لوقف نزيف الدماء في سوريا.

وقال الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إنه قد أجريت تقديرات أولية بشأن ما سيستلزمه دور عسكري أميركي تحت قيادة الرئيس أوباما، على الرغم من عدم التوصل إلى أي قرار بشأن بدء اتخاذ إجراءات عسكرية.

قال ديمبسي: لكن «يجب أن يكون لدينا أساس قانوني»، إما «موافقة دولة، في إطار دفاعنا عن مصالحنا الوطنية، أو من خلال مشروع قانون صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وأثارت إشارة وزير الدفاع ليون بانيتا إلى الحصول على «تصريح دولي»، والتي جاءت في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ يوم الخميس، مشاعر الحنق بين الجمهوريين. وقال السيناتور جيف سيشنز (الجمهوري عن ولاية ألاباما) إن «أنفاسه احتبست خوفا» من فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تطلب من أطراف خارجية - خلاف الكونغرس - تصريحا بنشر قواتها العسكرية.

لكن حتى إذا ما كانت الإدارة قد قررت أن الموقف يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأميركي، بحسب مسؤولين، إلا أنها تعتقد أن المشاركة الدولية تمثل قرارا حكيما وضروريا.

لقد كانت تركيا، التي ستلعب دورا محوريا في أي شكل من أشكال التدخل، بدءا من إنشاء مناطق آمنة إلى مناطق حظر جوي، الأكثر تقلبا في الرأي بشأن الأسس القانونية.. بل إن حتى إنشاء «ممر إنساني» لتقديم المساعدات للسوريين المحاصرين سيتطلب نوعا من الدعم العسكري الخارجي، بحسب مسؤول إدارة رفيع المستوى. وقال أحد المسؤولين إنه «بعد مذبحة سريبرينستا، لن يرغب أحد على الإطلاق في إنشاء ممر إنساني، ما لم توجد الوسائل والسلطة التي يمكن أن تساعد في تأمينه»، مشيرا إلى مذبحة مسلمي البوسنة التي وقعت عام 1995 في منطقة يفترض أنها «منطقة آمنة» وخاضعة لحماية الأمم المتحدة.

ويعتبر مشروع قانون من مجلس الأمن هو المعيار الذهبي لأي تدخل، غير أن محامين دوليين عكفوا على دراسة خيارات أخرى. وعندما استخدمت روسيا حق الفيتو للاعتراض على مشروعات القرار الصادرة عن مجلس الأمن إبان الحرب الكورية، رأت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة أنها يمكن أن تتغلب على مشكلة دخول مجلس الأمن في طريق مسدود من خلال تصويت بنسبة الثلثين.

وتدخل حلف الناتو من دون تصريح من الأمم المتحدة في قصف صربيا أثناء حرب كوسوفو عام 1999، وهو نزاع أشار إليه مشرعون مؤيدون لفكرة التدخل في الشأن السوري بوصفه نموذجا. وذكر بانيتا الأسبوع الماضي أنه يرى أن على حلف الناتو أن يحمل القضية السورية على عاتقه، غير أنه في يوم السبت، صرح مسؤول رفيع الشأن بحلف الناتو بأن ذلك أمر غير محتمل حدوثه.

وعقب اجتماع عقده يوم الخميس مع الرئيس التونسي منصف المرزوقي، ذكر الرئيس التركي عبد الله غل أن حكومته تعارض أي تدخل «من خارج المنطقة». وأشار المرزوقي إلى أن تونس ستكون على أتم الاستعداد لإرسال قوات لسوريا كجزء من قوة عربية لحفظ السلام.

وفي حالة فشل جميع السبل الأخرى، أشارت تركيا إلى أنها ربما تكون مستعدة لقبول اتفاق من قبل مجموعة أصدقاء سوريا الدولية التي تشكلت حديثا، والتي عقدت اجتماعها الأول في تونس قبل أسبوعين. ومن المقرر أن تعقد المجموعة، التي تضم أعضاء عربا ومن أوروبا والولايات المتحدة، اجتماعها المقبل في إسطنبول أواخر مارس (آذار) أو أوائل أبريل (نيسان) المقبل.

الوحدة ربما لا تكفي

* ذكر دبلوماسي آخر رفيع المستوى من المنطقة أن الوحدة على المستوى الدولي ربما لا تكفي. فبعد أيام من الاعتراف بالمجلس الوطني السوري في تونس بوصفه «ممثلا شرعيا للمعارضة، انفرط عقد المجموعة. فقد أعلن هيثم المالح، وهو قاض سابق احتجز في السجون على مدار عدة أعوام، و20 عضوا آخر بالمجلس على أن مجلس المعارضة على درجة هائلة من الضعف، ويسيطر عليه بدرجة كبيرة أفراد منفيون، وانشقوا ليشكلوا كيانهم الخاص.

وحينما أعلن برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، لاحقا عن تشكيل وزارة دفاع لوضع استراتيجية للجيش السوري الحر، أشارت القوات المسلحة التابعة للمعارضة أنها ستصوغ استراتيجيتها الخاصة وستشكل قيادتها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»