العمالة المصرية تستكشف طريق عودتها إلى ليبيا

تسليم موالين لنظام القذافي إلى المجلس الانتقالي

TT

مثلت العمالة المصرية الفارة من ليبيا بسبب الأوضاع المضطربة هناك ضغطا جديدا على الاقتصاد المصري، خاصة أن نسبة كبيرة منها، يقدر عددها بنحو أكثر من مليون عامل، هم حرفيون بالأساس، ولن تتناسب إمكاناتهم مع بطء النمو الحالي للاقتصاد المصري.

واعتبر المصريون، لعقود طويلة، ليبيا طريق عمل رائج يفتح لهم أبواب الرزق بعيدا عن جحيم البطالة في مصر، خاصة في مناطق الصعيد وأطراف البلاد، التي تعاني تهميشا وعدم اهتمام من الحكومات المصرية المتلاحقة.

ووجد الشباب المصري في السوق الليبية ما يبعدهم عن فئة العاطلين وما يحقق لهم بعض الأموال السريعة، إلا أن الثورة الليبية أعادت هؤلاء العمال أفواجا إلى بلادهم خالي الوفاض على أمل العودة مرة أخرى عقب استقرار الأوضاع هناك، خاصة أن هؤلاء العمال، كما يقول المحللون الاقتصاديون، على دراية بالسوق الليبية ومتطلباتها، كما أن السفر إلى هناك برا عبر الحافلات الصغيرة ليس بنفس تكلفة السفر المرتفعة إلى دول الخليج.

وغادر آلاف المصريين ليبيا برا وجوا بعد تفجر الاحتجاجات الدامية هناك، كما أوقفت شركات مصرية نشاطها التجاري هناك.

ويعتمد الاقتصاد المصري، في جزء كبير منه، على تحويلات المصريين بالخارج، وقدرت عدة إحصاءات رسمية تحويلات المصريين العاملين بليبيا بقيمة مليار دولار في السنة، كما أن ليبيا لديها استثمارات في مصر بقيمة 10 مليارات دولار. ووفقا لمحللين ليبيين وغربيين، فإن السلطات الجديدة في ليبيا تشعر بالقلق باتجاه مصر، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصفية ممتلكاتهم.

ويعتقد البعض أن سبب الأزمة سياسي بالأساس بسبب عدم تسليم القاهرة هاربين ليبيين إلى المجلس الانتقالي الوطني، مما يؤخر عودة العمالة المصرية إلى ليبيا، كما أن الاضطرابات في الداخل الليبي لم تنتهِ بعد. واستشهد 37 مصريا أثناء الثورة الليبية، وأصيب المئات على يد قوات القذافي.

وحرص المشير طنطاوي على زيارة ليبيا في يناير (كانون الثاني) الماضي في محاولة لإصلاح العلاقات بين البلدين، الأمر الذي قوبل بترحيب رسمي وصيحات استهجان من قبل المحتجين والثوار الليبيين الذين طالبوا مصر بتسليم الموالين لنظام القذافي. وتظاهر عدد من الثوار الليبيين أمام سفارتي مصر والجزائر في طرابلس للمطالبة بتسليم أبناء العقيد الراحل معمر القذافي ومسؤولي النظام السابق، متهمين الحكومة المصرية بتوفير الملاذ الآمن لأبناء القذافي. ويوجد على رأس قائمة المطلوبين أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي مسؤول الشؤون العربية في وزارة الخارجية الليبية السابق، ووزير الكهرباء السابق عمران بو كراع، ووزير الداخلية السابق ناصر المبروك، وعدد من الوزراء السابقين في حكومة القذافي، ورجال الأعمال المحسوبين على نظام القذافي.

ويمثل تسليم الهاربين أحد أهم العراقيل القائمة في طريق عودة المصريين إلى السوق الليبية. وقدم النائب العام الليبي، عبد العزيز الحصادي، ملفا قضائيا لنظيره المصري المستشار عبد المجيد محمود يتضمن الاتهامات الموجهة إلى قيادات في نظام القذافي تؤويها القاهرة وتطالب طرابلس بتسليمها، في حين قال الحصادي: إن عدد المطلوب تسليمهم بلغ نحو 40 مسؤولا. وأكدت مصادر مصرية أن القائمة الأولية التي قدمها الجانب الليبي كانت تضم 36 اسما كان يعتقد أن أصحابها فروا إلى مصر قبل أيام من سقوط باب العزيزية في أغسطس (آب) الماضي، لكن المجلس الانتقالي قلص عدد المطلوبين في ما بعد إلى 18 اسما فقط، أصحابها مطلوبون بتهمة ارتكاب أفعال تشكل جرائم جنائية يعاقب عليها وفقا لنصوص قانون العقوبات الليبي.

وقال الدكتور رشاد عبده، خبير الاقتصاد الدولي: إن ليبيا كان يعمل فيها أكثر من مليون مصري، يقومون بتحويل 1.1 إلى 1.4 مليار دولار سنويا، ومع قيام الثورة الليبية توقفت هذه التحويلات، فبدلا من أن يكونوا ميزة تخفف عن كاهل الدولة العبء الكبير، زادت معدلات البطالة في مصر لتتحول من 9.3% قبل الثورة الليبية لتصل حسب الإحصاءات الرسمية إلى 11.9%، مما أدى إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد المصري. وأضاف أن عملية استعادة هذه العمالة المصرية مرة أخرى إلى ليبيا ترتبط برؤية المسؤولين المصريين في الوقت الحالي، وضرورة عدم الاحتفاظ بالمطلوبين للقضاء الليبي؛ لأن ما يخص القاهرة هو الحفاظ على العلاقات الدولية الخاصة بالشعبين المصري والليبي، فحتى عقود إعادة الإعمار في ليبيا توجهت مرة أخرى إلى دول أوروبية دون الاعتماد على العمالة المصرية، على الرغم من أن هناك روابط بين الشعبين تجعل من الأولى الاستعانة بالعمالة المصرية لوجود الكثير من علاقات المصاهرة بين الشعبين الليبي والمصري، هذا بالإضافة إلى صلة الجوار.