قضية «الزيوت السامة» تطفو مجددا في المغرب

تخلصت منها القواعد الأميركية قبل مغادرة المغرب في عقد الستينات.. وأدت إلى وفاة آلاف المغاربة

TT

طفت مجددا في المغرب قضية ظلت تعرف باسم قضية «الزيوت المسمومة»، التي شغلت البلاد خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وأثيرت مجددا في عقد التسعينات. وطالبت هيئات مدنية وأهلية من حكومة عبد الإله ابن كيران، بفتح تحقيق حولها، إذ تسببت تلك الزيوت في وفاة مئات الأشخاص، وهو ما أثار وقتها جدلا واسعا، حيث تحولت إلى قضية سياسية، نظرا لارتباطها بالقواعد الأميركية التي كانت آنذاك في المغرب، وتمت تصفيتها في الستينات.

وقال المطالبون بفتح التحقيق «إن رفع حكومة ابن كيران شعار (الحكامة) وهو ما جسدته بعزمها نشر كشوفات بأسماء جميع المستفيدين من رخص ومأذونيات تمنحها الدولة وتحقق عائدا ماليا مستمرا لمن حصلوا عليها، يقتضي منها فتح هذا الملف»، على حد رأيهم.

وقال طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب، خلال ندوة عقدت في الرباط حول موضوع «الحكامة في المغرب» إنه تلقى رسالة بشأن قضية ضحايا الزيوت المسمومة، ودعا إلى فتح هذه القضية «في إطار الحكامة الجيدة».

وعبر السباعي عن اعتقاده بأن «المغرب يعرف حراكا اجتماعيا سيؤدي إلى انتقال البلاد من مرحلة الفساد والاستبداد إلى مرحلة الحكامة الجيدة التي تضمن جميع الحقوق»، وهو ما يبرر، من وجهة نظره، فتح ملفات قضايا لم تسقط بالتقادم ومنها قضية «الزيوت المسمومة»، مشيرا إلى أن بعض السلوكيات السلبية داخل الإدارة والقضاء لا تزال مستمرة منذ استقلال البلاد وحتى الآن.

يشار إلى أن قضية الزيوت المسمومة، كانت قد تفجرت عام 1959 عندما خلطت زيوتا لمحركات الطائرات الأميركية تخلصت منها القواعد الأميركية في المغرب قبل إغلاقها بزيوت طعام، وبيعت على أساس أنها زيوت عادية تصلح للطبخ، وهو ما أدى إلى حدوث حالات تسمم كثيرة في جميع أنحاء البلاد، ووفاة مئات الأشخاص.

وقال السباعي «إن ملف الزيوت الفاسدة قدمت فيه رشوة إلى مسؤول حكومي بارز لطمس الموضوع». وأضاف «نحن نعالج هذه القضية منذ أن تأسست الهيئة الوطنية لحماية المال العام». وطالب السباعي ابن كيران بفتح تحقيق حول القضية التي ذهب ضحيتها 300 ألف مواطن، على حد قوله، في حين أصيب آلاف آخرون بأمراض بعضهم لا يزالون يعانون منها حتى الآن.

تجدر الإشارة إلى أن الزيوت التي تسبب في تلك المأساة كانت عبارة عن مادة كيميائية سامة ليس لها لون أو رائحة، مزجت بزيت طعام عادي يستعمل في الطبخ. وتقول المصادر الأميركية إن تلك الزيوت تعرف في أميركا باسم «تي إس بي» وهي تستعمل في محركات طائرات عسكرية، خرجت من الخدمة حاليا، ونظرا لكمية السموم التي تحتويها فإن مجرد استنشاقها يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض.

وحصل مغاربة على تلك الزيوت من القواعد العسكرية الأميركية، عندما كانت القوات الأميركية تستعد وقتها لمغادرة المغرب بعد أن ظلت توجد به منذ عقد الأربعينات من القرن الماضي. وعمدت تلك القواعد إلى التخلص من المواد غير المرغوب فيها. وكان من ضمنها زيوت «تي إس بي» معبأة في براميل، حيت نقلت من القواعد العسكرية الأميركية في «سيدي سليمان» و«سيدي يحيى» و«القنيطرة» في منطقة الغرب إلى مكناس في وسط البلاد، ومزجت مع زيت طعام في مزارع كانت في ملكية الدولة المغربية، وبيعت في قوارير، وأصيب الآلاف من الأشخاص عند تناول تلك الزيوت بأمراض، كانت تبدأ بارتفاع كبير في درجة الحرارة، وفي كثير من الأحيان كانت تؤدي المضاعفات إلى شلل بعض الأطراف، وقضى كثيرون بسبب تلك السموم، وأصيب من بقوا على قيد الحياة بأمراض مزمنة، وعانى كثيرون من إعاقة دائمة.