قادة الجيش الأميركي يقيمون مجازفة التدخل في سوريا

مسؤولو الدفاع لديهم 4 مخاوف رئيسية

جانب من مظاهرة بجامعة حلب أمس تطالب بتسليح المعارضة (يوتيوب)
TT

على الرغم من تزايد النداءات التي تطالب الولايات المتحدة بالمساعدة في وقف المذابح في سوريا، صعَّد مسؤولون بارزون في البنتاغون من تحذيراتهم بأن التدخل العسكري سيكون عملية شاقة وطويلة الأمد وستتطلب، على الأقل، أسابيع من الضربات الجوية المكثفة، التي يتوقع أن تؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وتلقي بالبلاد إلى شفير الحرب الأهلية.

وعبر المسؤولون عن اعتقادهم أن سوريا تمثل مشكلة أوسع نطاقا من ليبيا، التي تطلبت 7 أشهر من القصف الجوي، شارك فيها المئات من طائرات «الناتو» وأطلق خلالها 7700 قنبلة وصاروخ.

وعلى الرغم من امتلاك الولايات المتحدة القوة العسكرية اللازمة لشن ضربات جوية متواصلة على سوريا - وفقا لتصريحات الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة عندما قال: «يمكننا القيام بأي شيء» - أكد مسؤولو الدفاع مخاوفهم بشأن 4 تحديات رئيسية، تتمثل في خطورة مهاجمة الدفاعات الجوية السورية روسية الصنع الكثيرة والمتطورة، التي تقع على مقربة من المناطق السكنية الرئيسية، وتسليح المعارضة السورية المنقسمة على نفسها، واحتمالية شن حرب وكالة مع إيران وروسيا، حليفي سوريا الأساسيين، وأخيرا غياب - حتى الآن على الأقل - تحالف دولي تتوافر لديه الرغبة في القيام بعمل ضد حكومة الرئيس بشار الأسد.

وقال مسؤول دفاعي رفيع المستوى إنه حتى في حال إقامة «ملاذات آمنة» أو مناطق محمية داخل سوريا للمدنيين، فإنها ستكون عملية معقدة يرى المخططون العسكريون أنها تشكل خطورة على القوات البرية الأميركية - التي ستساعد في إقامتها وحمايتهم - إذا كان على الولايات المتحدة أن تأخذ مثل هذا المسار.

يأتي وضع الخطط استجابة لطلب من الرئيس أوباما طرح خيارات عسكرية أولية من البنتاغون، على الرغم من أن الإدارة لا تزال تعتقد أن الضغط الدبلوماسي والاقتصادي سيكون السبيل الأمثل لوقف عملية القمع التي تمارسها حكومة الأسد. ويشمل الخيار الذي تجرى مراجعته الآن طائرات إغاثة إنسانية ومراقبة بحرية لسوريا، وإقامة منطقة حظر للطيران كأحد الخيارات المطروحة. وقد صرح وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، والجنرال ديمبسي، بأن الجيش لا يزال في المراحل الأولية في دراسة الاحتمالات، وأن القادة الجدد يطلبون، بشكل دوري، خطط طوارئ عسكرية خلال الأزمات في الخارج.

في الوقت ذاته، لا يزال السيناتور جون ماكين، النائب عن ولاية أريزونا، وبعض مؤيديه من الجمهوريين، يؤكدون أن الولايات المتحدة تحمل مسؤولية مساندة الثورة السورية. وتساءل ماكين، خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: «كم من شهيد آخر ينبغي أن يسقط قبل أن نتحرك؟»، مشيرا إلى تقديرات الأمم بشأن أعداد القتلى التي بلغت 7500 قتيل خلال أقل من عام.

وقال السيناتور ليندسي غراهام، الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، في مقابلة صحافية: إن الولايات المتحدة الأميركية لديها مصلحة استراتيجية في سوريا أكبر بكثير مما كانت عليه في ليبيا، وإن مخاطر العمل العسكري جديرة بالأخذ بها. وأوضح: «لا توجد حرب من دون احتمالية خسارة طائرة».

بيد أن تصريحات ماكين، وهو طيار حربي متقاعد أسقطت طائرته وتعرض للأسر خلال حرب فيتنام وخاض سباق الرئاسة أمام أوباما عام 2008، أثارت غضب المخططين العسكريين الذين اعتبروا أن تصريحاته العاطفية نوع من التحريض على الدخول في حرب أخرى. ويرى المخططون أنهم بحاجة أيضا إلى مزيد من التوجيه من كبار المسؤولين بشأن أهداف الإدارة الأميركية وأغراضهم المرجوة في سوريا.

وقال مسؤول عسكري رفيع المستوى، متحدثا عن ليبيا، التي تطلبت قوة جوية أميركية موسعة، ناهيك عن المئات من صواريخ كروز التي أطلقت من سفن وغواصات أميركية، للقضاء على الدفاعات الجوية الليبية حتى تتمكن الطائرات الحربية الأوروبية من العمل بحرية: «لقد تورطنا في هذا المأزق الذي لا نهاية له من قبل، ولن نقدم على القيام بذلك مرة أخرى». وعلى الرغم من ذلك، واصلت الولايات المتحدة تقديم الذخيرة وطائرات إعادة التزود بالوقود وإرسال طائرات مقاتلة.

ويعتقد مسؤولو الاستخبارات والدفاع أن الدفاعات الجوية السورية المتكاملة - مجموعة من آلاف الصواريخ أرض - جو والرادارات والمدافع المضادة للطائرات - ليست أكثر تقدما من نظيراتها في ليبيا وحسب، لكنها وُضعت في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية على الحدود الغربية لسوريا، وهو ما يعني أنه مع القصف الدقيق، سيتعرض المدنيون القريبون من هذه الدفاعات للقتل.

وقال بانيتا الأسبوع الماضي: «ستكون هناك خسائر ثانوية ضخمة عند قصف هذه المناطق».

وكما هو الحال في ليبيا، يتوقع أن تكون المراحل الأولى من الضربات الجوية على سوريا أميركية خالصة؛ لأن ترسانة الولايات المتحدة وقدرات الحرب الإلكترونية ربما تتطلب «فترة ممتدة من الوقت وعددا أكبر من الطائرات»، بحسب قول الجنرال ديمبسي.

وحالما تستطيع الولايات المتحدة فرض الهيمنة الجوية، سيكون من الممكن خلق الملاذات الآمنة أو «الممر الإنساني» - طريق خروج آمن للاجئين لتركيا، على سبيل المثال - لكن المسؤولين العسكريين يقولون إن الملاذ والممر سيكونان عرضة للهجوم من قبل ما يصفه مسؤولو الاستخبارات الأميركية بالجيش السوري الضخم الذي يبلغ قوامه 330 ألف جندي.

يقول جاك ريد، السيناتور الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند، ضابط سابق بالجيش، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ في الأسبوع الماضي: «لا أعرف كم من الوقت سيتهاونون بشأن تلك الملاذات الآمنة. وإذا افترضنا وجود تلك الملاذات الآمنة، فهذا يقتضي، من وجهة نظري الشخصية، أن يذهب شخص ما هناك لتنسيق التدريب، وتنظيم جيش. وقد يستغرق هذا شهورا إن لم يكن أعواما».

يقول الجنرال ديمبسي إن مسؤولين عسكريين يقولون إن المعارضة لا تسيطر على أي منطقة في سوريا، على عكس الوضع في ليبيا؛ حيث كانت هناك «قوات قبلية في الشرق والغرب، لكنها تقل في الوسط. أما في سوريا، فلا تقل الكثافة السكانية الجغرافية في أي مكان؛ حيث تتداخل القوات في كل مكان».

ويقول مسؤولون في الجيش والمخابرات: إن قوات المعارضة ضد الأسد لا تزال منقسمة وتشكل ما يقرب من 100 مجموعة، لم يبرز من بينها أي قادة للمعارضة حتى الآن. في الوقت ذاته يبحث المسؤولون الأميركيون تزويد المعارضة بمساعدات فنية كبيرة، قد تتضمن معدات اتصالات، لكنه يتوجب عليهم النجاح في دمج تلك المجموعات المتباينة معا في مجلس متماسك. وتعتبر إيران، الحليف الأهم لسوريا، مصدر قلق رئيسيا بالنسبة للبنتاغون؛ حيث يقول مسؤولون في الجيش والاستخبارات: إن إيران نقلت إلى سوريا، مؤخرا، بعض الأسلحة الخفيفة، خاصة القذائف الصاروخية ومعدات تكنولوجية وخبراء بارزين لمساعدة حكومة الأسد في اعتراض الاتصالات التي تتم على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت.

يقول الجنرال جيمس ماتيس، قائد القيادة المركزية الأميركية، في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: «تقوم إيران بتزويد سوريا بقدرات تنصت وتجسس، لمحاولة التقاط الأماكن التي توجد فيها شبكات المعارضة، وبالخبراء الذين لا أستطيع إلا أن أقول إنهم خبراء في القمع فقط».

على صعيد آخر، تعتبر روسيا مورد سلاح رئيسيا لسوريا، وتحتفظ بقاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري، على شاطئ البحر المتوسط، وهي القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج بلدان الاتحاد السوفياتي السابق. وقد حاولت موسكو، بشدة، خلال الأسابيع القلية الماضية، حماية علاقتها بالأسد، خاصة عندما قامت، مع الصين، باستخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد قرار يدعو الأسد للاستقالة.

وتقول ميشيل فلورنوي، مسؤولة إدارية بارزة سابقة في البنتاغون، في واشنطن، الأسبوع الماضي: «إذا ذهبنا إلى هناك باعتبارنا الولايات المتحدة الأميركية، في غياب استراتيجية أوسع نطاقا، ومعنا معدات عسكرية محضة فقد نتلقى ردود فعل سريعة جدا من الآخرين، إيران وروسيا بالأساس، لدعم النظام وجرنا في طريق نحو مواجهة أكبر».

يقول مسؤولون إداريون إنهم لا يزالون قلقين من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي تمتلكها سوريا، والتي من المعتقد أن تكون من أكبر المخزونات في العالم، مضيفين أنهم يناقشون مع حلفائهم في المنطقة كيفية تأمينهم من تلك الأسلحة.

ويقول الجنرال ماتيس: «أنا لا أعني أنها مسألة أمر واقع، فإذا تركت هذه الأسلحة من دون تأمين، فقد يقوم شخص ما بصورة تلقائية بالاستيلاء على تلك الأسلحة واستخدامها؛ لأنه قد ينتهي بهم الأمر إلى التدمير. أعتقد أن الأمر سيتطلب جهودا دولية عندما يسقط الأسد، وسوف يسقط، لكي يتم تأمين تلك الأسلحة».

في الوقت نفسه، تتابع إدارة الرئيس الأميركي أوباما استعراض جميع الخيارات العسكرية في سوريا. يقول الفريق ديفيد ديتولا، الذي عمل كرئيس لاستخبارات القوات الجوية وتقاعد في العام الماضي، متحدثا عن حملة جوية أميركية محتملة ضد سوريا: «هل يمكن القيام بتلك الحملة؟ الإجابة نعم، لكنها لن تكون نزهة».

* شارك في كتابة هذا التقرير إريك شميت

* خدمة «نيويورك تايمز»