ساركوزي يرمي بكل ثقله في المعركة الرئاسية

مهرجان الأحد الانتخابي: اليمين يستعرض عضلاته

TT

غابة من الأعلام الفرنسية بألوانها، الأزرق والأبيض والأحمر، كانت تنتظر المرشح اليميني نيكولا ساركوزي عندما ولج القاعة الكبرى في ضاحية فيلبانت (شمال باريس) حيث كان ينتظره ما بين 60 إلى 70 ألف شخص في مهرجان انتخابي على الطريقة الأميركية. شاشات عملاقة علقت في أركان القاعة الـ4 التي أفردت مكانا واسعا للشبان والشابات الذين قدموا منذ ساعات الصباح الأولى إلى فيلبانت بالحافلات والقطارات. قمصان تحمل صورة ساركوزي أو شعارات تدعو إلى انتخابه. حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني أراد من هذا المهرجان أن يكون شهادة على قوته في تعبئة المناصرين والتحضير للانتصار الذي يسعى إليه في 22 أبريل (نيسان) و6 مايو (أيار) المقبلين، موعد الدورتين الانتخابيتين الأولى والثانية. 3 ملايين يورو (على الأقل) صرفت لتنظيم هذا الاحتفال السياسي الذي أريد له أن يكون متفوقا على ما فعله الاشتراكيون قبل نحو 3 أسابيع في ضاحية لو بورجيه التي لا تبعد عن فيلبانت سوى رمية حجر. أركان اليمين حكومة ونوابا ومحازبين كانوا هناك، كما كانت هناك زوجته كارلا وزوجة الرئيس السابق جاك شيراك وكل من كان له اسم وصورة من المناصرين والحلفاء وبعض ممثلي عالم الفن أمثال الممثل المعروف جيرار دوبارديو والمغني أنريكو ماسياس.

ولئن حشد اليمين كل قواه في معركة الصورة فلأن الوضع خطير بالنسبة لـ«بطله» الذي يسعى إلى الفوز بالرئاسة للمرة الثانية. فاستطلاعات الرأي ما زالت تظهر تفوق المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند رغم التعبئة الاستثنائية التي يقوم بها اليمين وعملية رص الصفوف التي يعمد إليها. والمشكلة أن فرنسا هولاند ما زال يتفوق على ساركوزي بما لا يقل عن 5 نقاط في الجولة الأولى، بينما يسحقه سحقا في الجولة الثانية، إذ إنه يمكن أن يحصل على نحو 56 في المائة من الأصوات بينما ساركوزي لا يتجاوز نسبة الـ44 في المائة.

ويراهن اليمين على مهرجان فيلبانت لتوفير دفعة جديدة لمرشحه بعد أسبوع حافل بالبروز الإعلامي لساركوزي الذي احتل طوال أيامه الـ7 الشاشات والأثير وأغلفة المجلات وصفحات الجرائد. ويرى المراقبون، من اليمين واليسار، أنه إذا لم «يقلع» الرئيس المنتهية ولايته في الأيام القليلة المقبلة، فإنه يكون قد خسر الانتخابات قبل أن تجرى.

ولتفادي هذا المصير المحزن الذي لم يسبقه إليه سوى الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان، فإن ساركوزي لجأ إلى «المدفعية الثقيلة» ليصب قصفها على منافسه وإلى الوعود الجميلة لاجتذاب أصوات الناخبين، ساعيا مجددا إلى استراتيجية انتخابات عام 2007. وتقوم هذه الاستراتيجية على اجتذاب أصوات اليمين المتطرف بالتطرق لمواضيع بنت عليها الجبهة الوطنية صعودها السياسي مثل الهجرة والأمن والإسلام وأفضلية الفرنسيين على الأجانب أملا في اجتذاب جزء من أصوات المرشحة مارين لوبن التي تحلم بالوصول إلى الدورة الثانية.

ومن جهة أخرى، يستمر ساركوزي في الدفاع عن محصلة رئاسته وعما حققه لفرنسا عن طريق إبعاد الأزمة عنها وعن طريق إنقاذ منطقة اليورو والعملة الموحدة وتفادي أن تعرف فرنسا مصيرا كمصير اليونان أو البرتغال وإسبانيا وإيطاليا.

وفي مهرجان فيلبانت، امتطى ساركوزي الملف الأوروبي ليطرح شروطه على زعماء الاتحاد في موضوعين اثنين؛ الأول: إعادة النظر في اتفاقية شنغن التي تزيل الحدود الداخلية بين الدول المنضمة إليها، مهددا بإعادة التفتيش والرقابة الأمنية على حدود فرنسا مع جيرانها إن لم تعدل خلال 12 شهرا بغرض الحد من الهجرة غير الشرعية المتدفقة على فرنسا. والثاني: النص صراحة على الأفضلية الأوروبية في العقود الحكومية المبرمة مع الشركات أسوة بما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية. ومجددا، هدد ساركوزي بإجراءات أحادية إن لم يؤخذ بمطالب فرنسا في هذا الإطار.

منذ أن أعلن ساركوزي ترشحه رسميا، تدفقت وعوده بشكل منقطع النظير وكل يوم يأتي بجديد، غير أن العلامة الفارقة التي تدمغ حملته الانتخابية هي تبنيه خطابا يمينيا متشددا يعتمد إثارة المواضيع الحساسة مثل اللحم الحلال والصلاة في الشوارع وكثرة المهاجرين والأجانب، رابطا كل ذلك بتردي الأوضاع الأمنية وانطواء الجاليات المهاجرة خصوصا المغاربية والأفريقية على نفسها وتفشي المخدرات والتهريب والأعمال الأمنية الصغيرة التي تسمم حياة المواطنين وتصاعد أرقام البطالة وذوبان الهوية الفرنسية.

ويقدم ساركوزي نفسه على أنه المرشح «القوي» ذو القبضة الحديدية الذي ينافسه مرشح ضعيف غير حازم وغير مؤهل للتعاطي مع ضرورات المرحلة، خصوصا أن هولاند لم يتقلد أي وظيفة وزارية سابقا ولا يملك الطباع والشخصية التي تتطلبها رئاسة دولة كفرنسا، عضو في مجلس الأمن الدولي وتملك ترسانة نووية وقوة اقتصادية ضاربة هي الرابعة أو الخامسة في العالم.

غير أن كل هذا الضجيج أو الصراخ لم يكف حتى الآن. وأرقام استطلاعات الرأي ما زالت تضع هولاند في المقدمة. ورغم أن هذه الأرقام يمكن أن تخطئ كما أخطأت في عام 2002 عندما لم تتوقع وصول جان ماري لوبن، والد مارين ومرشح اليمين المتطرف، إلى الدورة الثانية على حساب المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان، فإن الفروق اليوم شاسعة بين المرشحين الرئيسيين. والأهم من ذلك أن الدراسات تفيد بأن الكثيرين سيصوتون لصالح هولاند ليس حبا فيه أو اقتناعا ببرنامجه بل فقط للتخلص من ساركوزي.