كابل: البرلمان يطالب بمحاكمة علنية لمرتكب «مجزرة» قندهار ويحذر من نفاد صبره

طالبان تتوعد بالانتقام > استطلاع: 60% من الأميركيين يرون أن حرب أفغانستان لا تستحق الخسائر التي تتسبب فيها > ميركل في زيارة مفاجئة إلى مزار الشريف

TT

توعدت حركة طالبان أمس بالانتقام للمجزرة التي راح ضحيتها 16 مدنيا أفغانيا بينهم نساء وأطفال بيد جندي أميركي في جنوب أفغانستان، وأدت إلى توتر جديد في العلاقات الهشة بين أفغانستان والولايات المتحدة. وكان جندي أميركي مدجج بالسلاح أقدم في ساعة مبكرة من صباح أول من أمس على قتل 16 مدنيا أفغانيا بينهم أطفال ونساء ومسنون في ولاية قندهار، معقل طالبان في جنوب أفغانستان، بحسب مصادر غربية وأفغانية.

وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أن بعض الجثث كان عليها علامات سوداء نتيجة احتراق، بعد أن عاينها في محافظة قندهار بجنوب البلاد. وتعتبر المجزرة الأخيرة ضمن سلسلة أعمال لجنود أميركيين أثارت استنكارا واسعا في أفغانستان، وتأتي بعد أسابيع على إحراق مصاحف في قاعدة أميركية أدت إلى أعمال عنف نتج عنها 40 قتيلا وتراجعت العلاقات بين البلدين على أثرها إلى أدنى مستوى.

وتعهدت حركة طالبان التي تقود تمردا مسلحا منذ 10 سنوات ضد النظام في كابل وضد التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالانتقام «لكل شهيد ضد الأميركيين الهمجيين المختلين عقليا». وكانت السفارة الأميركية في كابل حثت مواطنيها على اتخاذ احتياطات إضافية وحذرت من «مشاعر معادية للأميركيين ومن تنظيم مظاهرات في الأيام المقبلة خصوصا في ولايات بشرق وجنوب البلاد». وتم توقيف جندي مشتبه به وقدمت الولايات المتحدة تعازيها لأسر الضحايا وتعهدت باتخاذ إجراءات ضد أي شخص تتم إدانته.

واتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما هاتفيا بنظيره الأفغاني حميد كرزاي أول من أمس عن «حزنه العميق» للمذبحة التي وصفها بأنها «مفجعة ومروعة»، متعهدا بإجراء «تحقيق شامل» من أجل «محاسبة المسؤولين».

من جهته أدان البرلمان الأفغاني أمس المذبحة التي قتل فيها جندي أميركي 16 مدنيا وقال: إن الشعب الأفغاني نفد صبره بسبب عدم الإشراف على الجنود الأجانب في البلاد.

وتابع في بيان: «يعلن وولسي جيركا (البرلمان) من جديد أن صبر الأفغان نفد إزاء الإجراءات الاستبدادية للقوات الأجنبية». وندد البرلمان بما وصفه بـ«المجزرة الوحشية وغير الإنسانية» وقال: «إن صبر الشعب الأفغاني نفد جراء أفعال القوات الأجنبية». وجاء طلب البرلمان رغم أن أفغانستان وقعت في السابق على اتفاق يقضي بمحاكمة الجنود الأجانب في بلادهم.

وتشكل مجزرة أول من أمس اختبارا صعبا للتحالف بين الولايات المتحدة وأفغانستان إذ لا يزال البلدان يخوضان محادثات صعبة للتوصل إلى معاهدة تحدد الشراكة بينهما بعد انسحاب القوات القتالية الأجنبية من أفغانستان في 2014.

ومن المفترض أن تنظم المعاهدة الاستراتيجية المقترحة الوضع القانوني لأي قوات أميركية ستظل في أفغانستان للمساعدة في شؤون الاستخبارات والسلاح الجوي واللوجيستية لمحاربة متمردي حركة طالبان. وفي العراق، تخلت الولايات المتحدة عن التوصل إلى معاهدة استراتيجية وسحبت كل قواتها القتالية دون إبقاء أي عناصر بعدما لم تحصل من بغداد على حصانة قانونية للجنود الأميركيين.

إلى ذلك اعتذر حلف شمال الأطلسي (ناتو) أول من أمس عن مقتل 16 مدنيا أفغانيا برصاص جندي أميركي بمدينة قندهار الأفغانية. وقال الجنرال جون ألين، قائد قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) التي يقودها الحلف إنه «صدم وشعر بالحزن لسماع نبأ حادث إطلاق النار». وأوضح ألين أن الجندي الأميركي المشتبه في تورطه في الهجوم قد اعتقل متعهدا بـ«إجراء تحقيق سريع وشامل» في جريمة القتل التي وقعت في قندهار بجنوب البلاد.

من جهة أخرى قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة غير متوقعة للقوات الألمانية في أفغانستان أمس بعد يوم من قتل جندي أميركي 16 مدنيا أفغانيا فتح عليهم النار بشكل عشوائي مما أدى لمزيد من التوتر بين كابل والقوة التي يقودها حلف شمال الأطلسي في البلاد.

كما تحدثت ميركل التي زارت القوات الألمانية المتمركزة قرب مزار الشريف في شمال أفغانستان هاتفيا مع الرئيس الأفغاني كرزاي وقدمت له تعازي ألمانيا بعد حادث إطلاق النار الذي وقع في إقليم قندهار.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «إيه بي سي نيوز» و«واشنطن بوست» أن 60% من الأميركيين يرون أن الحرب في أفغانستان لا تستحق الخسائر التي تتسبب فيها فيما تؤيد نسبة مماثلة تقريبا انسحابا مبكرا للقوات الأميركية من هذا البلد.

وكان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي صرح أول من أمس في بيان أن «الحكومة سبق ودانت مرارا العمليات التي تجري تحت اسم الحرب على الإرهاب والتي توقع خسائر في صفوف المدنيين. إلا أنه عندما يقتل أفغان عن عمد من قبل قوات أميركية، فهذا يعني جريمة قتل وعملا لا يغتفر». واتصل هاتفيا بأسر الضحايا بمن فيهم رفيق الله وهو فتى في الـ15 أصيب بجروح في الساق وقال للرئيس إن الجندي مزق ثياب النساء في المنزل وقام بإهانتهن. وروى رفيق الله في تسجيل هاتفي اطلعت عليه وكالة الصحافة الفرنسية «لقد أتى إلى منزل عمي وكان يلاحق النساء ويمزق ثيابهن ويقوم بإهانتهن».

وسارعت حركة طالبان إلى إرسال مقاتلين إلى المساجد في منطقة بنجاوي في ولاية قندهار لحضور تشييع الضحايا وحث السكان على التمرد.

وروى عبد الخالق وهو أحد السكان المحليين لوكالة الصحافة الفرنسية «كانوا يقولون للناس لقد أتى المحتلون الأميركيون الكفار إلى منازلكم وأهانوا نساءكم وقتلوا أطفالكم، فماذا تنتظرون؟ عليكم بالخروج والتظاهر».

وأثارت المذبحة، التي قتل فيها جندي أميركي 16 قرويا أفغانيا، دعوات غاضبة إلى الرحيل الفوري للقوات الأميركية من أفغانستان، في حين تحاول واشنطن التفاوض بشأن وجود طويل الأمد لمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى مرة أخرى.

من ناحية أخرى، أكد متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، أن المجزرة التي نفذها جندي أميركي لا تؤثر على خطة بريطانيا لانسحاب جنودها من هذا البلد في 2014.

وقال المتحدث، في مؤتمر صحافي عادي في مقر رئاسة الوزراء بلندن: «إنه بكل وضوح حادث مأساوي، وأفكارنا تتجه إلى أسر الذين قتلوا». وأوضح: «إنه بحسب العناصر التي علمنا بها، عمل شنيع ارتكبه فرد. وهناك تحقيق جارٍ للقوة الدولية للحلف الأطلسي (إيساف)».

وأكد المتحدث: «لكننا نبقى على الطريق الذي حددناه»، مشيرا إلى «خطة انتقال تدريجي للمسؤوليات إلى القوات الأفغانية» قبل الانسحاب المقرر للقوات الدولية بحلول نهاية 2014.