مجلس الأمن: دعوات لتوحيد المواقف لمحاسبة نظام الأسد.. وروسيا تحمل دمشق جزءا من المسؤولية

كلينتون تدعو إلى دعم الخطة العربية * جوبيه: يجب إحالة الملف للجنائية الدولية * لافروف يحذر من «التلاعب»

أمين عام الأمم المتحدة يطلب من وزير الخارجية الروسي الاقتراب منه ومن وزيرة الخارجية الأميركية قبل اجتماع مجلس الأمن في نيويورك أمس (إ.ب.أ)
TT

تصدر الملف السوري والعنف الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد اجتماعات مجلس الأمن الدولي، أمس، في نيويورك، التي عقدت بمناسبة مرور عام على الربيع العربي. وبرز الخلاف مجددا حول إدانة النظام السوري بين أميركا وبريطانيا وفرنسا من جهة، وروسيا والصين اللتين تؤيدان رأيا مخالفا؛ حيث جدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تمسكه بموقف بلاده الواضح تجاه الأزمة في سوريا، برفض التدخل الخارجي، والتأكيد على منع العنف من كلا الحكومة السورية والمعارضين الذين وصفهم بـ«المتطرفين من تنظيم القاعدة». وتصدت له وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، التي رفضت المساواة في إدانة العنف بين النظام الذي يمارس القتل ومعارضيه الذين يدافعون عن أنفسهم، منتقدة موقف مجلس الأمن الذي لم يتمكن حتى الآن من التوحد لإدانة جرائم النظام. ودعت كلينتون إلى توحيد المواقف في مجلس الأمن، وتبني المبادرة العربية التي تتضمن رحيل الأسد وتسليم سلطاته إلى نائبه.

وأبدى لافروف استعداد روسيا للتعاون مع المجتمع الدولي للوصول إلى حل توافقي حول سوريا، لكنه وضع رؤيته لشروط هذا التعاون، مشيرا إلى عدة أهداف، حددها في خطابه أمام جلسة مجلس الأمن، أمس، في المبادئ الخمسة التي اتفقت عليها الجامعة العربية في اجتماعها، السبت الماضي، وهي إنهاء العنف، ووضع آلية مراقبة دولية، ورفض أي تدخل أجنبي في سوريا، والسماح بدخول كل المساعدات الإنسانية للمدنيين، ودعم مهمة المندوب الأممي؛ كوفي أنان في مهمته لتسهيل الحوار بين النظام والمعارضة.

وحذر لافروف من مغبة «التلاعب» داخل مجلس الأمن، من أجل تغيير النظام في سوريا، كما حصل مع ليبيا، بحسب رأيه، وقال: «مهما كانت الأهداف المرجو تحقيقها في هذه الحالة أو تلك، فلا يجوز تحقيقها من خلال خلط الأوراق والتلاعب بقرارات مجلس الأمن الدولي، فهذا يسيء لسمعة المجلس ويقوض المصداقية وقدرة المجلس على اتخاذ قراراته في المستقبل»، وأضاف: «على الدول والمنظمات التي تأخذ على عاتقها تفويض مجلس الأمن الدولي أن تقدم كل المعلومات عن عملها إلى مجلس الأمن، وينطبق ذلك على حلف الناتو الذي تولى تنفيذ قرار حظر الطيران فوق ليبيا لكنه قام بعمليات قصف أسفرت عن قتل مدنيين». وتابع وزير الخارجية الروسي قوله: «إن الوضع في سوريا يشكل قلقا لروسيا والمجتمع الدولي»، محذرا من مطالب تغيير النظام وفرض عقوبات على الأسد، وقال: «المطالب بتغيير النظام وفرض العقوبات تزيد من المواجهة والنزاعات المسلحة مع المعارضة بدلا من الحوار».

وحمل وزير الخارجية الروسي «بعضا» من مسؤولية العنف للنظام السوري وقال: «لا شك أن السلطات السورية تتحمل قدرا من المسؤولية في العنف، لكن المقاتلين ليسوا عزلا لكنهم متطرفون من تنظيم القاعدة ومن الجيش السوري الحر، والأولوية التي يجب تبنيها هي إنهاء أعمال العنف وتقديم المساعدات الإنسانية»، وأضاف لافروف: «نناقش أساليب لوقف إطلاق النار، ونهدف لإيجاد حل للأزمة السورية من خلال حوار سياسي تقوده سوريا».

من جانبها، أشارت كلينتون إلى فشل مجلس الأمن في اتخاذ موقف موحد من الأزمة السورية، وبعثت بإشارات غير مباشرة لروسيا والصين لوقوفهما ضد قرارات سابقة لمجلس الأمن لحل الأزمة السورية. وقالت: «لأكثر من خمسة أسابيع لم يستطع المجلس الوقوف موحدا في وقف الأزمة السورية، وقد تم منعنا من اتخاذ قرار لوقف العنف، والولايات المتحدة تؤمن بسيادة ووحدة الدول الأعضاء بالمجلس، ولكن السيادة تتطلب من المجتمع الدولي ألا يقف صامتا إزاء العنف في سوريا».

واستنكرت كلينتون المطالب الروسية بأن يشمل قرار مجلس الأمن الدعوة لوقف العنف من الطرفين (النظام السوري والمعارضة)، وقالت: «طُلب منا المساواة بين القتل الذي يجري مع سبق الإصرار من النظام السوري والمدنيين الدين يدافعون عن أنفسهم»، وقالت: «يا لها من سخرية.. حتى في الوقت الذي كان فيه الأسد يستقبل الأمين العام السابق (للأمم المتحدة) كوفي عنان، كان الجيش السوري يشن هجوما جديدا على إدلب ويواصل عدوانه في حماه وحمص والرستن».

وشددت على ضرورة مساندة مبادرة الجامعة العربية التي تطالب سوريا بوقف العنف وتوصيل المساعدات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين، وقالت: «حان الوقت لكل الدول التي عاقت جهودنا لأن تقف الآن وراء موقف سياسي موحد لإنهاء العنف في سوريا، وأن تبدأ عملية انتقال سياسية؛ فالشعب السوري من حقه أن يبدأ مرحلة انتقال سياسي مثل التونسيين والمصريين والليبيين، ويجب أن ندعم الدعوات لبناء نظام يقوم على محاسبة ومساءلة الحكومات وتقوية المجتمع المدني ويجب أن نقدم دعمنا بالأقوال وأيضا بالأفعال».

وهاجمت كلينتون التخوفات من وصول الإسلاميين للسلطة في دول الربيع العربي، وقالت: «البعض يشككون في سياسات الإسلاميين ومدى التزامهم بالديمقراطية، وسياستنا هي أن نركز أقل على التسمية ونركز أكثر على الأفعال، وأمام الإسلاميين في دول الربيع العربي مسؤولية الالتزام باحترام الحريات وسيادة القانون وحماية الأقليات والمرأة وتأصيل نظام قضائي مستقل والالتزام بنتائج صناديق الاقتراع».

وأيدت وزيرة الخارجية الأميركية حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وحق كل الشعوب في الكرامة وحق تقرير المصير، لكنها أوضحت أن تحقيق حل الدولتين لا بد أن يتم من خلال استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون تدخل من الخارج. وأدانت بشدة إطلاق الصواريخ من غزة ضد المدنيين في إسرائيل.

وعقدت كلينتون، بعد انتهاء الجلسة، اجتماعا ثنائيا في مقر الأمم المتحدة مع نظيرها الروسي لافروف، في محاولة لاتخاذ قرار بالنسبة للوضع في سوريا، إلا أن الصدام سرعان ما تجدد بينهما. فرغم اتفاقهما على ضرورة وقف العنف في سوريا فورا، فإن الاختلاف بدا واضحا في إصرار روسيا على مطالبة المعارضة أولا بوقف العنف وإصرارها على وجود عناصر مسلحة من تنظيم القاعدة بين المعارضة السورية، بينما تصر واشنطن على وقف العنف من النظام أولا باعتباره من يتحمل المسؤولية الأولى بهذا الصدد. ورفض لافروف في المؤتمر الصحافي في أعقاب لقائه كلينتون أي تدخل أجنبي في سوريا، كما رفض انفراد أي دولة بفرض وجهة نظر لتسود مجلس الأمن. وأضاف أن روسيا على تواصل مستمر مع الحكومة السورية، وقال: «نصحنا النظام السوري بقبول المبادرة العربية وقبول المراقبين العرب واستجابت سوريا، لكن الجامعة العربية أوقفت عمل المراقبين، وسوريا تعتقد أن ذلك خطأ». وبدورها، أعلنت كلينتون أن البديل الوحيد للخروج بقرار موحد بإجماع كل الأعضاء في مجلس الأمن حول سوريا، سيكون مواجهة موقف دموي ذي تأثيرات كارثية على منطقة الشرق الأوسط. وأبدت أملها في أن يصدر مجلس الأمن قرارا حول سوريا، وتسانده روسيا.

وأوضحت أن لافروف سيعود إلى موسكو حملا معه الرؤية الأميركية، وقالت: «سننتظر أن نسمع نصائح كوفي أنان حول المضي قدما، وسنستمر في المشاورات مع أصدقاء سوريا لتوفير المساعدات الإنسانية وتشديد الضغوط على الأسد ومساندة جهود أنان والجامعة العربية لإنهاء العنف، ونأمل بعد المشاورات والاجتماعات أن يقوم مجلس الأمن بإصدار قرار ونتوقع من روسيا مساندتنا».

وبدوره، حذر الأمين العام للأمم المتحدة؛ بان كي مون، من تكلفة استمرار الوضع المأساوي في سوريا في إزهاق المزيد من أرواح المدنيين وزيادة العنف بما يؤدي إلى حالة عدم اليقين في مستقبل سوريا، خاصة مع فشل الحكومة السورية في الالتزام بوعودها والاستمرار في الاستخدام المفرط للقوة وقتل النساء والأطفال في إدلب وحمص.

وقال إن «العنف الذي تمارسه الحكومة السورية يندرج تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية»، وأضاف: «أناشد المجتمع الدولي للتوحد لإنهاء العنف، وأضم صوتي لجهود كوفي أنان لمطالبة الأسد بالتحرك بسرعة للتجاوب مع المقترحات التي طرحتها الجامعة العربية والمجتمع الدولي لمساندة سوريا من الخروج من هذه الكارثة العميقة، ومن المهم للمجلس أن يتحدث بصوت واحد».

من جهته، دعا وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية بمجلس الأمن إلى عمل سريع لوقف سفك الدماء في سوريا، وحذر من التقاعس عن العمل لوقف العنف في سوريا، وقال: «لو سمحنا لسوريا باستمرار القتل، فستضيع الفرصة لتحقيق مستقبل أفضل للمنطقة، وسيكون المستقبل مشوبا بالعنف».

واتهم هيغ مجلس الأمن بالفشل في تحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري، وقال: «آن الأوان لإنهاء فوري للقمع والقتل الوحشي في سوريا ووضع حد للانتهاكات ودعوة الحكومة السورية لسحب قواتها والسماح بوصول المساعدات».

أما وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، فقد أشار إلى نجاح مجلس الأمن في تبني قرار بالإجماع لتسهيل العملية الانتقالية السلمية في ليبيا، ولكنه أبدى أسفه للفشل في التعامل مع الملف السوري، وقال: «اليوم نواجه مأساة في سوريا، ولم يعط النظام إذنا لكل مناشدات الدول العربية والغربية لوقف العنف، ومسؤولية مجلس الأمن هي وقف سفك الدماء، وإذا لم نتحرك فسوف يزيد عدد الضحايا».

واعتبر أن على السلطات السورية أن «تحاسب على أفعالها أمام القضاء» الدولي، ودعا إلى «إعداد الظروف لإحالة» الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال إن «جرائم النظام السوري يجب ألا تبقى من دون عقاب»، مضيفا: «سيأتي اليوم الذي ستحاسب فيه السلطات المدنية والعسكرية في هذا البلد على أفعالها أمام القضاء».