«هيومان رايتس ووتش»: الجيش السوري لغم طرق فرار اللاجئين

مجلس حقوق الإنسان يرسل مراقبين لدول الجوار لتوثيق «الأعمال الوحشية» لنظام الأسد

صورة وزعتها هيومن رايتس لألغام مضبوطة على الحدود السورية التركية (أ.ف.ب)
TT

بينما أكد مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أمس أنه سيرسل مراقبين لدول الجوار إلى سوريا لتوثيق «الأعمال الوحشية» التي يقوم بها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قالت «هيومان رايتس ووتش» إن «القوات السورية قد زرعت ألغاما على مقربة من الحدود مع لبنان وتركيا على مدار الأسابيع والشهور الماضية»، وقال الشهود للمنظمة الدولية إنه «قد نتجت بالفعل عن هذه الألغام خسائر في صفوف المدنيين». فيما تشير الأمم المتحدة إلى أن نحو 230 ألفا من السوريين هجروا منازلهم بسبب أعمال العنف الأخيرة.

وقالت «هيومان رايتس ووتش»، بناء على تقارير وشهادات شهود وعاملين في نزع الألغام في سوريا، إنه «على الجيش السوري أن يكف عن استخدام الألغام المضادة للأفراد، وأن يُدرك أن زرع هذه الأسلحة المحرمة دوليا سيضر بسوريا على مدار السنوات القادمة. وقام أفراد على صلة بالمعارضة بنزع وإبطال مفعول ألغام مضادة للأفراد ومضادة للآليات وتبين أنها روسية الأصل».

وقال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة وحقوق الإنسان في «هيومان رايتس ووتش» في تصريح له إن «أي استخدام للألغام المضادة للأفراد هو أمر غير مقبول»، مضيفا أنه «لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لاستخدام هذه الأسلحة العشوائية من قِبل أي دولة، في أي مكان ولأي غرض».

وأكد مدير مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيروت نديم حوري، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «سوريا تزرع ألغاما محظورة على الحدود اللبنانية والتركية لمنع عمليات لجوء المدنيين إلى لبنان وتركيا»، مشيرا إلى أن «سوريا لم تنضم إلى معاهدة حظر الألغام، وإن كانت لا ينظر إليها على أنها من الدول المنتجة أو المصدرة للألغام المضادة للأفراد. ويُعتقد أنها استخدمت الألغام المضادة للأفراد للمرة الأخيرة في النزاع مع إسرائيل في لبنان في عام 1982. وليس من المعروف حجم وأصل مخزون الألغام السورية، لكن يُعتقد أنها بالأساس ألغام روسية الصنع، وقد تكون الألغام المضادة للأفراد طراز «بي إم إن – 2» والألغام المضادة للمركبات طراز «تي إم إن - 46»، مضيفا أن «الألغام المضادة للأفراد تُعد أسلحة غير فعالة عسكريا، وتقتل وتصيب المدنيين بالأساس، وهناك 159 دولة انضمت إلى معاهدة حظر الألغام لعام 1997، والتي تحظر بشكل شامل وتام استخدام وإنتاج وتجارة وتخزين الألغام المضادة للأفراد».

وذكر التقرير الذي صدر عن المنظمة أن أول تقارير عن زرع ألغام جديدة على الحدود اللبنانية من قِبل القوات السورية ظهرت في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث قال مسؤول بالحكومة السورية لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «اتخذت سوريا إجراءات للسيطرة على حدودها، بما في ذلك زرع الألغام».

وفي 9 مارس (آذار) الحالي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» صورة لألغام مضادة للأفراد وألغام مضادة للمركبات، وقالت إن «الجيش السوري قد زرعها على مشارف قرية حيط السورية قرب الحدود مع شمال لبنان، ثم نزعها نشطاء سوريون ولبنانيون». ونقل التقرير شهادة صبي يبلغ من العمر 15 عاما من تلكلخ السورية، فقد ساقه اليمنى في انفجار لغم في فبراير (شباط)، حيث قال إنه «في تلكلخ عندما استقبلنا شخصا مصابا من بابا عمرو وهو صديق للأسرة، طلب مني شقيقي المقيم في لبنان أن أنقل المصاب إلى وادي خالد، فانتظرت إلى أن عم الظلام في الخارج، ثم عبرت الحقول الممتلئة بالأشواك مشيا. كنت على مسافة 50 مترا من المكان الذي زرعوا فيه الألغام قبل شهرين. رأيتهم وأخي يزرعون الألغام. كنا على ثقة أنه لا توجد ألغام في المنطقة المليئة بالأكمة لأنهم بعد أن زرعوا الألغام قمنا بتهريب بعض الأشخاص من تلكلخ وحولها، لهذا قررت العبور من هناك. أعتقد أنهم زرعوا ألغاما إضافية. كنت على مسافة 50 أو 60 مترا من نقطة عبور الحدود عندما انفجر اللغم. مات الشخص المصاب وأصبت أنا إصابات بليغة. أخي الذي كان ينتظرني في السيارة رأى الانفجار، فوضعني في السيارة وابتعد بي عن ذلك المكان».

وفي هذا المجال أكد حوري لـ«الشرق الأوسط» أن لبنان لم يصدق على معاهدة حظر الألغام، لكن أشارت الحكومة اللبنانية في ديسمبر (كانون الأول) 2009 إلى أنها «تتطلع للانضمام لمعاهدة حظر الألغام»، وذكرت في أغسطس (آب) الماضي أن «الحكومة اللبنانية لا تستخدم أو تخزن أو تنتج أو تنقل أي ألغام مضادة للأفراد».

وذكر التقرير شهادات عديدة يبدو أنها تؤكد قيام الجيش السوري بزرع ألغام بالقرب من حدود سوريا مع تركيا في العام الحالي، حيث قال شخص من إدلب لـ«هيومان رايتس ووتش»، سبق أن تخصص في نزع الألغام في الجيش السوري، إنه في يناير (كانون الثاني) رأى سكان محليون الجيش السوري يزرع ألغاما في حسانية ودروند وجفتلك، على امتداد دروب وطرق يطرقها اللاجئون حتى يصلوا إلى تركيا. وفي مطلع فبراير قام بزيارة حسانية واكتشف وجود ألغام مزروعة «بين أشجار الفاكهة»، والمسافة التي تفصلها عن خط الحدود 3 أمتار، وذلك في خطين متوازيين، كل خط يبلغ من الطول نحو 500 متر. وقال له سكان القرى إن الجيش أخبر المزارعين بأن دخول منطقة البساتين هذه يتطلب إذنا خاصا منه، لكن لم يقل لهم العسكريون إن المنطقة ملغمة.

وفي بداية شهر مارس قام نازع الألغام ومعه ابن عم وثلاثة متطوعين بإزالة نحو 300 لغم مضاد للأفراد طراز «بي إم إن – 2» من حسانية. وقال أحد سكان بلدة خربة الجوز الحدودية السورية لـ«هيومان رايتس ووتش» إنه «منذ 10 فبراير إلى الأول من مارس رأينا الجيش السوري، نحو 50 جنديا برفقة سيارتين عسكريتين كبيرتين يزرعون الألغام بدءا من خربة الجوز وفي اتجاه الزوف والصوفان. وهناك طريق تقع على الجانب التركي، وقد بدأوا في زرع الألغام على مسافة 20 مترا منها. في منتصف ليل 4 مارس تقريبا، سمعنا لغما ينفجر وتلاه إطلاق للنار لمدة 30 دقيقة من الجانب السوري».

ونقل التقرير شهادة مقاتل من المعارضة السورية في 9 فبراير لصحافي بأنه قد شهد قبل أيام قليلة على قيام الجيش السوري بزرع ألغام على مسار موازٍ للمسار الذي كان يستخدمه للعبور إلى تركيا. وقال المقاتل إن في يناير ارتطمت سيارة في المنطقة الحدودية بين جسر الشغور والزاوية بلغم مضاد للمركبات، مما أدى إلى إصابتين. وضم التقرير شهادة قائد مصاب بالمعارضة السورية من إدلب قال إن «الجيش السوري زرع ألغاما في المناطق التالية على مقربة من الحدود التركية: خربة الجوز، عرمانة، بكفلة، هتيا، دركوش، سلقين، أزميرين». وقال القائد إنه عرف بهذه المعلومات من أشخاص أصيبوا بألغام في تلك المناطق. وذكر التقرير ما قالته وزارة الخارجية التركية في 16 فبراير إنها تحقق في مزاعم استخدام الألغام السورية على الحدود مع تركيا.