نبيل فهمي لـ «الشرق الأوسط»: أغلب المعارضة المصرية مرت على واشنطن

سفير مصر السابق لدى أميركا: ما حدث في قضية التمويل خطأ كبير.. والتهديد بقطع المعونة مسألة غير محترمة

TT

وجه السفير نبيل فهمي، سفير مصر السابق في واشنطن، اللوم الشديد إلى الطرف المصري على خلفية قضية تمويل منظمات المجتمع المدني والسماح بسفر المتهمين فيها من أصحاب الجنسيات الأجنبية، خاصة الأميركية، لافتا إلى أن «عدم وجود أي مقدمات عن رفع حظر السفر ثم تصوير المغادرين ترك انطباعا سيئا داخليا في مصر بصرف النظر عن صحة الإجراء من عدمه»، وهو ما أوقع صورة مصر في حرج. كما وجه فهمي لوما إلى الطرف الأميركي قائلا: إن «مسألة الإعلان مع كل مشكلة بالتهديد بقطع المعونة مسألة غير محترمة ولا تتماشى مع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر لأنها علاقات متشعبة».

وفي حوار مع «الشرق الأوسط» قدم السفير نبيل فهمي من واقع خبرته العملية بملف وكواليس العلاقة المصرية - الأميركية رؤية تحليلية شاملة للمشهد الراهن في العلاقة بين القاهرة وواشنطن وتبعات ما جرى على وضع مصر دوليا، متوقعا أن هذا الحادث سيؤدي إلى حذر أكثر في المستقبل من تجاهل القوانين في مصر. وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار..

* الإعلام المصري ومختلف الأوساط السياسية المصرية وصفت السماح بسفر المتهمين الأميركيين في قضيه التمويل بالشكل الذي جرى بأنه «فضيحة».. فما دقة هذا التوصيف من وجهة نظرك؟

- رأيي في القضية برمتها قاس.. ليس في مسألة الإذن بالسفر من عدمه، وإنما لعدة اعتبارات، وبصرف النظر عن موافقة طرف على قانون الطرف الآخر أم لا، لكن طالما هناك قرار بالعمل في إطار وطن آخر فلا بد من احترام قوانين هذا الوطن إلى أن يتم تغييرها، وهذا ما لم يتم من جانب الجهات الأجنبية أو الجمعيات والمنظمات الأجنبية التي عملت في مصر، بعملها أو بتمويلها لمنظمات غير مسجلة. من ناحية أخرى.. وهو أيضا خطأ كبير.. كيف يسمح لمنظمات بالعمل في مصر 30 عاما من دون رخصة؟ هذا أيضا شيء غريب جدا، أن نصدر قانونا ثم نقرر تجاهله لمده 30 عاما.. وهذا خطأ من جانبنا نحن في مصر، وأضف إلى ذلك أنه إذا كانت المقولة أنه بعد الثورة الأوضاع قد تغيرت ونريد أن نتمسك بالقانون، وهذا ما أؤيده فالمطلوب أولا: الإعلان عن النية في تنفيذ القانون القديم لأن التغيير هنا ليس في القانون، وإنما في الموقف السياسي من تطبيق القانون، والمطلوب أيضا بما أن هذا التغيير حدث ما بعد الثورة أن نعمل أيضا في تغيير القانون بأن يكون أكثر انفتاحا وأكثر تشجيعا للمجتمع المدني مع ضوابط صارمة للشفافية والمحاسبة.. أي نكون أكثر إيجابية وأكثر جدية. والخطأ الثالث بعد الثورة هو خطأ أميركي بحت وهو أنه مع كل مشكلة أول رد فعل يكون التهديد بقطع المعونة، والمعونة وإن كانت مفيدة لمصر إلا أنها أعطيت كموقف سياسي أميركي يحقق مصلحة أميركية تتفق أو تتوافق في حدود معينة مع مصالح مصرية. إذن مسألة الإعلان مع كل مشكلة بالتهديد بقطع المعونة مسألة غير محترمة ولا تتماشى مع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر لأنها علاقات متشعبة.. ليست علاقات حميمة أو باردة ولكن متشعبة فيها الكثير من المصالح.

* ما رأيك في الحوار الدائر حاليا في مصر على مختلف المستويات «كرد فعل» برفض كافة المساعدات الأميركية؟

- أيضا حوار غير منطقي.. إذا كانت المساعدات غير مفيدة فيجب أن نرفضها حتى لو لم تكن هناك مشكلة، ولكن طالما هي مفيدة بالنسبة لنا فيجب أن نتعامل معها في حدود ما هو مفيد، وخلاصة ما أود قوله بكل صراحة في هذه الأزمة: إنه لن يدخل هذا الحادث في سجل الممارسات الدبلوماسية الناجحة وهذا تعبير دبلوماسي رقيق من جانبي.

* تصوير عملية سفر المتهمين الأميركيين على أنها عملية كوماندوز دبلوماسي قامت بها الولايات المتحدة واقتنصت رعاياها ونجحت في ضغوطها على الطرف الآخر.. كيف يؤثر ذلك على ما يسمى بـ«الندية» في العلاقة بين القاهرة وواشنطن؟

- عدم وجود أي مقدمات عن رفع حظر السفر ثم تصوير المغادرين ترك انطباعا سيئا داخليا في مصر بصرف النظر عن صحة الإجراء من عدمه، وإنما عدم الإعلان والتمهيد له وشرح الأساس القانوني الذي سيتخذ على أساسه القرار.. فمن الناحية المصرية قرار رفع الحظر كان مصريا سواء كان سياسيا أم قضائيا، لذا كان يجب شرح الأساس القضائي الذي سيتم من خلاله السماح بسفر المتهمين.. ثم يجب الأخذ في الاعتبار أن التمهيد للقرار كان يأتي من تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وإعلانها بقرب الإفراج عن المعتقلين وقرب اتخاذ قرار.. بما يوحي أن هناك حوارا سياسيا وليس حوارا قضائيا. إذن التمهيد لاتخاذ القرار لم يكن جيدا من الطرفين وإنما يجب أن نأخذ في الاعتبار، وهذه السمة للأسف حتى الآن لم تقدرها الدولتان جيدا، أنه بقدر تحدث هيلاري كلينتون للرأي العام الأميركي، وتحدث المسؤولين المصريين أساسا للرأي العام المصري، كلاهما حديثه مسموع محليا، بمعنى أن كلينتون تريد أن تطمئن الجانب الأميركي، فهذه التصريحات تسبب بلبلة وضيقا في الشارع المصري، والعكس أيضا صحيح عندما لا نشرح أساس القرار قبل إصداره أو حتى في لحظة إصداره ونعرف من اتخذه فإن الشكل العام سيكون أن هذا ضغط أميركي ومصر رضخت لهذا الضغط.. ولكن دعنا نذهب خطوة للإمام وخطوة للخلف، برغم أن المحتجزين غادروا، والبعض في الولايات المتحدة سيدفع بوضوح بأن الضغط نجح.. ولكن الحادث نفسه سيؤدي في رأيي إلى حذر أكثر في المستقبل من تجاهل القوانين في مصر. وبصرف النظر عن أن القرار صادر عن جهة قضائية وفقا لأسس قانونية، لكن من دون شك الصورة العامة تركت انطباعا سلبيا لدى الرأي العام في مصر، خاصة أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة من الذي اتخذ القرار وعلى أي أساس.. أعتقد ولدي أمل في أن هذا الحادث سيجعلنا لا نتهاون في تطبيق القانون المصري، كما سيجعلنا نعمل على اتساق القوانين المصرية مع الواقع السياسي المصري.

* ماذا تقصد بهذا الاتساق؟

- ما أقصده هو أننا إذا كنا في مناخ من الديمقراطية والانفتاح بعد الثورة فإن منطق الأمور ألا أدخل في صدام مع المجتمع المدني لكن علي أن أجد الوسيلة لتنظيم عمل المجتمع المدني حتى يكون عملا سويا، بمعنى تعديل القانون بأن يكون أكثر انفتاحا وأكثر شفافية، والتجربة في مجملها لم تكن سهلة على الطرفين مهما كانت الصورة إيجابية لطرف أو سلبية لطرف آخر.

* الجهاز الدبلوماسي المصري التزم صمتا تاما وكأنه بعيد عن أي اتصالات.. بعض الوزراء قالوا: إنهم علموا بالخبر من شاشات التلفزيون، في حين كان الإعلام العالمي يتحدث عن صفقة سياسية تمت خلف الكواليس.. كيف تقرأ هذا الأمر؟

- أولا ليس لدي معلومات محددة حتى أكون مرجعية.. لذا عليك أن تأخذ ملاحظاتي على أنها تقييم أو تحليل أو تقدير، ومن هذا المنطلق فلا شك أن الصورة غير صحية وغير طيبة وبالتحديد لأننا لم نشرح الموقف، إذا كان كما قيل وقد يكون صحيحا بأن الاحتجاز غير دستوري.. هذا الشيء كان مفاجئا لنا بعد أسابيع الاحتجاز لا سيما أن الذي اتخذ هذا القرار قضاة فكان يجب شرح هذا الكلام، خاصة أننا كنا نسمع هذا الصوت من خبراء قانونيين منذ البداية. وأنا أقدر أن مصر تمر بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد ومن الطبيعي ألا تؤدي كل أجهزة الدولة عملها بكفاءة كاملة وأن نشهد قدرا من عدم الاتزان بين الحين والآخر، وهذا أمر طبيعي لأي مرحلة ثورية، كما نشهدها اليوم ومرحلة تتصارع فيها القوى الثورية والقوى السياسية والقوى القديمة والقوى الجديدة، كلها تقريبا في آن واحد. في ظل هذا الوضع عند اتخاذ قرار يجب أن ننظر إلى مبرراته وإلى نتائجه.

* خلال فترة عملك كسفير لمصر في واشنطن وتحديدا عام 2002. حيث دخلت المنظمات الأميركية التي أثارت الأزمة الراهنة، وقيل إن النظام السابق قبل بدخولها إلى مصر لتمرير مشروع التوريث مع الأميركيين.. ما حقيقة ما جرى في كواليس هذه المرحلة؟

- هناك مثل أميركي ترجمته الموجزة: «لا تتحدث معي عما قمت به حدثني عما ستقوم به»، بمعنى أن الطرف الأميركي دائما ينظر للمستقبل في نهاية الأمر ماذا سيستفيد.. في عام 2002 وقبل انتخابات الرئاسة في مصر بثلاث سنوات، وصل الرئيس السابق حسني مبارك لنحو 73 عاما، وكان في توقعاتهم أن هذا الرئيس سيتغير سواء بعد 3 أو 5 سنوات، أي فيما يعرف في التقدير السياسي بالمستقبل القريب أيا كان عدد السنوات، وقتها نجحت الولايات المتحدة في إقناع الطرف المصري بإيجابيات اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر، انتقلنا من اشتراكية عبد الناصر إلى انفتاح وقت السادات إلى اقتصاد السوق الحر وقت مبارك، ولم تنتقل بنفس الدرجة في الجانب السياسي، والمستقبل قادم قادم وهم يحاولون التطلع إلى نظام سياسي في مصر يسهل قراءتهم للواقع.. ومن ثم بدأ النظر إلى الأجهزة الأميركية النشطة «فريدوم هاوس» وغيرها، وبدأ الجميع ينظر إلى مصر كمحور للتغيير في الشرق الأوسط، وهذا بالضبط ما حدث بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فحسب ما نشر في الصحف المصرية فإن ما حصلت عليه منظمات المجتمع المدني المتهمة تضاعف نحو 3 مرات في عام.

* هل بالفعل كنت تشرف على بدايات زيارات رموز المجتمع المصري إلى واشنطن عندما كنت سفيرا لمصر هناك؟

- بكل أمانة دعوت عددا كبيرا من أعضاء المجتمع المدني المصري أولهم مستقلون ليس لهم علاقة بأي حزب أو حكومة مثل الدكتور ميلاد حنا والدكتور أحمد كمال أبو المجد، وكانت أول زيارات المجتمع المدني عندما كنت سفيرا في واشنطن وحضر جلسة من الجلسات أحد أعضاء مجلس الشيوخ والدكتور ميلاد والدكتور أبو المجد انتقدوا الموقف الحكومي المصري ولكنه انتقاد وطني.. فاستغرب السيناتور وقال: أنت تحضر ناسا ينتقدونك! وكانت ملاحظة جيدة وقلت له: بالعكس حتى تعرفوا أن في مصر آراء مختلفة، وكما ذكرت كانت انتقاداتهم انتقادات وطنية، ثم بعد ذلك الغالبية العظمى ممن كانوا في المعارضة أو أصبحوا فيها مروا على واشنطن أيضا. هناك زيارات قمت بتنظيمها وزيارات تولت تنظيمها منظمات مجتمع مدني. وأنا لا أتهم أي أحد بأي شيء، والمسألة لم تكن قاصرة على أفراد بعينهم. في البداية كان يأتي المستقلون، ومع الوقت أصبح الجميع يريد أن يأتي إلى واشنطن، بعد ذلك حدثت حالة البرود في العلاقة بين إدارة بوش والإدارة المصرية السابقة، فقرر الجميع عدم الحضور، وذلك كان في فترة بوش الثانية في الحكم.