رجل بريطانيا في واشنطن.. خبر الدبلوماسية 40 سنة

ويستماكوت عمل سفيرا لدى تركيا وفرنسا.. ويحرص الآن على ضمان إنجاح زيارة كاميرون إلى أميركا

بيتر ويستماكوت
TT

للوهلة الأولى لا يبدو هناك أي تغيير خلف البوابات الحديدية التي يبلغ ارتفاعها 10 أقدام في «3100 ماساشوستس أفينيو»، بعد مغادرة سفير بريطاني وقدوم آخر ليحل محله في يناير (كانون الثاني)، حيث لم تبرح الصورة ذاتها للملكة التي رسمها وارهول في غرفة الرقص، ولم يزل طقم الشاي في الآنية الصينية موجودا، وما زالت هناك الحدائق الإنجليزية.

فقط هناك صور فوتوغرافية جديدة لرجل داكن الشعر يصافح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وللشخص نفسه بعد أن دب في رأسه المشيب وبات أكثر ثقة في نفسه بجانب الرئيس بارك أوباما في مكتبه البيضاوي. وهناك كذلك المكتب أو «السكرتارية» كما يطلق عليها السفير الجديد، فقد كان سفيرا لدى فرنسا، والتي تعد إضافة كبيرة إلى غرفة الجلوس ذات الجدران المطلية باللونين الأحمر والأصفر الذهبي التي تحمل أشياء من أماكن مختلفة. ومع ذلك تبقى أكثر الأشياء إثارة للدهشة هي التوافق بينها وبين الأرائك والستائر والسجاجيد مما يجعلها تبدو وكأنها هنا منذ الأزل.

يبدو بيتر ويستماكوت من النوع الذي يميل إلى الانتماء، وهو يضجع على أريكته المفضلة ذات اللون الأصفر الذهبي، والتي يقول إنها تريح ظهره. ويجري الآن اختبار هذا الشعور بالانتماء. فيوم أمس، وبعد شهرين من وصوله، كان مقررا أن يرحب ويستماكوت (61 عاما) برئيس وزراء بلده، ديفيد كاميرون، الذي بدأ زيارة رسمية ربما يتوقعها سفير مرة واحدة خلال فترة خدمته التي تصل إلى أربعة أعوام. ويفترض أن يقيم كاميرون في «بلير هاوس» ويتناول الغداء في وزارة الخارجية، ثم العشاء في البيت الأبيض مساء اليوم الأربعاء. ويقول ويستماكوت إن لديه وفريق عمله الكثير من الأمور التي ينبغي القيام بها لضمان سير الأمور على خير ما يرام وعدم ترك أي شيء للظروف، فعندما تعد، كما يخبرك أي رجل وصل إلى قمة السلك الدبلوماسي البريطاني، لحدث مهم، من الضروري الاهتمام بأبسط الأمور. ويقول ويستماكوت إن أهمية الأمور تتناسب عكسيا مع حجمها، لذا لا مجال لأبسط خطأ في التحضير لزيارة مثل هذه تشمل محادثات بشأن الالتزامات العسكرية المشتركة والعلاقات الاقتصادية للبلدين.

لقد رأى كيف يمكن لمخالفات لقواعد البروتوكول، مثل عدم التزام قادة الدول الأجانب بقاعدة عدم لمس الملكة، أن تجلب «المخبولين» في الصحافة البريطانية. وعلى الجانب الآخر، كانت انحناءة عقيلة الرئيس الفرنسي، كارلا بروني، الرائعة للملكة عام 2008 هي ما أقنع ويستماكوت بأن تلك الزيارة حققت نجاحا باهرا.

وتعيد زيارة كاميرون إلى أذهان الكثيرين زيارة سلفه، غوردن براون، في عام 2009، والتي ارتكب خلالها الفريق الدبلوماسي خطأ بسيطا يتعلق بالهدايا، حيث أحضر براون للرئيس أوباما أوراق تكليف ذات إطار لسفينة «إتش إم إس ريزولوت» التي قُطع منها الخشب الذي صنع منه المكتب البيضاوي، وحامل قلم من خشب سفينة «إتش إم إس غانيت»، التي شاركت في مهام لمناهضة العبودية، ومذكرات وينستون تشرشل الضخمة، التي تؤكد بشكل خاص على العلاقات الخاصة التي تربط البلدين.

وفي المقابل أهداه أوباما 25 فيلما أميركيا كلاسيكيا تبين في ما بعد أنه لا يمكن تشغيلها على مشغلات أسطوانات الـ«دي في دي» البريطانية. وكانت تلك فرصة ذهبية للصحافة. ربما ترى ذلك مجرد زوبعة في فنجان، لكنها كانت لفتة رمزية يرصدها المراقبون ويعتبرونها مؤشرا يدل على خلل يؤثر على خصوصية العلاقة وتميزها، وهو أمر يرى ويستماكوت أنه أبعد ما يكون عن الحقيقة التي أخبره أوباما بها، وهي أن الولايات المتحدة ليست لديها حليف أفضل أو أكثر قربا من بريطانيا.

ولا يمكن اعتبار زيارة كاميرون زيارة دولة لأن الملكة، وليس رئيس الوزراء، هو الذي يرأس الدولة. ولذا يوضح ويستماكوت أن البيت الأبيض استحدث تعبيرا يناسب الزيارة الحالية حيث وصفها بأنها «زيارة رسمية تتضمن عشاء دولة».

يختار ويستماكوت كلماته بعناية ويتوقف قليلا للمزج بين الاجتماعية البسيطة والمناظرة اللفظية والتجنب المهذب لسؤال بين الحين والآخر. وصنف الطعام الأميركي المفضل له هو التشيز كيك، لكن ما هو أكثر صنف لا يحبه؟ يهم بالإجابة، لكنه يعيد التفكير، فما الداعي لتوجيه إهانة لا لزوم لها.

لقد أتقن هذه الفنون الدبلوماسية على مدى 40 عاما، وتلقى مكافأته التي تمثلت في حصوله على لقب «السير»، وشغله مناصب رفيعة مثل السفير البريطاني لدى تركيا وفرنسا والآن الولايات المتحدة. إنه جزء لا يتجزأ من عمله مما يجعل من الصعب عليه فصل جانبه الإنساني عن جانبه المهني، لكن هذا لم يمنع أن تكون شخصيته مختلفة تماما رغم أن حياته مليئة بالمراسم. وكيف يمكنه الاسترخاء والتصرف بحرية؟ من خلال حضور حفلات الأوبرا ولعب التنس وزيارة القنصليات التسع التي يشرف عليها.

يسعى ويستماكوت لضمان أن تكون زيارة رئيس الوزراء ممتعة بقدر ما هي نافعة، وهي تتضمن مباراة لكرة قدم يحضرها كل من أوباما وكاميرون. ومع ذلك لا يمكن أن يتجاهل ويستماكوت تفاصيل أخرى حول كيفية تحقيق هذه المتعة.

فكر في تحفظه بسبب وضعه الدبلوماسي، فهو يقدم معلومات لا نميمة، ولذا أصبح رجل المهام الصعبة لأنه يعلم الفرق بين الاثنين. إنه لم يولد كذلك، فهو من أسرة رقيقة الحال في قرية صغيرة في سومرسيت. لقد كان يسمع من أبيه، ضابط البحرية الذي قضى بعض الوقت في نورفولك بولاية فيرجينيا خلال الحرب العالمية الثانية أثناء صيانة السفينة التي كان على متنها، قصصا عن أميركا حين كان طفلا، لكن الأسرة لم تسافر إلى الخارج لعدم توافر المال اللازم لذلك. وتلقى ويستماكوت تعليمه في مدرسة خاصة، ثم التحق بنيو كوليدج بجامعة أكسفورد، التي كانت جديدة آنذاك لأنها تأسست بعد خروج الجامعة إلى الوجود. وتم تشجيعه هناك على الخضوع لاختبار وزارة الخارجية، ووافق على المحاولة.

لقد كانت دوامة مهنية كبيرة لم يخرج منها سوى مرتين، إحداهما كانت في بداية التسعينات عندما عمل لدى الأمير تشارلز قبل انفصاله عن الأميرة ديانا، وكانت مدة هذه الوظيفة عامين امتدا إلى ثلاثة أعوام لوجود الكثير من الأمور الرهيبة، وهذا يثير الكثير من الأسئلة، لكنه ليس من الرجال الذين يفشون الأسرار الملكية.

عمل ويستماكوت منذ عام 1993 إلى عام 1997 في واشنطن كمستشار للشؤون السياسية والعلاقات العامة، ثم قضى بضع سنوات كمدير للأميركتين. واستمر يتنقل عبر المحيط الأطلسي، في أكثر الأحوال مع زوجته الثانية الأميركية سوزي. ويقضي شقيق سوزي، حسن نمازي، أحد المتبرعين لحملة أوباما وحملات ديمقراطيين بارزين آخرين عقوبة في السجن بتهمة الاحتيال، ويشير ويستماكوت إليه بـ«المعاناة التي يجب على الأسرة تحملها».

قضى ويستماكوت الجزء الأكبر من العقد الماضي كسفير، لدى تركيا أولا، حيث قاد الرد على الهجوم الانتحاري عام 2003 على القنصلية البريطانية والذي أسفر عن مقتل القنصل العام، ثم لدى فرنسا، حيث نجح في تغيير القوالب النمطية من خلال تقديم أنواع الجبن البريطاني فقط وإقامة منصات عرض أزياء في مقره في باريس. ويقول ويستماكوت إنه سيدعم أصناف الطعام البريطاني والأزياء هنا فضلا عن الاهتمامات البريطانية الأخرى ومنها التبادل العلمي. وفي الحفل الذي أقيم بمناسبة وصوله، قدم سمكا وشرائح البطاطس بشكل جديد في ما يشبه حفل الكوكتيل. والتقطت له صور فوتوغرافية مع فيكتوريا بيكام، التي تعمل في مجال الأزياء، خلال رحلة أخيرة له إلى نيويورك لدعم حملة «غريت» البريطانية والتي تهدف إلى تشجيع السياحة والاستثمار في بريطانيا.

يشعر ويستماكوت بالألفة تجاه واشنطن بفضل السنوات التي قضاها هنا خلال التسعينات والزيارات التي قام بها مع زوجته في مناسبات عائلية مثل عيد الشكر. ويتخذ المبنى الذي صممه إدوين لوتينز على طراز المنزل الريفي، مسكنا له حاليا، والذي أشرف منه على التحضير لزيارة رئيس الوزراء، وأيضا لاحتفال اليوبيل الماسي لجلوس الملكة على العرش والأولمبياد. ويشرع ويستماكوت الأبواب ويجدد صداقات قديمة ويقيم علاقات جديدة، ويذكره هذا بأكثر ما يثير إعجابه في الأميركيين وهي القدرة على تذكر اسمك. ويقول السفير البريطاني وهو يضحك «لهذا يحكم الأميركيون العالم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»