واشنطن: منفذ مجزرة قندهار سيحاكم بـ«قساوة القانون» وقد يواجه الإعدام

أول تظاهرة أفغانية مناهضة لأميركا بعد المذبحة.. ومخاوف الانتقام تتملك الأميركيين

جنود أفغان ينتشرون داخل قناة مياه جافة، بعد أن فتحت عناصر من طالبان النار على بعثة رسمية أفغانية في قندهار أمس (أ.ب)
TT

أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس أن الجندي الأميركي المشتبه بإقدامه على قتل 16 مدنيا الأحد الماضي في جنوب أفغانستان سيحاكم «بكل قساوة القانون». وفي كلمة بثتها مباشرة شبكات التلفزة الأميركية، أكد أوباما أيضا أنه ما زال واثقا، رغم ردود الفعل التي تسببت بها هذه الجريمة، بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق هدفها بالانسحاب التدريجي من أفغانستان والقضاء على تنظيم القاعدة.

وقال الرئيس الأميركي إنه طمأن نظيره الأفغاني حميد كرزاي إلى أن الولايات المتحدة «تأخذ هذه القضية على محمل الجد كما لو أن مواطنينا وأطفالنا هم الذين قتلوا». وأضاف: «لقد أصبنا بحزن شديد حيال الخسائر بالأرواح البشرية. قتل هؤلاء المدنيين الأبرياء أمر مشين وغير مقبول. هذا لا يمثل بلادنا ولا يمت بصلة إلى تصرفات جنودنا». وأكد الرئيس الأميركي أنه طلب من وزارة الدفاع ألا تدخر جهدا لإجراء تحقيق معمق حول هذه الأحداث، لفهم كيف أقدم عريف أميركي أرسل ثلاث مرات إلى العراق قبل أن يرسل إلى أفغانستان على ارتكاب هذه الفعلة المجنونة الدامية.

وأوضح الرئيس الأميركي أنه التقى الاثنين السفير الأميركي في أفغانستان ريان كروكر والقائد الأميركي للقوات الدولية في أفغانستان الجنرال جون ألن وبحث معهما استراتيجية الولايات المتحدة. وخلص أوباما إلى القول «من الواضح أننا نواجه تحديا صعبا في أفغانستان، لكني واثق من أننا قادرون على تحقيق أهدافنا وحماية بلادنا وإنهاء هذه الحرب بطريقة مسؤولة». ويرى محللون أن اختيار أوباما التحدث عن هذا الملف خلال كلمة مخصصة عموما لمسائل التجارة الدولية، يؤكد المخاوف الأميركية من التعرض لأعمال انتقامية في أفغانستان بعد هذه المجزرة.

وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد أعلن أن الجندي الأميركي المشتبه بارتكابه المجزرة قد يواجه حكم الإعدام في حال أدانه القضاء العسكري. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بانيتا قوله لصحافيين على متن طائرة أقلته إلى قيرغيزستان، إن العريف المشتبه بارتكابه المجزرة سيحال أمام محكمة ميدانية حسب القانون العسكري الأميركي الذي من بين العقوبات التي ينص عليها، الحكم بالإعدام. وبعد أن أعرب عن أسفه «للخسائر المرعبة في الأرواح البشرية» أوضح بانيتا أن دوافع عمليات القتل لم تعرف بعد. وكان الجندي الأميركي قد غادر قاعدته في إقليم بنجاوي المضطرب بولاية قندهار وهو مدجج بالسلاح وقتل سكان ثلاثة منازل في قرى مجاورة بينهم تسعة أطفال وثلاث نساء قبل أن يحرق جثثهم، بحسب مصادر أفغانية وغربية. وبعد ارتكابه المجزرة عاد الجندي إلى قاعدته حيث يحتجز حاليا. وقال بانيتا إن العريف «عاد إلى قاعدته وسلم نفسه وشرح ماذا جرى». وردا على سؤال لمعرفة ما إذا كان يمكن الحديث عن اعتراف، قال بانيتا «أعتقد ذلك. لسنا متأكدين من الأسباب (التي دفعته لارتكاب هذه الجرائم). إنه معتقل وأكدت للرئيس (كرزاي) أنه سيحال إلى القضاء وسيدفع ثمن ما قام به». وأكد وزير الدفاع الأميركي «لا يمكننا أن نسمح بأن تفخخ هذه الأحداث استراتيجيتنا أو المهمة التي نقوم بها. من المهم أن نتقدم».

في غضون ذلك، تظاهر نحو 400 طالب بهدوء أمس ضد الولايات المتحدة في جلال آباد، كبرى مدن شرق أفغانستان، في أول تجمع احتجاجي يجري في هذا البلد بعد المجزرة، بحسب ما أفاد شهود في المكان. ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها شعارات معادية للولايات المتحدة والرئيس أوباما منها «الجهاد السبيل الوحيد لطرد المحتلين الأميركيين من أفغانستان». وسار المتظاهرون هاتفين «الموت لأميركا، الموت لأوباما» مطالبين بمحاكمة الجندي الأميركي علنا في أفغانستان. وقطعت التظاهرة لفترة قصيرة الطريق الرئيسية بين جلال آباد والعاصمة كابل قبل أن تتفرق بهدوء بعد ساعتين. وكان البرلمان الأفغاني «طلب بحزم» أول من أمس من الحكومة الأميركية أن تتم مقاضاة مرتكب المجزرة «في محاكمة علنية أمام الشعب الأفغاني». من جهتها، دعت السفارة الأميركية في كابل رعاياها إلى لزوم الحذر الشديد في الأيام المقبلة تحسبا لقيام تظاهرات معادية «خصوصا في الشرق والجنوب».

ووسط تهديدات طالبان بالانتقام وإبقاء الولايات المتحدة على جدولها الزمني للانسحاب، رأى محللون أن الباب الوحيد للخروج الآمن للولايات المتحدة من الأزمة هو المفاوضات. وكان حادث قتل المدنين الـ 16، الأكثر صدمة ضمن حوادث أخرى تسميها الولايات المتحدة «حوادث منعزلة»، وبينها حوادث مقتل جنود في حلف الأطلسي على أيدي جنود أفغان والتظاهرات العنيفة ضد حرق مصاحف، وصور جنود مشاة البحرية الأميركية وهم يتبولون على جثث مسلحين أفغان.

وأكد البيت الأبيض والبنتاغون أن حادث الأحد «المؤسف للغاية» لن يؤثر على الاستراتيجية التي وضعها حلف شمال الأطلسي. وقال المتحدث باسم البنتاغون جورج ليتل «لا يمكن التركيز على حادثين منعزلين أو حتى ثلاثة وتجاهل ما تحقق من تقدم في أفغانستان والتساؤل عما إذا كان هناك تغيير في أهدافنا».

وتتمثل استراتيجية الحلف الأطلسي في تدريب الجيش والشرطة الأفغانيين حتى يتمكنا من تولي مسؤولية الأمن في البلاد قبل نهاية 2014 وهو ما سيتيح عندها سحب جنود التحالف البالغ عددهم 130 ألفا. وخلال ذلك تأمل الولايات المتحدة في أن تؤدي الضربات القاسية التي تلحقها بحركة طالبان إلى إقناعها بالتفاوض.

لكن مع تنامي مشاعر الغضب لدى الشعب الأفغاني فإن الاستراتيجية الدولية قد لا تحقق أهدافها كما يحذر محيد يوسف خبير شؤون هذه المنطقة في «المعهد الأميركي للسلام». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن يوسف قوله: «إذا استمر الأمر على هذا النحو، لا أدري كيف يمكن التمسك بهذه الاستراتيجية التي يتوقف جزء كبير منها على تفهم وحسن نية الأفغاني المتوسط». ويرى يوسف أن الشق العسكري يتغلب على الشق السياسي في الاستراتيجية الحالية و«هنا تكمن المشكلة»، حيث إن «الوضع الميداني في مأزق».

وتشارك الولايات المتحدة حاليا في مفاوضات صعبة مع الحكومة الأفغانية لعقد شراكة استراتيجية تحدد شروط الدعم الأميركي لأفغانستان في مرحلة ما بعد 2014. ويقول الخبير في المعهد الأميركي للسلام إن تحقيق المصالحة بين الأفغان وإجراء محادثات مع الأميركيين كتلك التي ربما بدأت تلوح بوادرها في قطر، حيث فتحت طالبان مكتبا تمثيليا «يشكلان حاليا الخيار الوحيد الممكن لأن الاستراتيجية العسكرية لن تكون مجدية من دون كيان سياسي».

ورغم صيحات الانتقام، لا يزال لطالبان مصلحة في هذه المفاوضات التي «ستعطيهم شرعية سياسية وحتى لا يمكن لأحد أن يقول لهم إنهم لم يعطوا فرصة» لإيجاد مخرج للنزاع. من جانبه لا يرى ستيفن بايدل خبير النزاع الأفغاني في مجلس العلاقات الخارجية (معهد أبحاث نافذ في الولايات المتحدة) أن مجزرة الأحد ستؤدي إلى تغيير الاستراتيجية الأميركية. ويؤكد بايدل أن هذه الاستراتيجية تقوم على دعامتين: «المصالحة» و«انتقال» المسؤولية الأمنية إلى القوات الأفغانية. وأكد بايدل أن «آلية الانتقال لن يكتب لها النجاح على المدى البعيد» لأن التحالف لن يكون قد تمكن من القضاء على طالبان قبل 2014، مضيفا أنه «في أفضل الأحوال ستكون القوات الأفغانية قادرة على المحافظة على ما كسبناه».

وبالنسبة للمصالحة التي لا تشكل الفكرة الأساسية للاستراتيجية الأميركية، يرى بايدل أنه سيكون لطالبان نوع من الحافز على التفاوض: فمع الخسائر التي تلحقها بهم الضربات والغارات الأميركية قد لا يتمكنون من البقاء إلى حين رؤية البلاد تتخلص من القوات الأجنبية. إلا أن ستيفن بايدل يرى أن باب الخروج لا يزال موجودا، شرط أن «تكون مفاوضات حقيقية يكون كل طرف فيها على استعداد لتقديم تنازلات».