أنان ينتظر إجابات الأسد.. وأردوغان يحذره من «ألاعيبه لشراء الوقت»

المعارضة تعتبر مهمة أنان في دمشق الفرصة الدبلوماسية الأخيرة وتستبعد استجابة النظام لها

أنان أثناء لقائه ممثلين عن المجلس الوطني السوري في أنقرة أمس (رويترز)
TT

حذرت تركيا الموفد الدولي – العربي المشترك كوفي أنان من «ألاعيب النظام السوري ومحاولته شراء الوقت»، فيما كان أنان يتحدث عن مهلة للرئيس السوري لمساء أمس للإجابة على اقتراحات «محددة» قالت مصادر تركيا إنها تتعلق «بسحب القوات العسكرية من المدن والبلدات والسماح للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم وإطلاق حوار جدي برعاية الجامعة العربية والأمم المتحدة».

وقال مصدر قريب من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لـ«الشرق الأوسط» إن الأخير نبه أنان إلى ضرورة «عدم السقوط في فخ إيجابيات الأسد»، موضحا له أن الأتراك عانوا من هذه «الإيجابية» كثيرا... و(وزير الخارجية التركي أحمد) داود أوغلو قد يكون «خير من يخبرك عن ذلك». وشدد المسؤولون الأتراك على أهمية «القيام بتحرك دولي أكثر فعالية قبل نفاد الوقت لأن الناس يموتون هناك (في سوريا) كل يوم، وكل لحظة».

وكان وفد من المجلس الوطني التقى صباح أمس المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان في إسطنبول لمدة نصف ساعة، لكن الطرفين اتفقا على لقاء لاحق سيعقد في جنيف قريبا. وأوضح أحد المشاركين في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» أن أنان لم يعرض على المعارضة السورية «حوارا» مع النظام، ولم يتطرق إليه. وقال عضو المكتب التنفيذي سمير النشار أن الموفد الدولي «كان إيجابيا جدا فيما يتعلق بالثورة السورية وأبدى تأكيده على ضرورة أن يكون هناك تغيير في سوريا وأن يحصل الشعب السوري على نظام جديد». وأشار إلى أن أنان أبلغ المجلس الوطني أنه قدم «مقترحات محددة» للأسد ينتظر إجابة عنها ليلا (أمس). وفيما لم يكشف أنان عن هذه المقترحات، قال: إن الجواب إذا أتى سلبيا فسوف يكون هناك «حلول أخرى من قبل المجتمع الدولي»، كاشفا أنه سيزور بكين وموسكو قبل أن يعود إلى مقره في جنيف حيث سيجري تقييما للوضع خلال أسبوع.

وقال أحمد فوزي المتحدث باسم كوفي أنان إنه لا يمكن الكشف عن تفاصيل المقترحات التي قدمت للرئيس بشار الأسد، لكنه وصفها بأنها «اقتراحات ملموسة» وقال: «في حال تنفيذ هذه المقترحات فإنها سوف تحدث فرقا عمليا على أرض الواقع». وأوضح فوزي أن المقترحات تتعامل مع المطالب الأساسية وهي وضع حد فوري للعنف والقتل والتجاوزات والسماح بوصول المساعدات الإنسانية المنظمة والمعتادة إلى المدنيين والمصابين واتخاذ الخطوات اللازمة لبدء حوار سياسي مع المعارضة.

وأكد مصدر بمكتب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن المقترحات بصفة عامة تركز على وقف قتل المدنيين والسماح للوكالات الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم المساعدات الإنسانية والطبية للمصابين وإطلاق سراح المعتقلين وبدء حوار سياسي شامل. أما تفاصيل هذه المقترحات وكيفية تنفيذها فهو أمر سيتم الإعلان عنه فور التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري.

وتكتمت باريس على تفاصيل «المقترحات العملية» التي تقدم بها المبعوث الأممي - العربي إلى الرئيس السوري بشار الأسد في الاجتماعين اللذين عقدهما معه في دمشق يومي السبت والأحد. وفسرت مصادر دبلوماسية في باريس التكتم الذي التزمت به الأطراف المعنية، وعلى رأسها كوفي أنان نفسه، بالرغبة في «عدم حرق» خريطة الطريق التي وضعها أنان والتي يشكل القبول الرسمي السوري لمرحلتها الأولى الشرط الرئيسي للتقدم بها وإحراز تقدم حقيقي.

كان وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، الذي عاد أمس من نيويورك قد أكد أن الرد السوري على مقترحات أنان كان منتظرا يوم الثلاثاء. لكن ما رشح من مقترحات أمين عام الأمم المتحدة السابق يفيد بأنه طالب الأسد بوقف فوري لإطلاق النار على الأراضي السورية كلها، مع اقتراح آلية رقابة مستقلة يعود لمجلس الأمن درس تشكيلها وتمكين المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الصليب الأحمر والإغاثة الدولية، من الوصول بحُرية إلى جميع المناطق المنكوبة والسكان المحتاجين، وأخيرا تصور حل سياسي يبدأ بحوار يشمل جميع الأطراف.

غير أن خطة أنان، كما تقول المصادر الدبلوماسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، يحول دون تحقيقها الكثير من العوائق. وأول العوائق أن كل بند منها يحتاج إلى تحويله إلى خطة «عملانية»؛ فوقف النار ما زال موضع خلاف في مجلس الأمن الدولي بين روسيا والصين من جهة، والغربيين من جهة أخرى. وبحسب مصادر فرنسية عالية المستوى رافقت مناقشات المجلس في الساعات الأخيرة، فإن الروس يطالبون بوقف فوري للنار من «جميع الأطراف» بحيث يساوون بين النظام وقواته التي أوقعت آلاف القتلى، وبين المعارضة التي تدافع عن نفسها. وبعكس ذلك، تطالب الدول الغربية بأن تلتزم أولا قوات النظام بوقف النار وبالانسحاب من القرى والمدن باعتبارها المعتدية والقامعة بحيث تنتفي معها حاجة المعارضة للمقاومة المسلحة. وتتمسك الدول الغربية بهذا الشرط بقوة وعزم ولا تنوي التراجع عنه، بينما تتمسك روسيا بموقفها القائل إن النظام يواجه مجموعات وعصابات مسلحة، وبالتالي فإن وقف النار يجب أن يكون بالتوازي بين الطرفين.

الى ذلك كان واضحا أن المجلس الوطني رفض أي إمكانية لبقاء الأسد في السلطة، قال النشار إن الوفد المعارض أكد لأنان أن الشعب السوري يتعرض لمجازر ومذابح يندى لها جبين الإنسانية، ومن واجب جميع الدول المهتمة بالشأن السوري والمتعاطفة مع حقوق الشعب أن تسعى إلى وقف هذه المجازر وتأييد حق الشعب بتقرير مصير نظامه السياسي الجديد.

وفيما شدد أنان للوفد على ضرورة «حفاظ المجلس الوطني على وحدته الداخلية وتماسكه»، أشار إلى أن الاستعدادات قائمة من أجل إنجاح مؤتمر إسطنبول المتوقع في بداية أبريل (نيسان) المقبل.

وتعتبر المصادر الفرنسية أن موقف موسكو سيتغير «لأن طبيعة الصراع في سوريا آخذة في التغير». وخلاصة المصادر الفرنسية أن الوضع «يتجه لمزيد من التصعيد وهو مرشح لأن يدوم أكثر مما كان متوقعا».

وفي المقابل قال المعارضون إن الأولوية الآن هي لوقف المجازر وسحب الجيش والقوات العسكرية من شوارع البلدات والمدن السورية، فيما كان أنان يردد أمامهم أن الأسد أبلغه أنه لا يستطيع فعل ذلك خشية أن «يحتل المسلحون الفراغ الذي يخلقه انسحاب الجيش والقوى الأمنية»، وهو ما سعى المعارضون إلى دحضه بالتأكيد على أن «المنشقين هم جنود رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين، ويقومون بحمايتهم، وحماية أنفسهم بأسلحة فردية فقط، فيما النظام يمتلك الأسلحة والجنود».

من جهته، أشار رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون بعد لقاء أنان، إلى أن «الهدف هو التوصل لحل سياسي ودبلوماسي وإلا ستنفذ الحكومات الأجنبية وعودها بتسليح المعارضة السورية».

و اعتبر الدكتور رضوان زيادة مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن عضو المجلس الوطني السوري أن هذه هي الفرصة الدبلوماسية الأخيرة وقال: «بعد ذلك سيتم التحرك مع ضمان الموقف الروسي»، وعن الرد المحتمل من الأسد قال: «لا أتوقع أنه سيستجيب أبدا لأنه لا يفهم غير لغة القوة وإراقة المزيد الدماء». وبين زيادة في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن الشكوك تؤكدها الوقائع على الأرض: المذابح في بابا عمرو وإدلب وقال: إن كل ما يجري «يؤكد على إمعان الأسد في رفض مبادرة أنان وجعلها أشبه بمهمة بروتوكولية دون أن تحقق أي نتائج على الأرض، لذلك قلنا: المهم لا نريد مزيدا من المبادرات بل نريد من المجتمع الدولي أن يقوم بخطوات عاجلة وسريعة أهمها التدخل الفوري من المجموعة الدولية لأصدقاء سوريا سواء عبر المناطق الآمنة، أو فرض الحظر الجوي الجزئي، وحتى ضربات جوية محددة، فهذه اللغة الوحيدة التي يفهمها ميلوسوفيتش العصر الحديث، أشك أن بشار الأسد سيفهم لغة غير لغة القوة».

وقال زيادة إنه وحسب ما شرح أنان في لقائه مع وفد المجلس الوطني قدم كل الطلبات وأعطاه مهلة فإذا لم يستجب فسوف «يأخذ مجلس الأمن حريته في أخذ القرار المناسب، وتم وضع موافقة مسبقة من الروس، وما سيتم هو إعطاء الفرصة الضرورية وبعدها التحرك فورا من خلال مجلس الأمن».

وقال زيادة إن «وحدها الضربات العسكرية ستجبره على وقف العنف» وأضاف: «لا أحد يستطيع أن يحدد موعد تدخل عسكري لكن كل النقاشات في الولايات المتحدة تتركز حول هذا الوضع».

ومن جانبه تحدث أنس العبدة عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري رئيس حركة العدالة والبناء السورية المعارضة: عن تفاؤلهم في المجلس الوطني بأن الموقف الروسي يتجه نحو التغير وحول رد النظام قال العبدة إنه وكما يتوقعون في المجلس الوطني فإن «النظام سيلجأ للمماطلة وعدم الوضوح ومحاولة شراء الوقت وكسب المهل وهذا ما عودنا عليه. ولن يكون هناك رد آخر».