نشطاء سوريون: الأسد يتعامل مع شعبه بمبدأ «التجويع من أجل التركيع»

الخبير الاقتصادي أسامة قاضي: هناك تأخير في دفع الرواتب لمليون و300 ألف موظف حكومي

لاجئون سوريون عل الحدود اللبنانية يتسلمون ملابس توزعها مؤسسة خيرية في منطقة وادي خالد أمس (أ.ب)
TT

تضاربت الآراء في سوريا حول منع النظام السوري المواطنين من تسلم رواتبهم وقطع الامتدادات والسلع التموينية عن المدن المنكوبة أو التي تشهد مواجهات بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر، وفيما أكد بعض سكان دمشق تسلمهم رواتبهم الشهرية وأن الحياة تسير بشكل طبيعي، اشتكى بعض النشطاء السوريين في المدن السورية المنكوبة من عدم قدرتهم على العيش مع غلاء الأسعار وقلة المال وعدم تسلم رواتبهم، مشيرين إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يتعامل مع السوريين بمبدأ «التجويع من أجل التركيع»، قائلين إن «النظام يقوم بتطويق المدن عسكريا وقطع الإمدادات والسلع التموينية عن المدن المنتفضة».

من جانبه، قال باسل الكويفي أمين سر الغرفة التجارية السابق بريف دمشق، إن «النظام السوري يتعمد الضغط على المواطنين ليضمن ولاءهم»، مضيفا في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في القاهرة «لا يتم صرف رواتب الموظفين في جميع المحافظات التي بها حراك، ونظام بشار الأسد قطع الإمدادات والسلع التموينية عن المدن المنتفضة»، لافتا إلى أن «الطبقة العاملة في سوريا تنقسم إلى جزأين»؛ الأول، القطاع العام ومن يعمل به لا بد أن يكون من حزب البعث أو من المقربين للنظام ويمثلون 30% من الشعب السوري وغالبيتهم من سكان دمشق والساحل السوري. أما الثاني، فهي العمالة اليومية والقطاع الخاص.

من جهته، قال حسن قتفود نائب المنسق العام لتنسيقية الثورة السورية في مصر: «في الوقت الراهن، يعاني ريف دمشق من ضغط اقتصادي من قبل النظام، وهو ما ينوه بزحف الريف المسحوق على المدينة»، مشيرا إلى أن «غلاء الأسعار يمنع المواطن من شراء السلع الأساسية.. حيث قفز سعر كيلو الأرز إلى 75 ليرة بدلا من 35».

كاشفا عن أن محافظات درعا وحمص وحماه وإدلب، لا تصل إليها الإمدادات ولا السلع، مشيرا إلى أن «النظام السوري لا يعدل بين المحافظات في توزيع السلع التموينية».

وفي ما يتعلق بالمعونات، أشار الكويفي، إلى أن الصليب الأحمر يرفض دخول المعونات؛ إلا عن طريقه وهو ما سيجعل المعونات توزع على أتباع النظام، وليس من هم بحاجة إليها، كما أن السلع التموينية والاستهلاكية والوقود يتم توزيعها على القوى العسكرية والقرى العلوية المؤيدة لبشار.

وأضاف الكويفي أن «بنوك القطاع الخاص متوقفة منذ 6 أشهر، كما أن ماكينات الصرف الآلي موقوفة، لإجبار المواطن على الذهاب للبنوك الرئيسية».

وأكد الكويفي أن «بعض مصانع القطاع الخاص كانت تعتزم تصفية حساباتها وبيع منتجاتها؛ إلا أن النظام السوري هددهم بحرق هذه المصانع»، قائلا: «مع نقص السيولة المالية للمصانع اضطرت لإيقاف الإنتاج، مما جعل النظام يحرق بعضها لإجبار الأخرى على الاستمرار في الإنتاج».

ويبدو أن «السلاح الاقتصادي» المتمثل في العقوبات الدولية يلقي بثقله يوما بيوم على الوضع المالي السوري، وكان آخر هذه العقوبات، تلك التي فرضتها اليابان، التي أعلن وزير خارجيتها كويتشيرو جيمبا، أن طوكيو قررت «تجميد أصول إضافية في اليابان تعود لجهات سورية تماشيا مع الإجراءات التي اتخذتها دول أخرى كبرى ضمن العقوبات المفروضة على سوريا».

وعن هذه الإجراءات وتأثيرها على الوضع الاقتصادي والمالي السوري، اعتبر الخبير المالي اللبناني وليد أبو سليمان، أن كل ما يسمى عقوبات تؤثر سلبا على العجلة الاقتصادية السورية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «وأبرز هذه التأثيرات كان تدهور الليرة السورية وعدم قدرة المصرف المركزي على التدخل لحمايتها بسبب انخفاض الاحتياط بالعملات الأجنبية». وأضاف: «هذا الوضع يؤدي إلى تدهور في القطاعات السورية كافة؛ وأهمها الصناعي والمالي والزراعي، إضافة إلى السياحة التي كانت تؤمن وفرا لا بأس به في الاقتصاد السوري». ورأى سليمان أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا على سوريا، التي كانت تعتبر شريكا أساسيا في التبادل الاقتصادي السوري، وما رافقها من إجراءات اتخذها القطاع الخاص على غرار إيقاف الخطوط الجوية الفرنسية رحلاتها إلى سوريا، ستزيد الوضع الاقتصادي تأزما يوما بعد يوم، وليست الإجراءات التي قد تقوم بها الحكومة السورية، إلا محاولات للتخفيف من وطأة هذه التأثيرات، ولتأجيل مرحلة الانعدام لفترة أشهر قليلة، نظرا إلى صعوبة تعويض خسارة الأسواق الأوروبية والخليجية والأميركية.

من جهته، حذر الدكتور أسامة قاضي، وهو مستشار اقتصادي وعضو المجلس الوطني السوري ورئيس المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن ورئيس المجلس السوري الكندي، النظام السوري من السيناريو الألماني بعد الحرب العالمية الأولى الذي وصل سعر الدولار فيه لأكثر من 600 مليار مارك ألماني, وقال: «ممارسات النظام غير الإنسانية ستنتهي بالعملة لأن تنهار بشكل نهائي، وواقع الأمر أن النظام الاقتصادي السوري قريبا جدا - للأسف - سيدخل في مرحلة الدولرة؛ حيث يحيد الناس الليرة السورية من التعامل اليومي وهم يراقبون النظام الذي يدفع الليرة السورية للانهيار».

وأضاف في رسالة إلكترونية لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تأخيرا في دفع الرواتب لمليون و300 ألف موظف حكومي، وتصل فترة التأخير إلى أسبوع، وفي أحيان أخرى لشهرين، وبدأوا إعادة استخدام الأوراق النقدية من فئة الـ25 ليرة وفئة الـ5 ليرات سورية الملغاة منذ نحو عشر سنين والتي هي خارج التداول، والناس عموما يرفضون قبول تداولها، مثلها مثل العملة من فئة الـ500 ليرة سورية التي تطبع محليا بعد أن رفضت أوروبا وكندا وأي دولة في العالم طباعة المزيد من العملة السورية».

وأوضح أن «ثلث العمالة السورية هم من الموظفين المغلوبين على أمرهم ويقوم معظمهم بالاستمرار في دوامهم بنسب متفاوتة؛ ففي المناطق المشتعلة جدا مثل إدلب وحمص ودير الزور وحماه وريف حلب، تقريبا انعدمت الخدمة العامة، أما في المعامل الحكومية، فالتوقف عن الإنتاج أولى من الاستمرار فيه بسبب امتلاء المستودعات بالمخزون الكاسد.

وأضاف قاضي أن قوة عملة أي بلد تكون بقدر حجم السلع والخدمات التي تنتجها، ودعم عملة أي بلد يتم بشكل طفيف، وتحكمه معطيات يتعاطى معها الاقتصاديون بوصفها ظروفا استثنائية، وأضاف: «حتى لو كان المصرف المركزي يود دعم العملة المحلية، فإن دوره يأتي داعما لواقع النشاط الاقتصادي، وأحيانا يتدخل تكتيكيا في تخفيض عملته بشكل طفيف لا يؤثر على استقرار الاقتصاد والثقة في أدائه، من مثل اليابان التي تسعى أحيانا لخفض قيمة عملتها بشكل طفيف في محاولة لتنشيط الصادرات مثلا، ولكن في الحالة السورية لم يبقَ قطاع واحد اقتصادي لم ينله الضرر، ولم يُبق النظام السوري أي نشاط اقتصادي إلا وناله الأذى جراء السياسات الوحشية المفزعة، وقد أصيب الاقتصاد السوري بشظايا همجية النظام على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي، شاقوليا وعموديا، بحيث ستحتاج سوريا لخمس سنوات في تقديري كي تتعافى من آثار الدمار الذي نزل بالزراعة التي قتل أهلها في كل أرياف سوريا وحرقت أراضيهم وبيوتهم وكرومهم. 63 في المائة من زراعة الزيتون في ريف حلب وإدلب، والآن تقصف بالمدافع، وأهلها خرجوا للدفاع عن أعراضهم وبيوتهم وعن أولادهم، ولا يمكن الحديث عن أي صناعة، والبلاد قد تقطعت أوصالها من كثرة الدوريات وانعدام الأمن، وتدمير البنية التحتية من قبل مدافع كتائب الأسد، فضلا عن انخفاض المستوى المعيشي للمواطن السوري المسكين الذي يدفع ثمن السياسات الخرقاء للنظام. وأما القطاع السياحي، فصار أثرا بعد عين، ودفع هذا القطاع بمفرده بنحو 900 ألف عامل إلى ساحات البطالة.. كل هذه الحالة انعكست على انخفاض الليرة السورية بأكثر من 100 في المائة».

وحول صحة ما قالته تقارير استخباراتية أميركية حول تهريب مبالغ هائلة من الأموال من سوريا في الوقت الحالي وتتشكك في أن مقربين من النظام يقومون بها استعدادا للهروب، قال قاضي: «الأرقام التي سربتها بعض أجهزة المخابرات عن التحويلات من قبل الفاسدين أرقام كبيرة جدا وغير مستبعدة. مجلة (إيكونوميست) صرحت أنه في مارس (آذار) هرب النظام السوري ما يزيد على 20 مليار دولار! ونحن نطالب الدول العربية والغربية من أصدقاء سوريا بأن تكشف عن الأرقام الحقيقية لأرصدة الفاسدين لديها لأنها من حق السوريين، وإني أنصح بعدم التورط في مساعدة أي من الفاسدين بتسجيل بعض العقارات أو تحويل أموال لحساباتهم لحرصنا على كل السوريين، لأن تسجيلها بأسماء أخرى لن يفيدهم؛ فالعالم أصبح قرية صغيرة، والأسماء المتورطة معروفة لدى السوريين المنتشرين في كل بلاد الأرض».