المعارضة السورية: من التنسيقيات.. إلى المجلس الوطني

مسيرة «تأطير» الثورة السورية خلال عام

طفل يرفع في مظاهرة بحوران لافتة تدعو لإنقاذ ما تبقى من اهل سوريا (اوغاريت)
TT

لم يكن من السهل أن تتبلور معارضة سورية موحدة، في ظل نظام حكم البلاد لأكثر من 40 سنة موزعا معارضيه بين الزنزانة والمنفى.. والقبر. احتاجت المعارضة السورية أشهرا عدة قبل أن تبلور خطابها ومؤسساتها التي يبدو أنها لا تزال تحتاج إلى الكثير من العمل، غير أن الجميع يشهد بأن ما تحقق لم يكن سهل التحقيق.

رسمت وتيرة الأحداث داخل سوريا خريطة جديدة للمعارضة السورية، لم تتشكل نواتها قبل مؤتمر أنطاليا الذي ضم ثلاثمائة شخصية سورية معارضة. قبل هذا المؤتمر، كانت الكلمة الفصل للجان التنسيق المحلية، وجموع المعارضين في الداخل الذين تحدوا قرارات منع التجول والتظاهر، وردوا على الأجهزة الأمنية بالهتاف ضد النظام والمطالبة بإسقاطه. استأثر هؤلاء على المشهد الميداني، وحددوا خيارات المرحلة السياسية المقبلة، وسبقوا المعارضين إلى تغيير الوضع القائم، بأشواط.

في هذا الوقت، كان «المعارضون التقليديون» الذين عُرفوا بمعارضة النظام قبل سبع سنوات، وتحديدا يوم إعلان ربيع دمشق، تائهين بين خيار إسقاط النظام في الشارع، أو مواصلة نضالهم الصامت لإحداث تغيير فعلي في البلاد، تتمخض عنه انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة، وتتكرس حرية التداول الإعلامي، وتُفتح آفاق تداول السلطة بطريقة ديمقراطية.

وجاء مؤتمر أنطاليا ليعلن أول تشكيل رسمي للمعارضة الحقيقية التي حظيت بترحيب المجتمع الدولي، واستمدت شرعيتها من فسيفساء المجموعات المعارضة التي اجتمعت في المؤتمر، وناقشت الهواجس السورية، وحددت خيارات المستقبل المتمثلة بالمطالبة باستقالة الرئيس السوري بشار الأسد، وتسليم السلطة لنائبه فاروق الشرع وتحديد موعد لانتخاب مجلس شعب جديد ينتخب بإرادة الشعب.

ويقول متابعون إن ذلك المؤتمر، رغم تأخره عن الانعقاد، ومعارضته من قبل لجان التنسيق المحلية الذين يعتبرون أنفسهم قادة الميدان وشركاء المستقبل، «بدد هواجس الثائرين في الداخل، الذين يتخوفون من إسقاط الدولة». ويشير هؤلاء إلى اعتقاد «كان يسري بين المتظاهرين بأن التدخل الأجنبي يهدف إلى إسقاط الدولة بمؤسساتها، فيما يريدون هم إسقاط النظام فقط». غير أن تجمع أفرقاء المعارضة السورية في الخارج في مؤتمر واحد، «منح الناشطين في الداخل ضمانة بأن اتفاق المعارضة سيحافظ على كيان الدولة». وأسس هذا المؤتمر، رغم التباينات في وجهات نظر أعضائه، لمجموعة خطوات لاحقة، كان أهمها الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري برئاسة دكتور برهان غليون.

في مقابل مؤتمر أنطاليا الذي يعد أول هيئة منظمة لتحركات المعارضة السورية في الخارج، كانت دمشق تحتضن مؤتمرا للمعارضة في الداخل، تحت شعار «سوريا للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية»، حضرته 200 شخصية معارضة ومستقلة سورية، دعم الانتفاضة السلمية مطالبا بتنفيذ الإصلاحات وإنهاء الحل الأمني. غير أن هذا المؤتمر، كما المؤتمر التشاوري للحوار الذي انعقد في شهر يوليو (تموز) في دمشق، لم يحظَ بإجماع المعارضين، وخصوصا المعارضة في الخارج التي اعتبرت أن المؤتمر يبرّئ النظام، ويسلفه أوراقا رابحة، كما لاقى معارضة لجان التنسيق المحلية والمعارضين الآخرين في الداخل الذين اعتبروا أن الحوار مع النظام يعني مشاركته جرائمه، ولا حل من غير تنحي الرئيس الأسد.

والواقع أن تشكيلات المعارضة السورية، منذ انطلاقة الاحتجاجات في منتصف مارس العام الماضي، اصطدمت بحواجز كثيرة، حيث لم ترضِ طموحات جميع أفرقاء المعارضة التي بدت في أغلب الأحيان منقسمة على الخيارات، بين الخيار العسكري والخيار السياسي، كما بدت منقسمة في وجهات نظرها إزاء الأحداث التي تدهورت يوما بعد يوم. وجاء مؤتمر اسطنبول الذي عُقد في 16 يوليو للحدّ من الانقسامات وتفاوت وجهات النظر بين الداخل والخارج، ولتعزيز الشراكة الحقيقية في القرار الوطني بين شباب التنسيقيات والشخصيات المعارضة في الخارج، حيث تم الاتفاق على تشكيل «هيئة إنقاذ وطني» تتألف من «ممثلين للمعارضة» ومن «شباب الثورة السورية»، وتم اختيار المحامي المعارض هيثم المالح رئيسا للهيئة.

هدّأ هذا المؤتمر من حدة الخلافات والتباينات، لكنه لم يرضِ طموحات الجميع، إذ شكك المعارضون في الداخل بقدرة الهيئة على التعبير عن أطياف المجتمع السوري، مطالبين بتحويل الأقوال إلى أفعال، رغم إعلان المالح أن الهيئة «ستعمل على بناء نظام تعددي وديمقراطي في سوريا وستقوم بانتخاب لجنة من 15 شخصا ستعمل في خارج سوريا وستقوم بمساعدة شباب الثورة في الداخل».

ولم تتوقف محاولات «جمع الشمل» بين أطياف المعارضة السورية التي شكلت لجانا وهيئات ومجالس بغية تحقيق مطالب الشعب. فبعد التشكيك بدور «هيئة الإنقاذ»، واصطدامها بعراقيل لوجستية وسياسية وفكرية، ولدت «الهيئة العامة للثورة السورية» في 18 أغسطس (آب) في اسطنبول أيضا، التي تكونت من أربعين فريقا معارضا، يضم تنسيقيات واتحادات تنسيقيات الثوار، وهدفت إلى توحيد جهود الثوار وبناء دولة حرة ومدنيّة وديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتكفل الحرية والمساواة والكرامة لجميع المواطنين السوريين.

تلك الهيئة، لم تكن بديلا لتجمع المعارضين السياسيين في إطار تنظيمي موحد، ولا تزال تمارس دورها، تحقيقا لمبادئها التي قامت لأجلها، وأهمها إسقاط النظام «من أجل تمكين شعبنا السوري بمكوناته المختلفة من بناء دولته المدنية الديمقراطية، وتحقيق تطلعاته في الحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق الإنسان، والالتزام بمبادئ الثورة الأساسية، وهي الوحدة الوطنية وسلمية الثورة، لا طائفيتها».

ووسط «زحمة» الهيئات والتنسيقيات، جاء إعلان المجلس الوطني السوري في 2 أكتوبر (تشرين الأول) لينهي الانقسامات بين أطياف المعارضة، ويرسم خريطة طريق واضحة ورسمية لمسارها السياسي، ويحدد خياراتها. وأعلن رئيس المجلس المفكر برهان غليون عن أنه يشكل «إطارا موحدا للمعارضة السورية» يضم كافة الأطياف السياسية من الليبراليين إلى الإخوان المسلمين ولجان التنسيق المحلية وأكراد وآشوريين.

تمثلت في المجلس أغلب أقطاب المعارضة، منهم «الإخوان المسلمون» وأعضاء من «إعلان دمشق» و«المؤتمر السوري للتغيير»، فضلا عن شخصيات مستقلة وتكنوقراط. ويعتبر المجلس المظلة السياسية التي تجمع الشخصيات الوطنية والقوى المساهمة في الثورة، تلك المتفقة على إسقاط النظام، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي. وبحسب البيان التأسيسي للمجلس، جاء بفعل «الحاجة إلى تشكيل مجلس يضم الكفاءات الوطنية والشخصيات الفاعلة، ويعمل بمثابة مظلة سياسية للثورة السورية في المحافل الدولية دعما لقضية الشعب السوري العادلة في التحرر من الاستبداد وبناء دولته المدنية الديمقراطية». وحظي بدعم لجان التنسيق المحلية التي تمثل حركة الاحتجاج السورية ضد النظام في الداخل.

لاقى تأسيس المجلس ترحيبا دوليا، واعترفت به بعض الدول، منها ليبيا ومصر، بعد فترة وجيزة من تأسيسه، كممثل شرعي للشعب السوري.. وبادر إلى التنسيق مع الجناح العسكري للثورة «الجيش السوري الحر»، وإلى نسج العلاقات الدولية الهادفة إلى تحقيق مطالب الشعب السوري.