«الحريقة».. أول مظاهرة شهدتها سوريا ضد نظام الأسد خلال 40 عاما

الناشطون السوريون يرون أنها «الصرخة الأولى المدوية» و«أول نسمة مزهرة حملها الربيع العربي»

TT

أدت مظاهرة عفوية في حي الحريقة بدمشق إلى استنفار كامل في أجهزة الأمن، المستنفرة أصلا بعد الأحداث التي شهدتها مصر وتونس، حيث أعطيت تعليمات بعدها بعدم التعرض لأي مواطن، وعدم توفير أي سبب للتوتر مع المواطنين.

وتجمع في هذه المظاهرة عدد من المواطنين بعد أن اعتدى شرطي على أحد المواطنين، في 17 فبراير (شباط) من العام الماضي، وهتف المتظاهرون لأول مرة «الشعب السوري ما بينذل»، وحضر وقتها وزير الداخلية، وتحدث للمتظاهرين في محاولة لتهدئتهم. و«تم تداول الفيديو الخاص بالمظاهرة بين السوريين بشغف كبير، فهم كانوا يرون فيه أول تجمع يهتف فيه الناس لحريتهم، ويصرخون بأنهم لا يقبلون الذل، رغم أنه كان متوقعا أن بعض الأفراد الموجودين في التجمع سوف يقومون في نهاية التجمع عند وصول الوزير بالهتاف بحياة بشار، فلم يكن من المعتاد أن يخرج الناس ليهتفوا للرئيس من دون إذن، فكيف بتجمع غير مرخص وأمام وزير الداخلية نفسه؟»، حسبما قال الناشط السوري وعضو المجلس الوطني عبيدة فارس.

أما الكاتبة الدمشقية والناشطة في مجال حقوق الإنسان إيمان البغدادي، فكتبت في رسالة إلكترونية لـ«الشرق الأوسط»: «بينما كنت جالسة في غرفتي أحضّر مقالا عن وضع الأطفال في الشرق الأوسط وضرورة تطوير وسائل التعليم، وصلتني رسالة معنونة بـ(مظاهرة في الحريقة)، فتحت الرابط فورا وشاهدت الفيلم مرتين متتاليتين، وبالكاد كنت أصدق ما أراه، فقد كنت غادرت سوريا قبل خمسة أسابيع فقط ولم أشعر بأي إشارة أو نبض جديد، وعندما غادرت سوريا لم أتخيل أبدا أن الحراك سيبدأ بهذه السرعة، بالإضافة لأنني أعرف بالضبط كمية الخوف التي تم زرعها بعناية في نفوسنا، وأعرف بالضبط قساوة وتعقيد تلك القبضة الأمنية وتشابكها في كل حيثيات حياتنا. لذلك كان من الصعب أن أتخيل أن يخرج السوريون ليتظاهروا حتى ضد غلاء الأسعار. ومع هتاف (الشعب السوري ما بينذل) اجتاحتني كل أنواع المشاعر دفعة واحدة، فقد كنت وقبل أيام من مشاهدة هذا الفيلم أتقافز أمام شاشة تلفازي ودموع الفرح تملأ عيوني بينما أشاهد سقوط ثاني ديكتاتور مع بداية عام جديد، وحينها سألت نفسي بشيء من الغصة: متى سيأتي دورنا ونتحرر؟ كنت أدقق في وجوه المتظاهرين وأرى الكثير من الوجوه المستغربة وكأنهم هم أنفسهم لم يكونوا مصدقين أنهم يتظاهرون. في البداية لم أفهم بالضبط سبب تلك المظاهرة، فقد تعارضت الهتافات، فبينما هتف البعض لدقائق (الشعب السوري ما بينذل)، اخترقهم صوت يهتف (بالروح بالدم نفديك يا بشار)، ثم علا من جديد (الشعب السوري ما بينذل) ليؤكد لي أنها مظاهرة لاسترداد الكرامة. كان واضحا حجم الهلع الأمني الذي أرسل وزير الداخلية بنفسه بسيارته المحصنة محاولا قتل روح تلك المبادرة العظيمة بقوله لهم (أهذه مظاهرة؟ عيب عيب)، وظلت بعض الأصوات التي تدفق لها شعور الحرية تهتف من بعيد (الشعب السوري ما بينذل)».

وأضافت البغدادي، وهي أصيلة دمشق «برأيي أنه بعد أن استشعر السوريون طعم الحرية الذي تسلل من تونس ومصر قرروا أن يتذوقه بأنفسهم وعلى أرضهم. أعتقد أنه كان لهذه المظاهرة الصغيرة العفوية التي قد تبدو للبعض هشة دور أساسي في انطلاق ثورة الكرامة التي ستنتصر رغم كل هذا العنف والبربرية الممارسة من قِبل النظام الأسدي».

أما الصحافي السوري إياد شربجي، فقال عبر البريد الإلكتروني «إن أهمية تجمع الحريقة تتأتى من كونه كان الصرخة الأولى المدوية للناس في الشارع، وذلك بعد صمت طويل قارب الأربعين عاما. أعتقد أن الإساءة التي ارتكبها رجل شرطة ضد أحد التجار لم تكن هي السبب بقدر ما كانت حجة للناس لتفجر غضبها المكبوت، ففي هذه المظاهرة التي التأم بها أكثر من 1000 شخص خلال أقل من ربع ساعة، شعر النظام السوري بالخطر، وجاء وزير الداخلية على الفور ليهدئ الموقف ويعتذر من الناس. أعتقد أن هذه الحادثة وحتى إن لم تكن الشرارة الحقيقية للثورة السورية، فإنها بالتأكيد كانت الدليل على أنها قادمة إلى سوريا لا محالة». أما عبيدة عامر، الناشط الإعلامي الدمشقي، فقال «كانت موقعة الحريقة في الـ17 من فبراير أول نسمة مزهرة حملها الربيع العربي إلى سوريا، فتنفس الشعب ولأول مرة منذ أربعين عاما طعم الحرية بعيدا عن الخوف والقتل.. واضلف وأضاف عامر في رسالته الإلكترونية لـ«الشرق الأوسط» «صار واضحا أن جسم سوريا قابل لأن يأخذ عدوى الثورة، ونظامها ليس بدعا من الأنظمة.. مما جعل حسابات كل من الشعب والسلطة تتغير، وصارت كلمة (الثورة) متداولة - ولو بهمس - في حارات سوريا وأروقة البيت السياسي».