أسماء التصقت بالثورة.. وتحولت رموزا ملهمة للمتظاهرين

أبرزها حمزة الخطيب وغياث مطر ومشعل تمو وحسين هرموش وإبراهيم القاشوش وعلي فرزات

TT

ارتبطت الانتفاضة السورية منذ اندلاعها في منتصف شهر مارس (آذار) 2011 بمجموعة من الأشخاص الذين أسهموا في صنعها، بطريقة أو بأخرى، فطبعت أسماؤهم في ذاكرة السوريين وكل المواكبين للمشهد السوري على مدى عام بأكمله. من الطفل حمزة الخطيب مرورا بالناشط غياث مطر و«بلبل الثورة السورية» إبراهيم القاشوش ورسام الكاريكاتير علي فرزات، وصولا إلى المقدم حسين هرموش والمعارض الكردي مشعل تمو.. كلها أسماء أمست أشبه بـ«رموز» أو «أيقونات» مرتبطة بالثورة السورية، شأنها شأن بوعزيزي تونس وخالد سعيد مصر.

بعد مرور أكثر من شهرين على بدء التحركات الشعبية في سوريا، برز اسم الطفل حمزة الخطيب، ذي الـ13 عاما، الذي لم يتسنَ له أن يعيش ليحقق حلمه بأن يصبح شرطيا. وبعد اعتقاله ومجموعة من الأفراد في مسيرة معارضة للنظام في 29 أبريل (نيسان) الماضي في مدينة جيزا، القريبة من درعا في مظاهرات دعت إليها المعارضة تحت عنوان «مظاهرات جمعة الغضب»، عاد الطفل إلى والديه جثة متوردة في الخامس والعشرين من شهر مايو (أيار) الماضي. في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، بدأت معاناة عائلة هرموش في محافظة إدلب، مع انشقاق المقدم حسين هرموش، وهو من أوائل الضباط السوريين الذين انشقوا عن الجيش السوري النظامي، احتجاجا على «القتل الجماعي للمدنيين العزل وتوريط ضباط الجيش وأفراده في مداهمة مدن وقرى آمنة، وقتل أطفال ونساء وشيوخ وارتكاب المجازر الجماعية»، وفق ما أعلنه في بيان انشقاقه.

وشكل انشقاق هرموش، الذي أطلق «حركة الضباط الأحرار» في جسر الشغور، مقدمة لحملة ملاحقات أمنية لم تستثن فردا من أفراد أسرته، الذين دفع بعضهم حياته ثمنا لذلك، مما دفعه للهرب إلى تركيا والانضمام إلى مخيمات اللاجئين التي أقيمت في منطقة أنطاكيا. وفي التاسع والعشرين من شهر أغسطس (آب) الماضي، خرج هرموش من مكان إقامته متوجها إلى عشاء للقاء أحد الضباط الأتراك في مدينة أنطاكيا، من دون أن يعود أدراجه، ليظهر بعدها محتجزا لدى النظام السوري، من دون أن تتضح حقيقة ما حصل معه وكيفية اختطافه ووصوله إلى يد السلطات السورية. في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، بث التلفزيون الرسمي السوري ما سماه «اعترافات» هرموش، أعلن خلالها أن عودته إلى سوريا «تلقائية»، وأنه قام بالانشقاق والفرار بسبب «ما شهدته الساحة من أحداث دامية حيث سقط في الشارع قتلى كثيرون». وأكد أنه «لم يعط لي أي أمر بإطلاق النار على مدنيين أو غير مدنيين».

وبينما لم يظهر هرموش بعد اعترافاته هذه، تضاربت المعلومات بعد 30 يناير (كانون الثاني) الماضي بشأن إقدام النظام السوري على تصفية هرموش، على خلفية نقل منظمة حقوقية باسم «الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان» عن «مصدر عسكري وثيق الاطلاع»، قوله إن «كتيبة من عناصر المخابرات الجوية، نفذت الأسبوع الماضي حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق المقدم هرموش في ساعة متأخرة من الليل».

في موازاة ذلك، أقدمت عناصر من الأمن و«الشبيحة» في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، على اختطاف رسام الكاريكاتير السوري والعالمي علي فرزات، بعد مهاجمته في دمشق والاعتداء عليه في سيارته وهو في طريق عودته من مكتبه إلى المنزل. وبثت وسائل الإعلام صورا لفرزات وهو ملقى على سرير في المستشفى، بعد أن قامت العصابة التي اختطفته برميه على طريق المطار بعد ضربه ضربا مبرحا، خصوصا على أصابعه ويديه، في محاولة لترهيبه وكسر يديه اللتين تجرأتا على رسم لوحات كاريكاتيرية ناقدة للنظام السوري ولأدائه في قمع المتظاهرين.

واستخدم فرزات رسومه الكاريكاتيرية في معركة علنية ضد النظام في سوريا، وهو ما أثار امتعاض النظام السوري، حيث اتهم الأسد، فرزات بـ«طعنة في ظهره» خلال لقائه أهالي مدينة جوبر. وكانت علاقة تجمع بين فرزات والرئيس الأسد، تطورت في السنوات الأولى لحكم الأخير، ووصلت إلى حد منح فرزات ترخيصا لإصدار جريدة مستقلة بعد 40 عاما (منذ عام 1963) من منع إصدار الصحف الخاصة في سوريا، إلا أن ما لبثت العلاقة أن ساءت بين الرجلين بعد تضييق الأسد على جريدة فرزات (جريدة «الدومري») وصولا إلى إغلاقها في عام 2004، الأمر الذي دفع فرزات إلى التحول لخصم لدود للأسد ولنظامه.

ووفق ما أورده ناشطون وما كتبه على صفحة تحمل اسم «كلنا الشهيد البطل إبراهيم قاشوش»، فقد ظفرت القوى الأمنية صباح الثالث من يوليو بقاشوش خلال توجهه إلى عمله، ليذبح بعدها بطريقة همجية، حيث اقتلعت حنجرته وتم تمزيق جسده بالرصاص، ورميت جثته بعد ذلك في نهر العاصي. وأظهرت مقاطع فيديو تم بثها على «يوتيوب» جثة إبراهيم التي بدت آثار التعذيب واضحة عليها.

«نحن وإياكم يدا بيد لنتحرر من السجن الكبير».. هي العبارة التي وسم بها المعارض الكردي البارز مشعل تمو، الناطق باسم تيار المستقبل الكردي والقيادي الذي يحظى باحترام السوريين كافة، صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك». وفي حين باءت محاولة اغتيال تعرض لها في 8 سبتمبر الماضي بالفشل، وعلى الرغم من محاولته أن يتوارى عن الأنظار والتنقل بسرية بعد سلسلة تهديدات تلقاها على خلفية دعمه العلني لتحركات الشعب السوري ومساندته للمعارضة السورية والمجلس الوطني السوري الذي كان أول من أعلن تأييده له، تمكن 4 مسلحين في الخامسة من مساء السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من اقتحام منزل تمو، حيث كان موجودا مع ابنه مارسيل والناشطة زاهدة رشكيلو وقاموا بإطلاق النار عليهم. وبينما نحا ابنه ورشكيلو، قتل تمو على الفور ليكون بذلك «أول شهداء الثورة السورية» في القامشلي، وأطلق نبأ مقتله في يوم «جمعة المجلس الوطني يمثلني» مظاهرات غاضبة سارت في القامشلي، وتخللها حرق صور رموز النظام وإزالة لتماثيل الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد. كما تحول تشييع تمو في اليوم التالي إلى مظاهرات ساخطة طالبت بإسقاط نظام الأسد، وأدى إطلاق القوى الأمنية النار على المشاركين فيها إلى مقتل 6 متظاهرين.

في مدينة داريا الواقعة في ريف دمشق، برز اسم الناشط غياث مطر كواحد من أبرز منظمي المظاهرات التي خرجت في المدينة، وهو لم يتردد خلال مشاركته فيها في تقديم الماء والورود إلى عناصر الأمن والجيش. في السادس من سبتمبر الماضي، قرر غياث أن يرافق الناشط السياسي يحيى شربجي، الذي كان مطلوبا من القوى الأمنية، بعد تلقي الأخير اتصالا من شقيقه معن بأنه قد أصيب بجراح وموجود في مكان معين. وما إن بلغه شربجي ومطر حتى تبين أنهما وقعا في فخ كمين خططت له القوى الأمنية التي كانت أجبرت معن شربجي على الاتصال بشقيقه والادعاء بأنه مصاب.

بعد مضي 4 أيام على اعتقاله، عاد غياث مطر جثة هامدة إلى عائلته، إثر وفاته تحت التعذيب، وتم تشييعه في اليوم عينه وسط أجواء من الغضب والحزن العارم. وخلال مجالس عزاء أقيمت له، حضر وفد دبلوماسي للتعزية، تقدمه السفيران الأميركي والفرنسي، وما إن هم السفراء بالمغادرة حتى قامت قوات الأمن باقتحام مجلس العزاء، مطلقة العيارات النارية والقنابل المسيلة للدموع من أجل فض المجلس.