نائب رئيس الوزراء المصري السابق: المجلس العسكري لم يتدخل في عملنا ولم يفرض علينا قيودا

حازم الببلاوي لـ «الشرق الأوسط»: مصر تحتاج لاستراتيجية اقتصادية عربية طويلة الأجل

د. حازم الببلاوي
TT

أربعة أشهر قضاها الدكتور حازم الببلاوي داخل الحكومة المصرية كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير للمالية، وكان من بين ثلاثة أسماء رشحت لرئاسة أول مجلس للوزراء بعد الثورة، وكان وقتها يعمل مستشارا لصندوق النقد العربي. وحاورت «الشرق الأوسط» الببلاوي للتعرف على كواليس عمله في الحكومة، وكيف كان القرار السياسي يتخذ في عهد وزارة عصام شرف التي كان يقال عنها إنها لا تمتلك قرارها وليس لها سلطات كبيرة.

وروى الببلاوي كيف استطاع تغيير التوجه السائد لدى السلطات المصرية الرافض لأي قروض خارجية بعد الثورة، ليأتي ويقنعهم بأهميتها، وتحدث عن علاقته بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومدى تدخله في شؤون الحكومة، وحول نواياه لتسليم السلطة، وروى قصة القرض الذي قدمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي أثيرت حوله التساؤلات والشكوك.

وتحدث الببلاوي عن برامج مرشحي الرئاسة المصرية، قائلا إنها عناوين عامة ولا يوجد فيها تفاصيل لتقييمها، مشيرا إلى أن المجلس العسكري يرى ضرورة إنشاء المؤسسات اللازمة لتولي الحكم قبل تسليم السلطة، وأنه يتحرك من منطلق وطني خالص، ويقبل بالحوار والاستماع إلى الطرف الآخر قبل اتخاذ القرار كما حدث بشأن قرض صندوق النقد، وقال إن الاستقلال الاقتصادي للقوات المسلحة موروث من الماضي وسيكون مطروحا للنقاش في الدستور المقبل.

وقال عن علاقة مصر مع بعض الدول العربية، خاصة بعد ما تردد عن تأخر تلك الدول عن الوفاء بوعودها لمساعدة الاقتصاد المصري، إنه ينبغي أن يكون في التعامل مع الأشقاء درجة من الحكمة بدلا من التسرع في اتهامهم، وتهييج المشاعر، وأضاف: «لم أسمع عن شروط من الدول العربية لمساعدتنا، ولكن هناك عدم استعجال».. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف كان القرار السياسي يتخذ في مصر خلال فترة توليك المسؤولية بعد ثورة «25 يناير»؟

- كل مسؤول يتخذ قراره تبعا للمؤسسات التي يرأسها، أنا شخصيا طوال الفترة التي عملت بها في الحكومة كان العمل طبيعيا، اختصاصات الوزير كنت أقوم بها بحرية كاملة، والأمور التي كانت من اختصاصات مجلس الوزراء كان يقوم بها، الأمور التي كانت تتطلب موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كنا نرجع إليه فيها، فلم يكن هناك تدخل من أي جهة في اختصاصات الوزير. ومجلس الوزراء كان يناقش وزراءه بكل حرية ويأخذ قراراته بالأغلبية، لم أشعر بأن هناك قيودا أو ضغوطا، ولكن كانت هناك موانع قانونية، فالوزير ليس حر يده، فهناك اختصاصات وقوانين يسير عليها، ولكن دون ذلك لا أذكر أن هناك ضغوطا سياسية تمنع من أن يمارس الوزير نشاطه.

* هل لديك قناعة بأن المجلس العسكري راغب في تسليم السلطة بشكل كامل؟

- أعتقد ذلك، فالمجلس العسكري تولى المسؤولية في ظرف دقيق، أعتقد أنه يشعر بصعوبة الوضع، في نفس الوقت يرى أنه قبل أن يسلم السلطة يجب أن تكون قد أنشئت المؤسسات اللازمة لتولي الحكم.

* ولكن كثر الحديث عن وجود خلافات بين أعضاء المجلس نفسه حول رؤيتهم لتسليم السلطة؟

- أولا اجتماعات المجلس العسكري لا نحضرها، لكن كانت هناك اجتماعات مشتركة بين المجلس العسكري ومجلس الوزراء، ولم أشعر في أي وقت أن هناك خلافا داخل المجلس العسكري، ولكن كان هناك مناقشة واختلاف في وجهات النظر.

* جئت إلى الحكومة وكان هناك تبن لبعض الآراء حول الابتعاد عن الاستدانة الخارجية، ثم بدأت بعد ذلك المحادثات ثانية للحصول على قرض.. كيف تغيرت الاتجاهات وكيف أقنعت المجلس العسكري بهذا القرض؟

- أنا شخصيا جئت، وكانت هناك شكوك في جدوى الحصول على قروض، وعرضت وجهة نظري بوضوح وبقوة بأن مصر تحتاج لهذا الأمر، وقلت وقتها إنه لا يوجد أي شيء سلبي في المطلق أو جيد في المطلق، وفي هذه المرحلة يجب أن نفتح كل الأبواب ونرى وقتها الشروط، وإذا لم تعجبنا، لا نرضى بها. أعتقد أن قبولهم (في المجلس العسكري) لهذا الأمر دليل على قابليتهم للحوار.. فعندما دخلت كان الاتجاه الغالب هو عدم الحصول على القرض، وفي النهاية وافق المجلس العسكري، فعندما تقدم الحجة بوضوح وبقوة كان يقتنع.

* لكن لماذا تأخر صندوق النقد في إقراض مصر حتى الآن، من وجهة نظرك؟

- لا أعتقد أنه تأخر.. يجب أن لا ننسى أننا كنا مترددين خلال فترة طويلة بشأنه، وعندما أخذت الموافقة على الاقتراض من الصندوق، تم تغيير وزارة وجاءت حكومة جديدة، فالوضع أننا لم نكن حاسمين في موقفنا بشأن القرض. كما أن الصندوق عندما يقرض يطلب من الذي يعطيه تلك الأموال أن يكون لديه برنامج يجعل أوضاعه الاقتصادية تتحسن بعد الحصول على القرض.

* يتساءل البعض بخصوص القرض الذي قدمه المجلس العسكري إلى الحكومة، بقيمة مليار دولار.. ما هي أسباب هذا القرض، وكيف لمؤسسة عسكرية تحصل على مخصصات من الدولة أن تقدم دعما بهذا الحجم إلى الدولة نفسها؟

- هذا بدأ قبل أن آتي إلى الوزارة.. وعندما اتضح الأمر وقتها لرفض قرض صندوق النقد الدولي عرضت القوات المسلحة تقديم مليار دولار للحكومة المصرية.

* هل كان ذلك بغرض الاستغناء عن القروض الخارجية؟

- لم يكن هذا بالضبط، ولكن في الوقت الذي رفض فيه هذا الموضوع، أعيد النظر في الميزانية، وعرضوا المساعدة فتم تقديم هذا المبلغ.

* هل كان هذا المبلغ في صورة منحة أم في صورة قرض؟

- سواء كان قرضا أو تسوية، المسألة ترجع إلى المستقبل، خاصة أن هذا الموضوع من المواضيع التي ستتبلور في الدستور القادم.. فخلال الفترة السابقة كان للقوات المسلحة قدر كبير من الاستقلال في الجانب الاقتصادي، وهذا الأمر مسألة موروثة من الماضي، وبالتأكيد هذا الأمر سيكون جزءا من الترتيبات الموجودة في الدستور القادم.

* وهل ترى أن لديهم (المجلس العسكري) استعدادا لإجراء تغيير في منظومتهم؟

- علاقتي بهم كانت قصيرة ومحدودة في المجال الذي أعمل فيه، ولكن بصفة عامة أرى أنهم يتكلمون بإحساس وطني لمصلحة مصر، وإحساسهم بالطبيعة الخاصة للقوات المسلحة، وما تتطلبه من توفير موارد مستقرة حتى تقوم بدورها، ولكنهم يريدون أن يكونوا جزءا من مجتمع ديمقراطي سليم، هم قابلون للحوار ولكنهم حريصون على أن مكونات الجيش الذي بني خلال سنوات طويلة لا تتعرض كثيرا لأجواء السياسة. أعتقد أنهم يتكلمون بقدر كبير من الحرص وليس على مصالحهم، ولكنهم حريصون على أن يتم توفير كل الضمانات لكي تتمتع القوات المسلحة بكل المقومات التي ستمكنها من القيام بدورها.

* قلت إن حكومة عصام شرف وقعت في خطأ استراتيجي في احتفاظها ببعض الوجوه القديمة.. ما تفسيرك للإبقاء على بعض الوزراء القدامى في حكومات ما بعد الثورة؟

- لا أذكر أنني قلت ذلك، ولكن على وجه اليقين بأن حكومة شرف عندما خرجت من ميدان التحرير، كانت النظرة إليها على أنها حكومة المجتمع الجديد أو حكومة الثورة، وعندما جاءت الحكومة بها عدد كبير من الوجوه القديمة رغم أن منهم من يقدم خدمات جيدة، فإنه كان ينبغي أن تعطي الحكومة انطباعا بأنها مختلفة، وبات النظر إليها على أنها استمرار للحكومات السابقة لما قبل الثورة، وليست لحظة فارقة بين وضع سابق ووضع لاحق. فالوزارة تشكلت في ظروف صعبة، ولا تستطيع أن تشكل فريقا كاملا من وزراء من كافة التخصصات، إلا أنني أؤكد أن كثيرا منهم مشهود لهم بالكفاءة الفنية. كانت (حكومة شرف) تحتاج لأن تعطي انطباعا بأن هناك جديدا وليس استمرارا لوضع سابق، كان ينبغي إعطاء الصورة.. إن هذه لحظة فارقة دون أن يكون هناك انفصال بين الماضي والقادم. إلا أن الانطباع هذا لم يأت بشكل كاف.

* هل تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل سياسي أم اقتصادي، وكيف ترى تعامل الحكومات مستقبلا مع هذا الملف؟

- من الواضح أن هذا الملف به جوانب سياسية، ولكن أيضا بعض جوانبه لا تخلو من المصالح الخاصة، فبعض ما يقال على حسين سالم وغيره يثير الكثير من التساؤلات.. الحقيقة أن الملف يشوبه اتهامات وأقاويل، والحقيقة الكاملة غير معروفة، الملف به درجة عالية من الغموض بما يستوجب مناقشته بأكبر قدر من الموضوعية.

* هل لمست أثناء وجودك في موقع المسؤولية بالحكومة رغبة في تطوير وزارة الداخلية؟

- في كل اجتماع لمجلس الوزراء كان وزير الداخلية يقدم تقريرا عن الأوضاع الأمنية ويؤكد أن عناصره الموجودة في الداخلية تقوم بدورها، وبالتالي الانطباع كان أنه حريص على تطبيق القانون، إلا أن مناقشة هيكلة وتطوير وزارة الداخلية لم تعرض على مجلس الوزراء، فربما نوقش هذا الموضوع بين وزير الداخلية ورئيس الوزراء.

* هناك طموحات كثيرة وكبيرة يطرحها مرشحون لمنصب رئاسة الجمهورية.. كيف تنظر إلى تلك الطموحات؟

- لم أنظر إلى أي برنامج، فكافة البرامج التي يعلن عنها المرشحون، عناوين عامة، ولا توجد تفاصيل لتلك البرامج لكي أعطي رأيا فيها. إلى الآن لا أرى وضوحا كاملا فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية للمرشحين، فالكل يعد بأنه يعطي أصحاب الطموحات سبل تحقيقها، مثل زيادة فرص العمل وتحسين التعليم وتقديم خدمات صحية، كل ما أراه وعودا يتمناها كل الناس، لكن لا يوجد برنامج محدد لكيفية تنفيذ كل تلك الطموحات. والملف الاقتصادي سيكون عاملا حاسما في انتخابات الرئاسة المقبلة، وليست الحالية.. المصريون سيختارون (مستقبلا) على أساس التوجهات الآيديولوجية أو السياسية أو العقائدية.

* ما هو الأسلوب الأمثل لتعامل مصر مع دول العالم الخارجي في هذه الظروف؟

- أولا كل دولة يجب أن تكون حريصة على سيادتها ومكوناتها الرئيسية، لكنني أرى أنه من الخطأ أن نقوم في كل معاملة بإدخال اعتبارات غير سليمة، فعندما تذهب لشراء شيء من أحد المحال، فإن السعر هو ما يربطك به، ولكن لا ترفض مثلا سلعة لأنها تمس كرامتك، فليس من المفترض أن تقحم الكرامة في كل معاملة، هذه حساسية مبالغ فيها، إلا أن هذا لا يمنع أن ندافع عن بعض القضايا المتعلقة بالكرامة، لكن 90 في المائة من المعاملات بين الدول والأفراد، تحكمها المصالح.. ويجب علينا بقدر الإمكان أن نحسب حساباتنا على أساس المصالح والمكسب والخسارة. وإذا كان التعامل ليس في صالحك لا تقبله، فليس هناك داع لإقحام اعتبارات الكرامة والأخلاق في كل شيء، لأن هذا قد يؤثر على تعاملاتك المستقبلية. وكل دولة قادرة على تحديد مصالحها، وعندما تدافع عن مصالحك هناك وسائل كثيرة، لا تقوم كل مرة بتصعيدها، خاصة أنك تتعامل مع دول لا توجد بجوارها بالصدفة، وإنما نحن بجوارهم طوال العمر، ويجب أن تراعي ذلك، وكذلك تعاملك مع الصين والهند وأميركا، باستثناء إذا اعتدى عليك أحد، ينبغي بقدر الإمكان الحرص الشديد على عدم إقحام العناصر العاطفية والتفكير بنضج، وتدافع عن مصالحك، وإذا قلت لا بخصوص أي موضوع، تنتهي المسألة عندها، دون أن يترتب على ذلك أن تحول من تختلف معه إلى عدو، خاصة إن كان لديك مصالح مستقبلية معه، فهذا نوع من التصرف فيه نقص للنضج. فالاختلاف مع أي دولة شيء طبيعي، إنما لا ينبغي أن تثير العواطف. ولو رأينا دول الاتحاد الأوروبي تجد بينهم خلافات شديدة، ولكن لم تجد في مقابل ذلك بأن تقوم كل دولة بتهييج شعبها ضد الشعوب الأوروبية الأخرى، لأنهم يعتقدون أن الوحدة الأوروبية أهم بكثير من الخلافات بينهم..

* ما أسباب تأخر الدول العربية في دعم مصر ماليا، وهل كانت هناك مطالب معينة أو شروط لدعم مصر؟

- لا أعرف.. إنما من الممكن أن يتهمها الفرد بأشياء دون أن يكون لديه أدلة، ومن الممكن أن يفترض حسن النية.. ولكن.. أليس التعامل الاقتصادي يتطلب أن الذي تتعامل معه يكون على درجة من الاستقرار؟ فهل مصر في وضع يعطي انطباعا بالاستقرار الكافي؟ فربما ينبغي أن يكون عندنا درجة من الحكمة مع الأشقاء، بدلا من التسرع في اتهامهم، فلعلك تجد لهم العذر.. فالأمن عندنا غير مستقر، والوضع السياسي الذي نتعامل معه اليوم من الممكن أن ينقلب رأسا على عقب، أليس من المحتمل أنهم يسعون إلى مساعدتنا بعد أن تستقر الأمور..

* هل كانت لهم شروط محددة؟

- لم أسمع منهم شروطا ولا أي شيء، كانت هناك مماطلة فقط، وعدم استعجال ونوع من التلكؤ، ولكنني لم أسمع منهم مطلقا أنهم لن يدفعوا أو لهم شروط مقابل تلك المساعدات. وأتصور أن الوضع الذي نمر به الآن غير طبيعي، قبل اتهام جاري يجب أن أرى ظروفي فمن الممكن أن أكون المقصر..

* الدكتور كمال الجنزوري قال إن بعض الدول وضعت بعض الشروط مثل أخذ قرض صندوق النقد الدولي لكي تبدأ الدول في دعمنا؟ وبعض الأقاويل ظهرت بأن دولا أبدت رغبتها في إقراض مصر بفائدة مرتفعة؟

- أحد المبررات والأسباب التي طرحتها على مجلس الوزراء والمجلس الأعلى (للقوات المسلحة) عندما كنت في الحكومة، لإقناعهم بضرورة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، هو أنه لن يعطينا فقط قرضا، أو موارد جديدة، ولكنه أيضا سيعطي رسالة تطمين للعالم، فهي رسالة من مؤسسة مسؤولة عن اقتصاد العالم تقول من خلالها إنها مطمئنة لمصر.. وبافتراض أن دولا اشترطت الاتفاق مع صندوق النقد فهذا من حقها ولا يعيبها، فهي تطلب شهادة فقط بأن اقتصادنا جيد.

* كيف يمكن لمصر الاستفادة من الدول العربية في دعم اقتصادها؟

- مصر تحتاج إلى استراتيجية اقتصادية عربية طويلة الأجل، ويجب أن نعرف ظروف تلك الدول بالضبط، فعندنا دول عربية نفطية ودول أخرى غير نفطية.. الدول النفطية سيكون لديها فائض في موازنتها لسنوات مقبلة، والفوائض المالية تستخدمها في العالم كله وهذا حقها، ولكن كيف تجعل مصر عاملا جاذبا ومغريا لها.. ويجب أن نضع في اعتبارنا أن تنمية مصر من خلالها لا تنعكس على مصر فقط، ولكن أيضا يجب أن تساعدها التنمية عندنا في استكمال مشاريع، فيجب أن يكون هناك نوع من التنسيق يخدم تجارتها وتساعدها. فعندما تخطط على أساس قرية يختلف عن التخطيط على أساس قريتين. يجب على متخذ القرار والمسؤولين أن يفكروا في أن طريقة بناء مصر بذاتها شيء وطريقة بنائها في إطار المنطقة العربية شيء آخر.

* قلت إن أسوأ ما في الاقتصاد المصري الميزان التجاري؟ فكيف يمكن تقويمه؟

- الميزان التجاري هو الصادرات والواردات.. الواردات لا يمكن أن ننقصها، فكلها أساسية، المسألة أن يكون عندك صادرات حقيقية، فالصادرات في العصر الحديث صناعية.. الرقعة الزراعية بمصر بدأت تضيق، وبالتالي فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نصدره بكفاءة هو المنتجات الصناعية والسياحة. فبالنسبة للسياحة أرى أننا نخطو فيها خطوات جيدة، ولكن القفزة الحقيقية أن يصبح عندنا صادرات صناعية، فيجب أن يكون لدينا استراتيجية صناعية جيدة، ليس معناها أن نستكمل الأشياء التي نستوردها، ولكن يجب التركيز على الأشياء التي نتميز فيها ونطورها، فيجب أن يكون لديك رؤية، وتحالفات مع صناعات عالمية، ندخل من خلالها في تصنيع بعض مكونات الإنتاج، مثل تجربة جنوب شرقي آسيا الذين بدأوا بتصنيع المنتجات البسيطة كثيفة الاستهلاك للعمل، لكنها مطلوبة، ولم يبدأوا مثلا بالأمور الأكثر صعوبة. وهناك صناعات لنا دور كبير فيها وخبرة، مثل الصناعات الدوائية، يجب أن نطورها.. المهم أن يكون لدينا استراتيجية صناعية تكون متصلة بالعالم الخارجي.

* وكيف تقيم أداء حكومة الجنزوري؟

- الفترة قصيرة والوضع صعب، أرى أنهم بدأوا بداية جادة، ثم جاء موضوع بورسعيد، فكانت ردة لهم بعض الشيء.. هناك بعض الأمور.. الحكومة السابقة وافقت عليها، وبدأت حكومة الجنزوري في تنفيذها، سواء فيما يتعلق بالحد الأقصى للأجور أو في تقليص الدعم، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

* هناك بعض المطالب لبعض الاقتصاديين بتخفيض العملة المحلية.. الجنيه أمام الدولار كيف ترى هذا؟

- العملة ينبغي أن تقدر قيمتها بقوى السوق، ولا يمكن لأحد أن يقاوم السوق مدة طويلة، فيجب عدم تحديد العملة عند مستوى صناعي وإنما يجب أن تعكس قوى السوق الحقيقية، ولكن مخاطر التخفيض الآن خطيرة، أولا أننا نتكلم عن العملة في وضع الاقتصاد المصري الذي يعاني من صعوبات، فمن الظلم ربط قيمة العملة بوضع اقتصادي صحيح.. إنه (أمر) سيئ ولكنه استثنائي ومؤقت. صحيح أن هناك حدودا للدعم مثل انخفاض الاحتياطي بدرجة كبيرة، ولكن التخفيض سيؤدي إلى مشاكل اقتصادية لن تقل عن المشاكل الموجودة حاليا. أولا نحن نستورد، وما نستورده هو شيء أساسي، مثل المواد الغذائية والمواد الأولية وقطع الغيار وآلات الصناعة. وعند تخفيض سعر العملة سيرفع مستوى الأسعار وتكاليف الصناعة وكل هذا سينعكس على الأسعار بشكل ضار.. صحيح أنه سيعوض بزيادة الصادرات، ولكن أعتقد أن ضرره أكبر.. الأمر الأخطر هو نفسي، فإذا بدأت الحكومة بتخفيض الجنيه المصري سيزيد قناعة الناس بأن الاقتصاد ضعيف، وأن هذا الانخفاض ليس نهاية الطريق ولكنه بداية لانخفاضات متتالية، ويمكن أن يؤدي إلى نوع من الفزع، وقد تزيد المضاربات على العملة. أرى أنه من الجيد أن يعالج بالحكمة.

* وهل تدعم كل سياسات البنك المركزي؟

- أرى أن البنك المركزي ليس من المصلحة مناقشة سياساته على صفحات الجرائد، فتلك المؤسسة من أدق المؤسسات خاصة في المرحلة الحالية، ومن الظلم أن يتكلم أحد عنها دون أن يكون لديه أسانيد صحيحة وقوية، وليس لي انطباعات، لأن أي إخلال بالثقة في البنك المركزي هو إخلال بالاقتصاد المصري.

* يرى البعض أنه كانت هناك قرارات كنت تسعى لتطبيقها ولم يحالفك الوقت لتنفيذها؟

- لا.. استهدفت لنفسي ثلاثة أشياء، ورغم أنني لم أنته من تطبيقها، فإنه قبل الخروج، كنت على وشك الانتهاء منها، فبدأت مفاوضات صندوق النقد الدولي، وأخذت الموافقة عليه من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى (للقوات المسلحة)، وكذلك وضعت الحد الأقصى للأجور ورفعت دعم الطاقة عن الصناعة.. وهذا ما تتبناه الحكومة في الوقت الحالي وتسير على نهجه.