الناخبون الهنود يلقنون السياسيين الفاسدين درسا

اتجاه منح الصوت للطبقة الاجتماعية بدأ يتراجع.. ووحدها الحكومات ذات معدل التنمية الجيد أعيد انتخابها

هنديات يستمعن إلى ماياواتي خلال تجمع انتخابي الشهر الماضي (أ.ب)
TT

بعث مئات الملايين من الناخبين، في أضخم ديمقراطية في العالم، رسالة قوية إلى سياسييهم: «حققوا لنا النمو، وأعطونا الفرصة ودعونا نشارك في معجزة بلادنا الاقتصادية. وإذا كنتم تسعون للحصول على المال فليكن ذلك بالطرق المشروعة».

وهذه الرسالة أكدتها النتائج الانتخابية التي أعلن عنها الأسبوع الماضي، وبدأ السياسيون استيعابها بشكل تدريجي. وقد ساعدت زيادة عدد السياسيين الذين استوعبوا الرسالة، في تطور وسائل الحكم، كما ساعدت الديمقراطية الهند على النمو، بحسب علماء اقتصاد وسياسيين.

ويقول أرفيند باناغاريا، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا: «الرسالة هي أن الناس يريدون الحصول على شيء، وجزء من هذا الشيء هو النمو». وأضاف أن «الفساد الوقح كان دائما ما يؤثر على الناخب بشكل متزايد. في الهند هناك اعتقاد بأن الجميع فاسدون، وأن الفساد بات مقبولا من الجميع، لكن إذا تحول إلى أمر مفرط، فإن ذلك أمر يؤلم الجميع».

هناك انطباع قديم بشأن الهند، وهي أن الناخبين لا يكترثون إلى حد كبير بأصواتهم لأنهم يصوتون لصالح طبقاتهم الاجتماعية، لكن انقسام السياسات إلى أحزاب قائمة على الطبقات الاجتماعية تبدو صورة ساخرة للديمقراطية، وقد أظهرت إحدى الدراسات أن تصويت الناخبين لصالح طبقاتهم الاجتماعية بدلا من الجدارة، مؤشر على ارتفاع نسبة الفساد بين السياسيين الذين انتخبوهم.

ويبدو أن الديمقراطية تعطي الفقراء القوة للإطاحة بالسياسيين من مناصبهم كل خمس سنوات، ولكن ليس لتحسين حياتهم. إلا أن الهند شهدت ثورة من التوقعات الكبيرة، منذ تحرير الاقتصاد قبل عقدين وبدء النمو في الانطلاق، بحسب باناغاري وزميله الأستاذ في جامعة كولومبيا جاديش بهاغواتي. وكتب باناغاري: «اكتشف الناس من كل المستويات، خاصة الفقراء، أنه على عكس العقود الأربعة الأولى التي تلت الاستقلال، كان التطور السريع في المجالات الاقتصادية ممكنا. ومن ثم فهم يعاقبون الحكومات التي لا تشتغل بشكل جيد، بهزيمة انتخابية، ويكافئون الحكومة التي تشتغل بالنصر».

ويرى كثير من أبناء الطبقة الوسطى هذه الديمقراطية فاسدة وعاطلة إلى حد بعيد، بينما يراها البعض عائقا أمام السباق لمحاكاة الصين. وقد كشفت حركة محاربة الفساد التي اتسعت لتشمل الهند العام الماضي، عن رغبة عميقة في التغيير. وقد تحول البرلمان إلى رمز للجمود أكثر منه للحكم، في الوقت الذي يهدد فيه ارتفاع معدلات الجريمة بين السياسيين وحملات التبرعات غير القانونية، بمزيد من الفساد.

لكن قيمة الفقراء في الهند، حتى القوة المحدودة التي تعطيها لهم أصواتهم، لا تزال تتمثل في الأعداد الكبيرة، في الانتخابات بعد الانتخابات.

وقد ساعدت الديمقراطية الهند التي تضم 1.2 مليار شخص على الاحتفاظ بتنوعها، وبكونها بلدا موحدا منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، وامتلاك مقومات الحصول على مستقبل أكثر إشراقا.

ويقول شيكار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «إنديان إكسبريس»: «لقد تغيرت الهند، والناخبون فيها لم يعودوا مشوشين أو حبيسي النظرة الضيقة من الأحكام المسبقة والولاءات. الناخبون يقرأون الصورة الكبيرة، ولديهم أجندات، ويتابعون إنجازات النائب وما يحمله المستقبل لأبنائهم. ولعل ذلك هو سبب الحصول على نفس الرسالة في كل انتخابات. أصبحت انتخاباتنا تعتمد بشكل كبير على القدرات الفردية». وقد أدرك السياسيون اليوم في الكثير من الولايات أنهم شكلوا تحالفات أوسع نطاقا من الناخبين، تتجاوز حدود الطبقة الاجتماعية أو التوجهات الدينية، لتحظى بفرص النجاح. ويصف براتاب بهانو ميهتا، رئيس مركز أبحاث السياسة، ذلك في مقالة بصحيفة «إنديان إكسبريس» بقوله: «عندما يختار الناخبون السلطة على الحماية، تكون هناك ثورة اجتماعية في صنع القرار». وقال باناغاري: «يبدو أن عامل الطبقة الاجتماعية الذي كان مهيمنا على الانتخابات الهندية في الماضي، آخذ في التراجع».

وتشير نتائج الانتخابات في الكثير من الولايات الهندية، بما في ذلك غوجارات وأوريسا وتشاهاتيغار، إلى فوز الحكومات المحلية التي قدمت معدلات تنمية اقتصادية أعلى من المستويات التقليدية خلال العقد الماضي. وأعيد انتخاب هذه الحكومة للمرة الثانية أو الثالثة. وفي دراسة للانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2009 وجد باناغاري والمؤلف المشارك بونام غوبتا، من المجلس الهندي لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية، أن الأحزاب التي حققت نسبة نمو مرتفعة فازت بـ85 في المائة من المقاعد التي تنافست عليها. أما الأحزاب التي حققت معدلات تنمية دون المعدل الوطني ففازت فقط بـ30 في المائة.

وفي ولاية أوتار باراديش، الأكثر كثافة سكانية والتي يقطنها سدس سكان الهند، تمكنت رئيسة وزراء الولاية (ماياواتي) من تحقيق معدل نمو وصل إلى 7 في المائة خلال السنوات الأولى لها في منصبها. ولكن يبدو أن ذلك لم يقنع الناخبين الذين تمكنوا من إسقاطها في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.

وأشار الاقتصاديون إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى أن معدل النمو كان أدنى من المعدل الوطني، وأكثر بطئا من غالبية الولايات المجاورة، لكن ربما كان الشيء الأكثر إدانة، وهو الصورة التي تضخمت بها ثروة ماياواتي، التي كانت تتلقى مبالغ مالية تصل إلى 1000 روبية من مؤيديها في عام 2010، ويعتقد أن ذلك يتراوح بين 400 ألف دولار ومليوني دولار.

ويشير المحللون إلى أن حزب سماجوادي الذي تمكن من إقصائها من السلطة، قاد حملة أكثر طموحا من نظرائه في الأحزاب الأخرى، ركزت على الوعود بالكهرباء والطرق، بل حتى أجهزة الكومبيوتر المحمولة. وقال رئيس وزراء الولاية الجديد أخيلش ياداوي (38 عاما): «أنا أريد أن أحمل الولاية على طريق الرفاهية». وفي ولاية غوا القريبة من البحر حقق حزب المؤتمر الهندي معدل تنمية قويا، لكنه على الرغم من ذلك خسر مقعد الحكم في الولاية الشهر الماضي، بسبب فضيحة الاحتيال الضخمة في مجال التعدين. وفي الولايات الأكثر فقرا عادة ما تبدو التنمية عامل الحسم في العملية الانتخابية.

ويقول بايجايانت باندا، وهو نائب في حزب بيجو جانتا دال الحاكم في ولاية أوريسا: «التحرر الاقتصادي والتنمية يعطيان القوة للطبقات المحرومة، ويمنحان الفقراء الأفضلية، فالأفراد يستفيدون حقا، وهذه العوامل تجبرنا كسياسيين على التركيز على مطالب الأفراد».

يشير اعتماد حزب المؤتمر، الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط في مساره الذي حددته زعيمته، سونيا غاندي، على برامج الإعانات الاجتماعية الضخمة والمساعدات (بدلا من الإصلاحات الاقتصادية) في محاولة للفوز بأصوات الفقراء خلال الانتخابات الأخيرة في الولاية. ويبدو أن هذه الاستراتيجية قد فشلت إلى حد بعيد. ويقول باندا إن الهند بلد ضخم ومتنوع لا يأتي فيه عيد الغطاس في الوقت نفسه في كل الأماكن، لكن على الرغم من ذلك فإن هناك زخما كبيرا، وسوف نصل إلى نقطة الذروة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما سيسمح للدولة بالتحرك سريعا إلى الأمام.

* خدمة «نيويورك تايمز»