كوفي أنان بين لقاء صدام عام 1998.. ولقاء الأسد عام 2012

ما أشبه اليوم بالبارحة

أنان لدى لقائه صدام حسين عام 1988 (يمين)، وبشار الأسد (يسار) السبت الماضي (رويترز وأ.ب)
TT

ما أشبه اليوم بالبارحة، ففي يوم الأحد 22 فبراير (شباط) 1998 اجتمع كوفي أنان، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة – يومذاك - مع صدام حسين، الرئيس العراقي، في بغداد وكان الهدف من الزيارة يومذاك إقناع الرئيس العراقي السابق الراحل بنزع أسلحة الدمار الشامل المتهم بحيازتها والتخلص منها. وكان ذلك اللقاء الذي استغرق 4 ساعات آخر لقاء بين الرجلين. ولقد روى الصحافي والكاتب البريطاني ويليام شوكروس، الذي رافق أنان في رحلته إلى بغداد، في صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية في عددها الصادر يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2002 أجواء ذلك اللقاء، والطريقة التي تعامل بها صدام مع ضيفه أمين عام الأمم المتحدة.

كما يذكر شوكروس، بعد ساعة من بحث أمور عامة متنوعة بينها مزايا كل من التمر العراقي والتمر الجزائري وتدخين السيجار والدردشة، وقف صدام ووجه كلامه إلى أنان قائلا: «أظن أنه سيكون بإمكانك بحث التفاصيل مع طارق (عزيز، نائب رئيس الوزراء في حينه)». وهذا مع العلم أنه سبق لأنان أن تباحث مع عزيز من قبل لعدة ساعات لكنه – أي الأمين العام للأمم المتحدة – كان يدرك أنه ليس لدى عزيز أي سلطة لاتخاذ قرارات حاسمة. وعلى هذا علق أنان لشوكروس «هذا هو الكابوس الذي كنت أخشاه».

الأمين العام كان يأمل بالتوصل إلى شيء ملموس مع صدام خلال بحث ثنائي بينهما فقط، أما الآن فرأى أن آماله بتحقيق شيء ذهبت أدراج الرياح.

كان أنان قد بدأ حواره بتهنئة صدام على إعادته بناء العراق منذ حرب الخليج، ثم أبلغه صدام أنه خرج على شرفة أحد قصوره ليخاطبه من هناك، وقال: «يا قصر إنك جميل جدا، وستكون خسارة لو تعرضت للتدمير، ولكن إذا حصل ودمرت فإننا لن تكترث لذلك». وبعدما نقل أنان تحيات الرئيس الفرنسي جاك شيراك وتقديره للعراق، خلال توقفه في باريس بطريقه إلى بغداد، رد الرئيس العراقي أنه يقدر حكمة شيراك ودرايته، ومن ثم شكا أمام أنان من الطريقة التي تعامل فيها العالم مع بغداد، وعن الأزمات الإنسانية التي تسببت بها العقوبات، وعن التدخل المفرط للمراقبين الدوليين عن الأسلحة الممنوعة، مشددا على ضرورة احترام كرامة العراق وسيادته. وحسب كلام شوكروس، مع أن كلام صدام كان سلسا بل وودودا، فإنه لم يبد أي تجاوب مع رغبة أنان في مواصلة عمل المراقبين الدوليين، ولهذا السبب كانت تحدوه الرغبة في حوار بينهما وحدهما.

وبعد مناقشات طويلة مع طارق عزيز، التقى أنان صدام ثانية، وخلال اللقاء الثنائي طلب صدام رفع العقوبات، فأجابه أنان «أساسا هذا الأمر بيدك. إذا تعاونت فسترى النور في نهاية النفق. أما إذا أخفقنا في التوصل إلى اتفاق، فإن الولايات المتحدة ستستخدم القوة ولا أحد سيستطيع منعها. هناك حكومات تقول: إنها ستدعمك، لكن ليس بمقدورها الوقوف بوجه الأميركيين».

وبعدما قال أنان لصدام «أنت رجل بنى العراق، ولقد دمر ذات يوم وأعدت بناءه.. أتريد تدميره مجددا؟» شرح له تبعات المواجهة بمزيج من الترغيب والترهيب.

وبعد نحو 3 ساعات من البحث والحوار والتفكير، قال صدام «يبدو لي أنك مصر على حل المشكلة، حيث فشل كثيرون قبلك، الروس والفرنسيون والمصريون والأتراك. إذا نجحت في حلها ستكون انتصرت». فبادره أنان «لا يا سيدي الرئيس، سيكون النصر لك، وإنه قرارك.. في يدك. سيكون نصرا للشعب العراقي».

لكن البحث سرعان ما دخل في نفق العبارات اللفظية ومعانيها، قبل التوصل إلى صيغة توافقا عليها، وبعدها استدعيا المساعدين وبينهم طارق عزيز، الذي طلب منه صدام إقرار الاتفاق. وفي وداع أنان خاطبه صدام قائلا: «أود أن أشكر لك مجيئك شخصيا إلى بغداد. عليك أن تشعر بأنك حر في أن تأتي ساعة تشاء، بل بإمكانك تمضية عطلة هنا، ما لم يكن هذا محرجا لك».

لقاء الأسد أما يوم السبت الماضي 10 مارس (آذار) الجاري، فكان موعد اجتماع تاريخي آخر بين رئيس عربي وكوفي أنان، ولكن بصفته الموفد الدولي والعربي لتسوية الأزمة السورية.

هذه المرة، التقى أنان بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، وكانت الغاية من الاجتماع محاولة التوصل إلى نهاية للعنف الدامي في سوريا في ضوء المأزق الذي بلغته المناقشات داخل مجلس الأمن الدولي نتيجة لـ«الفيتو» المزدوج من كل من روسيا والصين.

الرئيس السوري كان، قبل زيارة أنان، قد أبلغ كل المسؤولين والعرب والأجانب الذين زاروا وتباحثوا معه في وقف القمع الدامي للانتفاضة السورية، وكرر القول - ومعه الإعلام السوري الرسمي - أن «جماعات إرهابية مسلحة» هي التي تقف حجر عثرة في وجه إصلاحاته السياسية وتمارس العنف في هذا السبيل.

كذلك أكد الأسد أمام زواره وفي تصريحاته الإعلامية على التزامه بضرب هذه «الجماعات»، مضيفا إلى ذلك وجود إصرار من «الشارع السوري» على التصدي لها بالقوة.

أنان، المتسلح بـ«المبادرة العربية» وتصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة الداعم لها، طالب الأسد عندما التقاه صراحة بوقف فوري للاضطرابات وبدء مفاوضات بين النظام السوري وقوى المعارضة. ولكن، في غياب مرافق مستقل ينقل أجواء اللقاء، كالعادة، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية في دمشق، ومنها التلفزيون، أن اللقاء الذي استغرق ساعتين «ساده جو إيجابي». وأذاعت وكالة «سانا» الرسمية للأنباء، ومعها التلفزيون الحكومي، أن الأسد أعرب لضيفه عن «استعداد سوريا لإنجاح أي جهود صادقة لإيجاد حل لما تشهده سوريا من أحداث». ولكن الأسد ألقى باللوم بالعنف الحاصل على «الإرهابيين» الذين اتهمهم بالعمل على «تقويض استقرار سوريا». وفي اليوم التالي، على وقع اشتداد القمع الدامي في حمص وإدلب، عقد أنان لقاء ثانيا مع الأسد، وأعلن في أعقابه أنه قدم له «سلسلة مقترحات ملموسة سيكون لها انعكاس حقيقي على الأرض، وستساعد في إطلاق عملية ترمي إلى وضع حد لهذه الأزمة». ومع أن أنان أعرب عن بعض «التفاؤل» فإنه اعترف بأنه «سيكون من الصعب التوصل لاتفاق لوقف إراقة الدماء» وأن الوضع «سيئ وخطير للغاية».