مصادر فرنسية: موقف موسكو «يمكن أن يتغير» عندما يعي الروس أن النظام «يمكن أن ينهار»

المتحدث باسم أنان: باب الحوار مع النظام السوري ما زال مفتوحا

TT

رغم تمسك روسيا بموقفها المدافع عن النظام السوري والمعطل حتى الآن لكل المبادرات المطروحة في مجلس الأمن الدولي، فقد رأت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أن موقف موسكو «يمكن أن يتغير» عندما يعي الروس أن «مصالحهم مأخوذة بعين الاعتبار» وأن النظام «يمكن أن ينهار».

وقالت هذه المصادر إن موسكو «ليست متمسكة بنظام الرئيس الأسد في المطلق، ويمكن أن تتخلى عنه في لحظة ما»، لكنها تربط ذلك بأمرين متصلين: الأول، ألا يتم بضغوط خارجية ظاهرة مما سينظر إليه على أنه «هزيمة روسية» واضحة المعالم تضاف إلى الهزائم الأخرى التي لحقت بالمصالح الروسية وآخرها سقوط نظام العقيد القذافي، والثاني أن يتم رحيل الأسد في «إطار منظم»، مما يفهم منه خروجه في إطار تسوية سياسية تكون نتيجة لمسار سياسي وليس شرطا مسبقا للسير به.

وتتوقع باريس أن تعود المناقشات إلى مجلس الأمن حول مشروع القرار الأميركي التي جمدت بانتظار مهمة المبعوث الدولي - العربي كوفي عنان في دمشق، وترجح استمرار تمسك موسكو بالشرطين اللذين طرحتهما وهما المساواة بين قوات النظام والمعارضة في تحميل مسؤولية العنف وبالتالي التزامن في وقف النار، والثاني حذف أي إشارة لتنحي الأسد أو للمبادرة العربية.

وتعتبر باريس أن النظام السوري «أثبت قدرة على المقاومة والبقاء»، وأن تحرك قواته ميدانيا «يتم وفق خطة محكمة» بحيث إنها تتمكن من الدخول إلى أي منطقة تريد «على المدى القصير». وتنسب باريس نجاحات النظام العسكرية لما يتلقاه من نصائح ودعم إيراني متعدد الأشكال، منه الدعم الاستخباري والدعم الإعلامي والمشورة العسكرية التي لخصتها كالآتي: تطويق المناطق الثائرة، قطع الاتصالات والخدمات عنها، ضرب بؤر المقاومة فيها ثم الدخول إليها وتوقيف أكبر عدد ممكن من الأشخاص وارتكاب ممارسات تكون بمثابة رادع للمناطق الأخرى. ويقوم التحرك العسكري وفق محور جنوب - شمال مع تركيز على الأطراف لمنع قيام مناطق قريبة من الحدود تفلت من سيطرة النظام وتشكل خطرا عليه كنقطة انطلاق وتجمع للمقاتلين ولتدفق السلاح والعتاد والمساعدات الخارجية.

وتتوقع باريس أن تدوم الأزمة «لوقت أطول مما كنا نتوقع» وستكون دموية «أكثر فأكثر». وتنظر باريس بكثير من «التشكيك» إلى الجيش السوري الحر والانشقاقات التي تحدث، وهي ترى أنها «غير قادرة على تغيير الوضع العسكري ميدانيا» بسبب التفاوت الكبير بين قوات النظام والقوات المنشقة أو الأفراد الذين انضموا إليها وهم يفتقدون للسلاح والخبرة على السواء. وبحسب ما قالته المصادر الفرنسية، فإن أصحاب الرتب العليا المنشقين هم في غالبيتهم الساحقة من الطائفة السنية، لكنهم كانوا يفتقدون لإمكانيات التحرك بسبب بنية الجيش. ففي الحالات التي تكون فيها القيادة لسني، فإن معاونه «حكما» من الطائفة العلوية ويتمتع بصلاحيات تفوق صلاحياته.

وتؤكد المصادر الفرنسية أن تسليح الجيش السوري الحر «لن يغير ميزان القوى على الأرض». غير أن لباريس أسبابا أخرى شرحها وزير الخارجية آلان جوبيه أمس في حديث لإذاعة فرنسية. وحجة الوزير الأولى أن التسلح «سيعني قيام حرب أهلية» بسبب التكوين الفسيفسائي للشعب السوري. وقال جوبيه «إذا أعطينا السلاح لفئة من المعارضة فإننا بذلك نكون ندفع لحرب أهلية بين المسيحيين والعلويين والسنة والشيعة، مما سيشكل كارثة أكبر من الكارثة التي نعرفها حاليا».

وفي السياق الدبلوماسي، أفادت مصادر فرنسية، عشية التقرير الذي سيقدمه اليوم المندوب الدولي - العربي إلى مجلس الأمن اليوم، بأن مهمة كوفي عنان «وصلت إلى طريق مسدود» بسبب الرفض السوري للمقترحات التي تقدم بها والتي تتناول وقف العمليات العسكرية والعنف بإشراف دولي وتوصيل المساعدات الإنسانية والتوجه نحو حل سياسي. وبحسب هذه المصادر، فإن الأسد أبلغ عنان بأنه «لن يوقف العمليات العسكرية ما دام هناك من يطلق رصاصة من المعارضة». كذلك ثمة «هوة عميقة» في شكل الحل السياسي، إذ إن دمشق تطلب سحب طلب التنحي الذي تتمسك به الجامعة العربية والدول الغربية من التداول لأنه يعني «تغيير النظام» وهو ما ترفضه روسيا.

ونقلت صحيفة «لوموند» المستقلة في عددها أمس عن مسؤولين في الخارجية الفرنسية لم تسمهم، إن رد دمشق «صدم عنان»، مما دفعه إلى الاتصال بوزير الخارجية الروسي لافروف طالبا منه التدخل لدى الأسد لحملها على «تغيير لهجتها». ولوح عنان بأنه إذا لم تستجب دمشق فإنه مستعد للإعلان أنها هي التي تعرقل مهمته.

وأمس، جددت باريس دعمها «الكامل» لأمين عام الأمم المتحدة السابق، وأشارت إلى أنها «تنتظر الخلاصات والتوصيات» التي سيرفعها اليوم إلى مجلس الأمن.

الى ذلك رفض أحمد فوزي المتحدث باسم كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا الكشف عن أي تفاصيل حول المقترحات التي قدمها أنان للحكومة السورية أو تفاصيل الرد السوري على تلك المقترحات، وقال إن «باب الحوار ما زال مفتوحا، وما زلنا نتواصل مع السلطات السورية حول المقترحات».

وأشار فوزي إلى أن خطة أنان تقترح ثلاث خطوات أساسية؛ هي إنهاء العنف، ودخول المساعدات الإنسانية، وبدء حوار سياسي مع المعارضة، مؤكدا أن أنان يسعى للحصول على إجابات وإيضاحات «ومزيد من الإيضاحات» من الأسد حول أسئلة ما زالت عالقة، وقال: «نستوضح من النظام السوري كيفية التنفيذ على أرض الواقع المقترحات الثلاثة التي قدمها أنان، فهناك نقاط تندرج تحت كل بند من هذه المقترحات حول كيفية التنفيذ والتصور الواضح للعملية». وأضاف فوزي: «نظرا للحالة الخطيرة والمأساوية على أرض الواقع، يجب أن ندرك أن الوقت مسألة حاسمة في هذه القضية».

ويدلي أنان بشهادته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم خلال اجتماع مغلق بالفيديو من العاصمة السويسرية جنيف.

من جانب آخر، توقعت مصادر دبلوماسية بريطانية بالأمم المتحدة أن تكون شهادة أنان عن الأوضاع في سوريا خطوة حاسمة في سعى الدول الغربية لاعتماد مشروع قرار يضمن وصول موظفي المساعدات الإنسانية وموظفي الإغاثة إلى المدن السورية.

وأشارت المصادر إلى محادثات مستمرة بين الدول الخمس دائمة العضوية ودولة المغرب التي تقدمت بمشروع القرار، إضافة إلى محادثات مع الوفدين الروسي والصيني حيث ما زالت الصورة غير واضحة حول إن كانت روسيا ستقبل بمشروع القرار الأممي حول سوريا. وتصر روسيا على أن يتضمن مشروع القرار المطالبة بوقف العنف من كلا الجانبين؛ من الحكومة السورية والمعارضة، وتحميل الجانبين بشكل متساو مسؤولية تردي الأوضاع في سوريا. وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة.

ورجح دبلوماسي أميركي في تصريحات لجريدة «وول ستريت جورنال» أن يستمر الوضع المتأزم حول سوريا على الرغم من شهادة أنان، موضحا أن «استجابة نظام الأسد لا تعد نهائية، والإيضاحات التي يطلبها أنان من الأسد تدور حول الصياغة؛ حيث يراوغ النظام السوري في عبارات ومصطلحات ردوده على المقترحات».