عميد وزراء الجزائر.. في قلب أحداث متسارعة

ولد قابلية زار ليبيا وطمأنها أمنيا والأنظار كلها عليه لتنظيم انتخابات نظيفة

ولد قابلية
TT

برز وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية، منذ أشهر على الصعيدين المحلي والإقليمي بشكل لافت. فقد دفعته المخاطر الأمنية بالحدود البرية الجزائرية المترامية الأطراف (4 آلاف كلم) إلى قلب أحداث كبيرة، كان أهمها على الإطلاق الحرب التي دارت رحاها في ليبيا وإفرازاتها على الجزائر.

أنهى ولد قابلية اجتماعات ماراثونية بطرابلس مطلع الأسبوع الجاري، بمناسبة مؤتمر وزراء داخلية البلدان الحدودية مع ليبيا، زائد المغرب وموريتانيا، والذي بحث تهديدات الإرهاب والفقر والتنمية في المنطقة. وخلال أشغال المؤتمر الذي دام يومين، أطلق ولد قابلية تصريحات فهم منها أن الأزمة بين البلدين التي نشأت خلال الانتفاضة الشعبية ضد العقيد القذافي، طويت نهائيا. فقد تعهد ولد قابلية بأن «تواجه الجزائر، وبكل الوسائل، أي محاولة للتسلل إلى الأراضي الليبية بغرض ضرب استقرار هذا البلد الشقيق، أو المساس بالثورة الليبية».

ومن بين ما قاله وزير الداخلية أيضا: «لا توجد عناصر ليبية داخل الجزائر ترغب في تهديد أمن واستقرار بلد شقيق»، معتبرا أن «المساس بأمن ليبيا يرجع بالتالي على أمن الجزائر نفسها». وأشار إلى أن الجزائر «مصممة وملتزمة باتخاذ كافة التدابير للتصدي لأي شيء قد يزعزع أمن واستقرار البلدين». وأضاف: «لسنا بحاجة إلى مزيد من عدم الاستقرار. فقد عانينا من اللااستقرار والتهديدات الإرهابية التي أثرت على الأوضاع بالمنطقة».

ولم يسبق ولد قابلية، أي مسؤول جزائري في وصف ما جرى في ليبيا أو في تونس أو في مصر، بـ«الثورة». فبالنسبة للحكومة الجزائرية، لا تعدو الاضطرابات التي وقعت بالبلدان الثلاثة، أن تكون غضب شعوب على أنظمة، عجزت عن إشاعة الديمقراطية وخنقت الحريات. ويرى بعض الجزائريين أن كلمة «ثورة» لا تليق إلا بالحرب التي خاضوها ضد المستعمر الفرنسي (1954 - 1962). لذلك عندما استعمل ولد قابلية هذا اللفظ القوي في مفهوم الجزائريين، إنما كان القصد منه التعبير عن رغبة كبيرة في تطبيع العلاقة مع السلطات الجديدة في ليبيا. فالجزائر لم تكن بحاجة إلى جبهة معادية جديدة بالمنطقة، وتفضل أن تركز جهدها وقدراتها على محاربة الإرهاب وتفكيك «القنبلة الطرقية» على حدودها الجنوبية.

واقترح ولد قابلية على الليبيين إنشاء «لجنة» تهتم بتأمين الحدود، وهو نفس شكل التعاون المعتمد مع مالي والنيجر. لكن الوزير اعترف بأن مواجهة خطر الإرهاب والتهريب في شريط حدودي مشترك مع ليبيا، يفوق 900 كلم «مهمة لا يقدر عليها أي جيش في العالم».

وقبل أن يسافر إلى ليبيا، كان ولد قابلية قد دخل في ملاسنة حادة مع غالبية أحزاب المعارضة بسبب التشكيك في نزاهة الانتخابات البرلمانية التي يجري التحضير لها الآن، وستنظم في 10 مايو (أيار) المقبل. فقد اتهمت «لجنة مراقبة الانتخابات» المكونة من الأحزاب، الحكومة بإضافة أعداد كبيرة من أفراد الجيش دفعة واحدة إلى القائمة الانتخابية خارج آجال مراجعتها التي انتهت رسميا في 21 فبراير (شباط) الماضي. واعتبرت ذلك مؤشرا قويا على التزوير. وقالت المعارضة بشكل صريح، إن السلطة ستستعمل أصوات هذا العدد الكبير من العسكريين للانتخاب بدلا عنهم في مقار إقامتهم أو مكان ولادتهم. وبررت ذلك بكون العسكريين لم يتم شطبهم من مقار البلديات التي ولدوا بها، وهو ما يشترطه قانون الانتخاب.

وغضب ولد قابلية من هذه الاتهامات، وقال لوسائل إعلام حكومية إن «الزوبعة التي تثيرها الأحزاب، سببها مالي بحت». وأوضح أن قانون الانتخاب الجديد يمنع دفع التعويض لأعضاء لجنة لمراقبة الانتخابات عكس كل ما جرى في المواعيد الانتخابية، و«لهذا فهم يختلقون الأسباب للاحتجاج». وأضاف: «صراحة لا أعرف سبب كل هذه الضجة، أليس جنودنا مواطنين قبل أن يكونوا أعضاء في الجيش؟ أليس من حقهم التسجيل في القائمة الانتخابية والانتخاب ككل المواطنين؟». أما عن تجاوز الآجال الانتخابية بخصوص التسجيل، فقد بررها الوزير بـ«انشغال الجيش» بمد يد المساعدة لمنكوبي المناطق المتضررة من العواصف الثلجية التي ضربت مناطق عديدة من الجزائر. لكن مبرر ولد قابلية لم يقنع الأحزاب، التي أعلنت أنها «تشتم رائحة التزوير المسبق».

ولد دحو ولد قابلية (اسمه الكامل دحو أزوان ولد قابلية) بطنجة (المغرب) في عام 1933، وهو أكبر أعضاء الحكومة سنا. حصل على شهادة البكالوريا عام 1955، ودرس الحقوق في فرنسا لمدة عام واحد (1956) ثم التحق بحرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في عام 1957. وبدأ مساره كموظف سام في الدولة في 1963 عندما عين واليا (محافظا) على مستغانم ثم واليا بتيارت فتلمسان ثم وهران (الغرب)، ثم سكيكدة (شرق) وأخيرا واليا على الجزائر العاصمة. وأصبح ولد قابلية مطلع عام 2001 عضوا بـ«مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الأولى). وبعد أقل من عام عينه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزيرا منتدبا لدى وزير الداخلية مكلفا بالجماعات المحلية. وظل طيلة 9 سنوات بمثابة الرجل الثاني في الداخلية، بعد الرجل القوي في النظام الوزير ورجل المخابرات السابق، نور الدين يزيد زرهوني، الذي جرده بوتفليقة من كل الصلاحيات، عندما نحاه من المنصب وعينه نائبا لرئيس الوزراء دون أي صلاحية. واستخلف ولد قابلية زرهوني في مايو (أيار) 2010.

ويعاب على ولد قابلية أنه يرفض التقاعد من الحكومة رغم تقدم سنه. وقال عنه الكاتب اليساري هواري لعدي على أعمدة صحيفة محلية، بعد ملاسنة بينهما بشأن قضية تتعلق بحرب التحرير: «لما كان السيد ولد قابلية واليا بوهران كنت أنا تلميذا بالمدرسة. اليوم أنا في التقاعد وهو لا يزال في الحكومة!».

واشتهر ولد قابلية بالخوض في القضايا التي تهم ثورة التحرير والصراع بين قادة الثورة. وكتب مقالات وألقى محاضرات عديدة حول المفاوضات التي أدت إلى الاستقلال، وحول الهيئة التي انتمى إليها أيام الصراع مع المستعمر: وزارة التسليح والاتصالات العامة التي كانت جهاز مخابرات جيش التحرير، والتي خططت في خريف 1958 لتفجير برج إيفل بباريس، على سبيل نقل الثورة إلى فرنسا.