مع حلول ذكرى قيام الانتفاضة السورية، حدثت مقارنات بين الحرب في البوسنة التي استمرت نحو أربع سنوات بين قوات صربية ومسلمة وكرواتية، والتي هزت منطقة البلقان كلها، والوضع في سوريا.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي سيطر مقاتلو المعارضة لفترة قصيرة على أحياء شرقية في دمشق على بعد خمسة كيلومترات فقط من مقر سلطة الرئيس، وكذلك معظم أحياء حمص، ثالث أكبر المدن السورية، وهي مركز صناعي رئيسي.
لكن قوات الأسد توجهت لهذه الضواحي وأزالت نقاط التفتيش التي نصبها مقاتلو المعارضة، واستعادت سيطرتها على حمص بعد قصف بالصواريخ والمدفعية طوال شهر كامل.
عندما اندلعت أولى انتفاضات «الربيع العربي» قبل أكثر من عام كان الأسد يقول بكل ثقة إن حكومته تتواصل بشكل جيد مع الشعب وإنها مستعدة للإصلاح بشروطها وبعيدة عن الاضطرابات التي بدأت تجتاح المنطقة.
وخلال أسابيع اتضح مدى خطئه.. حين انطلقت احتجاجات محدودة في شوارع العاصمة دمشق في 15 مارس (آذار) من العام الماضي للدعوة إلى حريات أكبر، مما أشعل واحدة من أطول وأعنف انتفاضات «الربيع العربي».
لكن في حين أن تلك الانتفاضات أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن، فإن الأسد البالغ من العمر 46 عاما صمد أمام الاضطرابات المستمرة منذ عام، وأرسل الدبابات والقوات والمدفعية للقضاء على الانتفاضة في أنحاء البلاد.
ومع قصف مدينة حمص لإخضاعها في الشهر الماضي والسيطرة على معظم إدلب، وهي معقل آخر للانتفاضة، تحدى بذلك افتراضات كثيرين كانوا يتحدثون قبل أسابيع محدودة عن رحيله الوشيك، حسب «رويترز».
وظل معارضو الأسد يقولون منذ شهور وحتى الآن إن سقوط الأسد مسألة وقت ليس إلا، لكن قوى العالم منقسمة بشدة إزاء كيفية الرد على حملة القمع في سوريا، ولم تساعد الإدانة الجماعية للهجوم الذي شنه جيش الأسد على حي بابا عمرو في حمص في التغطية على عدم وجود استجابة عملية لما يحدث من إراقة للدماء.
ووصف دبلوماسي غربي إغلاق عدة سفارات في دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية بأنه يمثل «تجليا لعجز» الدول التي لم يعد أمامها خيارات في التعامل مع السلطات السورية.
وفي تناقض مع التوجه العام لعاصمة الدولة التي يأتي منها هذا الدبلوماسي - وهي إحدى الدول التي طالبت بتنحي الأسد - قال إن أي حل للأزمة السورية لا بد أن يشمل الرئيس بشكل أو بآخر حتى إذا كان هذا يعني وجود مرحلة انتقالية تجعله «يتنحى في نهاية الأمر».
وأضاف «لا يمكن أن تنتصر المعارضة عسكريا بسبب القوة العسكرية للسلطات والاستعداد لاستخدامها بشكل مكثف ودون تمييز».
وفي ظل غياب التدخل الأجنبي، يشير المعارضون الذين يرون أن أيام الأسد في السلطة معدودة، إلى ثلاثة عوامل ربما تؤدي لهذه النتيجة، وهي: انهيار اقتصادي كامل بسبب الاضطرابات والعقوبات المفروضة على سوريا في مبيعات النفط، أو انقلاب أو موجة من الانشقاقات على أعلى مستوى من الجيش أو النخبة من رجال الأعمال، أو فقدان الدولة للسيطرة على حلب أو دمشق.
وإذا حصل «الجيش السوري الحر» على الدعم كما اقترحت المملكة العربية السعودية وقطر فسيكون القضاء على جيش المعارضة أكثر صعوبة.
ويقول فولكر بيرتيز، مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية «أشعر أن هذا النظام سينهار بطريقة أو بأخرى.. النظام في نهايته بالفعل.. كل المسألة أن النهاية ربما تستغرق وقتا طويلا جدا».
وأضاف بيرتيز أنه في حالة انزلاق سوريا أكثر إلى حرب أهلية فربما يختار الأسد التنازل عن أراض لا تمثل أهمية كبيرة له ويرسل القوات الأكثر ولاء له إلى المدن الحيوية لتطويقها، مثل دمشق وحقول النفط الشرقية ومنطقة الجبال التي يسكنها العلويون قرب البحر المتوسط وميناءي طرطوس واللاذقية.
وتوقع كريس فيليبس من جامعة لندن «تآكلا بطيئا جدا لكل من الدولة والجيش» وانزلاقا تدريجيا إلى صراع أوسع نطاقا.
لكنه قال إن الأحداث في سوريا على مدى العام الماضي خالفت معظم التوقعات الأولى، مما يجعل من الصعب إصدار توقعات للأشهر المقبلة.
ومضى يقول «قبل عام كان الناس يعتقدون أن الأحداث ستسير إلى أحد هذه الطرق؛ إما أن ينهار الأسد بسرعة جدا أو يتم إجباره على جعل النظام أكثر انفتاحا أو ينجح في سحق الاحتجاجات. ولم يحدث أي من هذا».
وأردف قائلا «لم يتوقع الناس بالفعل أن تكون هناك حرب أهلية تشتعل ببطء. لكن هذا ما وصلنا إليه».
وتسبب القمع الشديد الذي قابل به الأسد الانتفاضة، التي تقول الأمم المتحدة إن ثمانية آلاف شخص قتلوا خلالها، في إدانته وعقوبات من دول غربية. وطالبت الدول العربية الأسد بتسليم السلطة، في حين تعثر الاقتصاد وتراجعت قيمة الليرة السورية وانخفضت إلى النصف.