تكريت تشكو التهميش.. وتجد خلاصها في الفيدرالية

سكانها مستاؤون من المالكي واعتقالاته.. وبعضهم يحن إلى أيام صدام

TT

بعد تسع سنوات من سقوط أشهر أبنائها، صدام حسين، أصبحت مدينة تكريت مكانا متداعيا يملأه الغضب، حيث طالب السنّة الذين يمثلون غالبية السكان، والذين يشعرون بعداء الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة، بالحصول على المزيد من الاستقلال.

ولطالما شهدت محافظة صلاح الدين، التي يقطنها غالبية سنية وعاصمتها تكريت، تصاعد التذمر من حكومة حقبة ما بعد صدام حسين. وفي الأشهر الأخيرة، أثارت سلسلة من الخطوات من جانب القيادة السياسية للبلاد وقوات الأمن المزيد من الامتعاض، مما يهدد التعايش بين الطوائف المختلفة في العراق، في مثل هذه الفترة الحساسة التي تمر بها المنطقة. ويقول الناس في هذه المحافظة والمناطق المجاورة التي أغلب سكانها من السنة إنهم تعرضوا لموجة من الاعتقالات والفصل من الوظائف بسبب صلتهم بنظام صدام حسين نهاية العام الماضي. ويضيفون أن التمثيل السياسي للسنة في حكومة بغداد قد ضعف بعد قيام رئيس الوزراء نوري المالكي، زعيم أحد الائتلافات الشيعية، بتهميش دور القائمة العراقية، التي صوت لها معظم السنّة في انتخابات عام 2010.

وفي هذه الحالة من الانقسام الطائفي المتفاقم، طالب مسؤولون محليون نهاية العام الماضي رسميا بإجراء استفتاء حول منح المحافظة وضعا فيدراليا، لإعطائهم المزيد من الصلاحيات فيما يتعلق بالميزانية والأمن، ثم تقدمت محافظة ديالى ذات الأغلبية السنية، التي تقع شرق العراق، بطلب مماثل.

ويقول الشيخ محمد حسين الجبور، الذي ينتمي إلى واحدة من أكبر القبائل: «لقد تم تهميش محافظة صلاح الدين تماما». ويشكو الجبور من طرد آلاف الأشخاص في المحافظة ممن شغلوا مناصب رفيعة في عهد النظام السابق من أعمالهم - ومن المعاملة السيئة للسكان السنة من قبل قوات الأمن الشيعية في المحافظة.

وبدأت الدعوات بمنح المحافظة المزيد من الصلاحيات، التي تمت مناقشتها بشكل متقطع على مدار أعوام، تجذب المزيد من الزخم منذ عام، عندما استضاف القيادي البارز في القائمة العراقية، أسامة النجيفي، اجتماعا لقيادات المحافظات من شتى أرجاء العراق، مشجعا إياهم على مقاومة السيطرة المركزية على حكمهم.

وقالت مارينا أوتاواي، من مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إن هذه الخطوة قد هددت تركز السلطة المتزايد في يد المالكي، وأضافت: «أعتقد أن النجيفي يرى أن معركة المحافظات ساحة الحرب الجديدة لسحب السلطة من يد المالكي».

وفي أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، تم إجبار 100 شخص على الأقل، بما في ذلك أكاديميون عملوا لمدة عقود، على ترك جامعة تكريت، بعد أن قامت لجنة حكومية مكلفة بمنع بعثيين بارزين من شغل مناصب رسمية، بتصنيفهم على أنهم كانوا قيادات في حزب البعث المنحل. وفي الشهر نفسه، تم إلقاء القبض على أكثر من 600 شخص في مختلف أرجاء العراق بتهمة التخطيط لانقلاب ضد المالكي، وكان من بينهم الكثير من سكان محافظة صلاح الدين. وقالت أوتاواي إنه من الصعب تحديد ما إذا كانت تلك الأحداث رد فعل مباشر على خطوة النجيفي للحصول على حكم فيدرالي، أم أنها كانت جزءا من صراع أكبر بين المالكي ومعارضيه. وبعد تلك الحملة من الاعتقالات والطرد مباشرة، طالبت محافظتا صلاح الدين وديالى رسميا بإجراء استفتاء على تطبيق الفيدرالية.

وندد المالكي بتلك الخطوات واصفا إياها بالطائفية، وصرح في التلفزيون العراقي بأن الساسة المحليين في محافظة صلاح الدين يحاولون توفير «ملاذ آمن للبعثيين». ولم تجب الحكومة على مطالبات تلك المحافظات.

وفي حين يسمح الدستور بالفيدرالية، وتعتبر المنطقة الفيدرالية الكردية في شمال العراق آمنة ومزدهرة، قد تستحضر أي خطوة تجاه تطبيق الحكم الفيدرالي في المحافظات السنية شبح الانقسام داخل المناطق السنية والشيعية والكردية. وتم اقتراح خطة مماثلة خلال أسوأ مراحل النزاع الطائفي في العراق منذ خمس سنوات، وأيدها بشدة نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ آنذاك. ومع تزايد وتيرة التوترات الإقليمية، يخشى الكثيرون من أن يؤدي تقسيم العراق في الوقت الراهن إلى ظهور عدد كبير من الفصائل الخطرة في العراق. وقال دبلوماسي غربي في بغداد، رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية هذا الموضوع: «إن أكثر ما يخشاه الجميع هو رؤية العراق مقسما على أساس طائفي».

وعبر الكثير من زعماء القبائل والأكاديميون والأشخاص العاديون في محافظة صلاح الدين، خلال الأسبوع الماضي، عن استيائهم من المالكي ودعمهم المتزايد للحصول على الاستقلال. ويقول أحد الأكاديميين في جامعة تكريت، الذي طلب عدم عن الكشف عن هويته خشية أن يتعرض للطرد من منصبه: «يعتقد الناس أن تبني الأفكار الأصولية سوف يساعدهم على المحافظة على أعمالهم ووظائفهم، والبقاء أحرارا، وعدم التعرض للمزيد من الاعتقالات، والحد من تأثير وتدخل الحكومة المركزية».

على الجانب الآخر، يشعر آخرون بالحنين للماضي، عندما كانوا يحظون بالاحترام. واستعرض مروان ناجي، شاعر ومذيع تلفزيوني، بفخر صورا لأسلاف قبيلته التي تقع بالقرب من تكريت، واصفا دورهم في التاريخ العراقي. وقال مروان إنه اعتاد إلقاء القصائد أمام صدام حسين، وإنه حضر جنازته. وقال مروان: «مهما قالوا عن صدام حسين في وسائل الإعلام، فلقد نجح في الحفاظ على استقرار العراق خلال الكثير من الأزمات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»