استخدام دور العبادة في العمل السياسي يزيد الغموض على ضفاف النيل

قيادات معتدلة حذرت من تكرار تجارب الحكم الديني المتشدد في مصر

مواطن مصري يطل من شرفة منزله التي غطاها ملصق انتخابي يحمل صورة الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، أمس (رويترز)
TT

«نحن من شباب الثورة وحين نحتاج للتخاطب مع الناس نستأجر مقاعد وشادر (خيمة) ومكبرات صوت.. أما قيادات التيارات الدينية، التي كانت تكتفي في السابق بالدعوة الروحية لتعليم الدين، فأصبحت تعمل من داخل المساجد في السياسة. هذا قلب للموازين، ونخشى أن يتطور الاستقطاب والتنافس إلى تصادم بين توجهات التيارات الدينية نفسها».. هكذا يقول الناشط اليساري بمصر حسين عبد البر، ضمن تساؤلات أصبح يطرحها قادة سياسيون ورجال دين معتدلون عن الوضع في هذا البلد المطل على ضفاف النيل.

ويمكن أن يواجه التشدد الإسلامي المتنامي والمتغلغل في بعض أجهزة الدولة المصرية بتشدد مسيحي، خاصة بعد وفاة البابا شنودة الثالث الذي ظل يكبح لسنوات توجهات المتطرفين المسيحيين.

ويقول الدكتور ناجح إبراهيم، منظر الجماعة الإسلامية: «نحن نفرق بين أمرين نظريين: أولا نفرق بين السياسة العامة والسياسة الحزبية.. السياسة العامة هي كل ما يهم الإسلام، وهي كل ما يهم الأوطان، أما السياسة الحزبية فهي كل ما يتعلق بالحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية أو الفئة الفلانية».

وبالتزامن مع تزايد الخطاب السياسي من على منابر دور العبادة، خاصة أيام الجمع ودروس ما بعد المغرب أو العشاء، تقدم دعاة من رجال الدين المنتمين إلى تيارات سياسية، وكذا كوادر من جماعة الإخوان، بطلبات لمحافظي عدة محافظات لتنظيم عمليات توزيع الخبز والغاز على المواطنين، ودخلت قيادات سلفية على الخط، وتقدمت بطلبات مماثلة. ويظهر على الأحزاب الدينية ومرشحيها القدرة الكبيرة على الإنفاق على الدعاية السياسية المختلطة بالدعوة الدينية.

ولا توجد رقابة من الدولة على إنفاق جماعة الإخوان المسلمين، وهي جمعية أهلية تم حلها قبل خمسين سنة، وينتسب إليها رجال أعمال كبار لهم مسحة دينية ويطمحون إلى شغل المواقع الاقتصادية التي كان يشغلها أباطرة المال من النظام السابق. كما يوجد لدى التيارات السلفية علاقات وثيقة الصلة برجال أعمال وبجمعيات دينية أهلية تعمل بشكل رسمي من خلال مساجد تابعة لوزارة الأوقاف. وتقول مصادر وزارة العدل المصرية إن جمعيات دينية تلقت ملايين الدولارات من الخارج، قبل ثورة 25 يناير وبعدها، لكن التحقيق فيها لم ينته بعد.

ويضيف الدكتور إبراهيم، الذي قاد مراجعات فكرية لنبذ العنف في أواخر التسعينات، أن «كل ما يتعلق بهموم الأوطان وهموم الإسلام يدار في المسجد، وكل ما يتعلق بالحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية فليس مكانه المسجد، إنما مكانه في مقر هذا الحزب أو في المؤتمرات العامة».

وظهرت ممارسات لحركات إسلامية أقلقت الرأي العام بمصر منذ العام الماضي حتى الآن، وذلك بعد أن أعلنت تيارات دينية في أول ممارسة حرة للعمل السياسي، أنها ستتخذ من الديمقراطية مطية للوصول إلى نظام ديني صارم لحكم البلاد، مثل ما جاء على لسان القيادي السلفي بالإسكندرية عبد المنعم الشحات، إضافة إلى دعاوى أخرى تعتبر التراث الفرعوني نوعا من الأوثان، والمسيحيين «ذميين يدفعون الجزية»، وفقا لما قاله المرشح المحتمل للرئاسة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.

ويوضح ناجح إبراهيم أيضا أنه «لا يجوز للخطيب في المسجد أن يدعو إلى ذاته ولا أن يدور حول نفسه ولا أن يدور حول جماعته وذاته، ولكن يدور حول الشريعة حيثما دارت ويكون مع الإسلام حيث كان ويكون مع القرآن حيث كان، لأن القرآن والإسلام ليسا في كل الأحوال مع هذا الحزب أو ذاك.. أحيانا يكون معه وأحيانا يكون ضده»، مشيرا إلى أن الأمر «الدعوي الثابت» مكانه المسجد، و«الحزبي المتغير»، مكانه الحزب «الذي قد تضطره الظروف إلى قبول معاهدة مع إسرائيل مثلا، ولكن الإسلام قد لا يرضاها».

والمشكلة كما يراها بعض المراقبين والسياسيين وحتى الدعاة المتنورين في مصر، أن شخصيات دخلت البرلمان وتسعى لرئاسة الدولة المكونة من نحو 85 مليون نسمة، تتعامل مع العالم من منظور ضيق ومقلق أيضا، بدأت من قطع مسلمين لأذن مسيحي في الصعيد، ومرت برفض تعامل بعض سياسيي الحركة السلفية مع غير المسلمين في البلاد، ويبدو أن مثل هذه المواقف الجديدة على المجتمع المصري المتسامح بطبيعته لن تنتهي إلا بمشاكل كبرى، لا قدر الله.

وأطلق شرارة الثورة في الأساس مجموعات من الشبان المصريين يغلب عليهم الطابع الليبرالي واليساري، في وقت كانت فيه التيارات الإسلامية تدعو إلى عدم الخروج على الحاكم، مثل التيار السلفي، أو بالتنسيق مع السلطات الحاكمة على طرق التحرك في الشارع بما لا يؤدي إلى الإطاحة بالنظام، كما فعلت جماعة الإخوان، وفقا لمصادر بالجماعة.

ويضيف إبراهيم: «البعض قد يرى أن فلان الداعية والواعظ مثلا حينما يكون رئيسا للجمهورية، فهذا شيء عظيم، لكنه قد يفشل كرئيس للدولة.. رئاسة الدولة شيء والخطابة شيء. والملا عمر (الأفغاني) كان داعية جيدا وفقيها، ولكنه حينما أدار دولة طالبان حولها من دولة حرة إلى دولة محتلة في ثلاث سنوات.. الدولة لا تقاد إلا بعقلية الدولة».

في أيام الثورة لم يتخيل الشبان المتعطشون للحرية أن رجال الدين يمكن أن يخلفوا مبارك في الحكم.. يقول الناشط عبد البر، من ائتلاف شباب الثورة بجنوب القاهرة التي يوجد بها مجمع الأديان (الإسلامية والمسيحية واليهودية)، إن مصر كدولة متسامحة عبر تاريخها، يمكن أن تنتهي إلى دولة متطرفة تعاني من قلاقل كبيرة بين المسلمين والمسيحيين الذين تبلغ نسبتهم أكثر قليلا من 10 في المائة.. ويضيف: «قمنا بالثورة وركبها الإسلاميون!».

ويشير عبد البر إلى أن استخدام المساجد من جانب «الإخوان» والسلفيين أثناء انتخابات البرلمان في الشهور الأخيرة، وعلى نطاق واسع، غير المعادلة السياسية في مصر، و«أعتقد أن هذا يحدث حاليا في الإعداد لانتخابات الرئاسة». ويستحوذ «الإخوان» والسلفيون، وأحزاب دينية أخرى، على أكثر من 75 في المائة من مقاعد البرلمان، ويعلن قادتهم أنهم يسعون لتطبيق الشريعة.

ويقول عقيد في جهاز الأمن الوطني المصري (أمن الدولة سابقا)، إن نظام مبارك حاصر الدعوة المنفلتة في المساجد من غير الدعاة المتخصصين. ووضعت وزارة الأوقاف منذ سنوات برنامجا لكي تكون جميع المساجد والزوايا الدينية البالغ عددها 120 ألف مسجد وزاوية، تحت سلطة الدولة.

وتزايد بشكل لافت توزيع الكتب التي تكفر الكتاب والأدباء والشعراء والفنانين، في العديد من المساجد بمصر، ويقوم عليها قادة من أحزاب دينية عدة، ومن بينهم مرشحون لرئاسة الدولة.. ويقول العقيد الأمني: «هذا مؤثر، خاصة أن قطاعا كبيرا من الشعب يعاني من الأمية وغياب ثقافة الحوار والاختلاف».

ومن بين الـ120 ألف مسجد، يقول الشيخ فؤاد عبد العظيم، وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون المساجد والقرآن الكريم، إن عدد المساجد الأهلية يتراوح تقريبا من 6 إلى 7 آلاف مسجد، لكنه قال إن هذا لا يعني أنها لا تخضع لوزارة الأوقاف، ويضيف «هذه المساجد (الأهلية) تخضع للوزارة لكن لم يصدر لها قرارات وزارية، لكن لها إشراف وخطيب بمكافأة (مالية، أي غير معين)».

وعما لوحظ من استخدام بعض الدعاة للمساجد في العمل السياسي، سواء عبر الخطب أو الدروس، في العام الأخير، يوضح الشيخ عبد العظيم، بقوله عن هذا الأمر: «هي توجهات ومشاركة المجتمع في أحداث الواقع.. هذا لا يعني أن المسجد أصبح للسياسة وأخذ القرارات السياسية، ولكن (ما يحدث) هو التماشي مع الواقع». ويرد الشيخ عبد العظيم عن استخدام بعض المرشحين للبرلمان والرئاسة للمساجد، بقوله: «نحن نبعد المساجد تماما عن الدعاية الانتخابية، وتوجد تعليمات بهذا صادرة لجميع الأئمة، ونحن نقول للسادة المرشحين ابعدوا عن بيوت الله حتى لا يحدث جدال أو خلافات وحتى نحافظ على حرمة بيوت الله».