أبرز قادة ثورة اليمن لـ «الشرق الأوسط»: على هادي تقديم استقالته لكي يكون رئيسا توافقيا

خالد الآنسي قال إن الانتخابات الرئاسية غير ديمقراطية لغياب التنافس فيها

خالد الآنسي
TT

يرى خالد الآنسي، الذي جاء إلى الثورة الشبابية في اليمن من عالم المحاماة، وبات الأبرز بين قادتها، أن ثمة من يحاول سرقة الثورة وإبعادها عن أهدافها التي انطلقت من أجلها. ويعتبر، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء، الانتخابات الرئاسية التي جرت مهزلة؛ حيث غابت الديمقراطية بغياب المنافسة، وانحصار الخيارات في مرشح وحيد. ويقول إن أحزاب اللقاء المشترك أصبحت اليوم جزءا من السلطة، وإن على عبد ربه منصور هادي التخلي عن بدلته العسكرية ومنصبه الحزبي لكي يكون رئيسا توافقيا. وفي ما يلي نص الحوار..

* أين نحن الآن؟ وهل أنتم، كشباب، راضون عن سير الأمور في البلاد؟

- أعتقد أننا نعيش الآن لحظة ضبابية، وهناك حالة إرباك على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي؛ فثمة شعور لدى الأطراف المختلفة بأن لدى الطرف الآخر شيئا من الحق، وهذا يجعل الصورة غير واضحة المعالم لجهة بروز موقف واحد واضح. ومع ذلك، فإن ما حدث خلال عام كامل كان شيئا عظيما؛ حيث انتقل اليمنيون من ثقافة العنف إلى ثقافة اللا عنف؛ لأن الثورة لم تكن مجرد دعوة لإسقاط نظام علي عبد الله صالح وحسب، وإنما دعوة للخروج من ثقافة العنف. وقد نجحت الثورة في إسقاط مشروع إفراغ الجمهورية من محتواها بإسقاط مشروع التوريث وتحويل اليمن إلى «جملكية». هناك اليوم شراكة صنعتها الجماهير التي خرجت إلى الشوارع، وأعتقد أننا ينبغي أن نكون سعداء بذلك. غير أن هناك مخاوف من أن تحاول جهات سرقة الثورة. لدينا مخاوف من ألا تستطيع القوى السياسية تطويع القوى التقليدية، وبالتالي تتحول العملية إلى محاصصة بين القوى التقليدية مع إعطاء جزء من الحصة لهذه القوى السياسية. ومع ذلك، إن حصل هذا، فسوف يكون مرحليا، لكننا لا نريد أن نمر بتلك المرحلة، بل نريد أن نتخلص من حالة إيقاف الثورة.

* متى بالتحديد نصب خالد الآنسي خيمته في الساحة؟

- يوم 18 يناير (كانون الثاني) كنت في المظاهرات، ونصبنا خيامنا يوم 19 فبراير (شباط)، أي بعد شهر تقريبا، ولم يكن ذلك هو الموعد الذي خططنا لنصب الخيام فيه. كان تفكيرنا أن يتم الاعتصام بعد ذلك بفترة، وأن يكون في شارع الستين أو في التحرير. لكن عندما احتلت قوات النظام التحرير، فكرنا في الستين. كانت حيلة النظام، هي دفعنا للاعتصام في هذه الساحة من أجل محاصرتنا، تمهيدا لاحتواء الثورة والسيطرة عليها في وقت مبكر.

* قيل إن خالد الآنسي وزملاءه لم يخرجوا لإسقاط النظام منذ اليوم الأول، وإنما خرجتم من أجل بعض المطالب الحقوقية والمتعلقة بالإصلاحات السياسية، وقد رفعتم سقف مطالبكم بعد ذلك.. ماذا تقول؟

- على العكس؛ فمنذ اليوم الأول، رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». لم نخرج من أجل قضايا مطلبية، لكننا خرجنا منذ اليوم الأول لإسقاط النظام. لم تكن مشاكلنا تتلخص في انعدام وجود وظيفة أو سواها من الحقوق، بل وجد الكثير من الشباب من أسر مقتدرة لا تعاني أي ضائقة مالية. كنا نبحث عن الحرية والكرامة؛ حيث كنا نشعر بأن اليمني لم تعد له كرامة في بلده أو خارجه.

* عرض الرئيس السابق، مبكرا، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة مع نهاية عام 2011، وأكد أنه لا تمديد ولا توريث، ألم يكن من الأولى توفير الدماء والجهد والطاقة، بالموافقة على مقترحاته بدلا من النهج الذي أدى إلى تأخير الانتخابات إلى فبراير 2012 مع سفك المزيد من الدماء؟

- بالنسبة للدماء التي سُفكت، فقد سُفكت على أيدي أجهزة الأمن والبلطجية الذين يتبعون نظام علي عبد الله صالح. نحن كنا نخرج بالورود والزهور والصدور العارية، وكنا نقابَل بسفك الدماء؛ لذلك فالحديث عن توفير الدماء ينبغي أن يوجَّه للنظام الذي سفكها. النظام منذ أن بدأت الثورة، وإلى الآن، يبني استراتيجيته على كسب الوقت. وقد جربنا الكثير من وعود علي عبد الله صالح. ولو كانت هناك ثقة بنظامه لرجعنا إلى بيوتنا، ولما كنا في حاجة إلى أن نعرض أنفسنا وأسرنا للخطر.

* وهل يقارن علي عبد الله صالح ببشار الأسد أو القذافي؟

- علي عبد الله صالح رجل له وعليه، وأنا أعتقد أن هذه الفترة ليست مناسبة للحديث عمَّا له؛ لأن السلطة لا تزال بيده.

* لكنه سلم القصر الرئاسي وهو رمز السلطة.. سلم القصر للرئيس هادي! - تسليم القصر الرئاسي لا يعني تسليم السلطة، تسليم السلطة يقتضي تسليم أدوات السلطة من قوى الأمن والجيش والإعلام، وهذه كلها لا تزال بيد علي عبد الله صالح، ولا يكاد يكون هادي سوى واجهة، حتى الآن، على الأقل. ومع ذلك فأنا أقول: إن الكثير من الناس قد يقول إن علي عبد الله صالح ليس دمويا كبشار الأسد أو القذافي، غير أننا لو رجعنا إلى جميع الصراعات القبلية، فسنجد أن وراءها علي عبد الله صالح، الذي كان يلجأ إلى التخلص من مناوئيه بخلق مشاكل لهم من دون أن يظهر هو كطرف فيها، وأنا أعتقد أن ذلك أكثر دموية من الأسلوب المباشر في سفك الدماء. صالح لا يلجأ للعنف بشكل مباشر، لكنه يشتري الولاءات ويضعف خصومه السياسيين بطرق مختلفة أشد من العنف المباشر.

* هل كان انضمام جزء من الجيش للثورة عاملا مساعدا أم كان عامل إعاقة؟

- أنا أختلف مع مصطلح الانضمام.

* لكنهم أعلنوا انضمامهم! - هم أعلنوا تأييدهم للثورة، والتأييد غير الانضمام. والخلل الذي حدث في ما بعد أن القوى التي أعلنت تأييدها للثورة تم التعاطي معها على أنها قوى ممثلة للثورة، وقد بدأت تتحدث وكأنها كذلك، مثل كثير من الأحزاب والقبائل والعسكر الذين أعلنوا أنهم مؤيدون للثورة، لكنهم لم يتحولوا إلى الحالة الثورية. مع ذلك، لا شك في أن تلك القوى أنهكت نظام علي عبد الله صالح، ومثلت نوعا من الدعم، وعامل توازن منع النظام من أن يلجأ للقوة على النحو الذي رأيناه في سوريا.

* هل سيلجأ خالد الآنسي إلى إنشاء حزب سياسي؟

- هذه الفكرة عُرضت من قِبل الشباب الغاضبين الذين ينتمون لأحزاب سياسية أو المستقلين. أنا على الصعيد الشخصي لا أميل إلى إنشاء أحزاب سياسية، على الأقل في الوقت الراهن؛ لأن الأحزاب السياسية ضعيفة حاليا، وخروج شباب الأحزاب منها سيزيدها ضعفا في مواجهة القوى التقليدية التي هي أصلا أقوى من هذه الأحزاب. أنا مع أن يتوجه الشباب إلى تكوين تيارات داخل هذه الأحزاب، تؤمن بالتحديث والتجديد، وتسعى إلى أن تكون هناك ثورات داخل هذه الأحزاب لا تشكيل أحزاب خاصة بهم.

* أنت منتمٍ إلى التجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب إسلامي، ومع ذلك تنادي بدولة مدنية.. كيف توائم بين هذا الانتماء والمناداة بدولة مدنية؟

- أولا: أنا ضد القول إن هناك أحزابا إسلامية وأخرى غير إسلامية في مجتمع مسلم كالمجتمع اليمني. نحن لا نتحدث عن المسلم ولكن عن الإسلامي. اليمنيون كلهم مسلمون، لكن ليس كلهم إسلاميين. لا ينبغي أن يحتكر «الإصلاح» شرف تمثيل الإسلام، ثم إن «الإصلاح» أعلن أنه حزب سياسي وليس حزبا إسلاميا. والخطأ في إعطاء «الإصلاح» قدسية معينة من قبل الآخرين، في الوقت الذي هو فيه حزب سياسي كغيره من الأحزاب، يخطئ ويصيب.

* توكل كرمان (الحائزة جائزة نوبل) أبدت طموحا سياسيا ملحوظا، ورغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية في تصريحات للصحافة العربية والعالمية.. هل يطمح خالد الآنسي للترشح لرئاسة الجمهورية؟

- يفترض بنا، كثوار، ألا نكون من أدوات السلطة في الفترة الانتقالية؛ لذلك رفضت الدخول في المجلس الوطني، ورفضت أن أكون في الحكومة، وضد أن أترشح لرئاسة الجمهورية؛ لأننا نريد أن نكرس أن من يقومون بالثورة لا يقومون بها من أجل أن تؤول لهم السلطة. من لديه طموح سياسي عليه أن يؤجل هذا الطموح حتى يعود البلد إلى وضعه الطبيعي.

* «ارحلوا عن شوارعنا»، منظمة شكلها «سكان» ساحة التغيير، وقد تحدث بعضهم للصحيفة عن مضايقات يتعرضون لها بسبب وجودكم في الساحة، مضايقات للعائلات والأطفال، وهناك بعض حالات اعتداء على المارة وتفتيشهم بشكل فظ أحيانا. منعتم الدراسة في بداية العام الجامعي، الثورة نجحت، لماذا لا ترحلون عن الشوارع إذن؟

- بالنسبة لإيقاف الدراسة في الجامعة أنا ضد ذلك؛ لأن وجود الطلاب في الجامعة هو دعم للثورة؛ لأنهم كانوا سينضمون لنا، وبالتالي رفدنا بدماء جديدة. وأنا أعتقد أن قرار إغلاق الجامعة كان خاطئا، ووراءه القوى السياسية. وفي ما يتعلق بالتجاوزات، ففي أي ثورة تحدث تكون هناك بعض الأضرار التي لا يريدها الثوار. نحن تضررنا كغيرنا؛ فقد عشنا تحت المطر وفي البرد، وتركنا أسرنا وأطفالنا ولا بد من دفع الضريبة. أما أولئك الذين يتحدثون عن ضرورة رحيلنا عن الشوارع، فقد كنت أتمنى أن تكون هذه دعوة ذاتية، لكن من يتبنون هذه الحملة تجدهم وكلاء وزارات وضباط أمن، أي أنهم جزء من النظام وليس السكان. ومع ذلك فأنت الآن موجود في الساحة وتستطيع أن تخرج وتجد الناس يمارسون أعمالهم بشكل طبيعي.

* لماذا تعتبر الانتخابات مهزلة؟

- لأنه لم يكن هناك سوى مرشح واحد ولم تكن هناك منافسة.

* هو استفتاء إذن! - ولا حتى استفتاء؛ لأن الاستفتاء يكون بـ«نعم» أو «لا»، وهذا لم يكن الحال في هذه الانتخابات. والأمر الآخر يتمثل في أن الثورة خرجت من أجل الدولة المدنية، فكيف تكون الدولة مدنية ورئيسها رجلا عسكريا برتبة مشير؟! هذا غير ممكن، لقد خرجنا من أجل الديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون وجود تنافس في الانتخابات. أنا أقول إنه تم الغدر بالثورة مرتين، الأولى: من قبل الأحزاب السياسية التي أعلنت تأييدها للثورة في بدايتها، وذلك بمهاجمة الثورة بعد المسيرة التي توجهت إلى رئاسة الوزراء، والتحريض على الشباب، ومنع نصب الخيام هناك، وترك الشباب في العراء 4 ساعات. والطعنة الأخرى هي: حث الناس على التصويت لعبد ربه منصور، باعتبار ذلك جزءا من الثورة، وتكريس جمعة لدعم الانتخابات أطلق عليها «جمعة صوتك ثورة». وبالتالي بدأ الناس يقولون: ماذا تبقى لديكم؟ واستغلت جهات في السلطة ذلك ورفعت شعار «ارحلوا عن شوارعنا».

* متى سترفعون الاعتصام إذن؟

- أعتقد أن القوى السياسية ما زالت تجد في الاعتصام مصلحة لها؛ لذلك فهي لا تفكر، على المدى القريب، في رفع الاعتصام. وحتى عبد ربه منصور هادي، سيجد أن الاعتصام في صالحه لمواجهة بقايا النظام، ومن يريد أن يكون وصيا عليه. وعندما تصل الأحزاب السياسية إلى ما تسعى إليه بالكامل، فأنا أعتقد أنها ستسعى إلى فض الاعتصامات.

* وهل ستفضونها إذا قررت الأحزاب ذلك؟

- القضية حتى الآن غيبية. أحزاب اللقاء المشترك، حتى الآن، لا تريد أن تعترف بأنها أصبحت جزءا من النظام بدخولها في حكومة الوفاق، وهي تعمل على أساس أنها لا تزال تعارض النظام. وكثير من كوادر هذه الأحزاب لا يزال موجودا برغبة هذه الأحزاب. عندما تقول لهم هذه الأحزاب ارفعوا الاعتصام سيرفعون، مثلما كانوا يقولون إنهم ضد المبادرة، لكن عندما وقعت الأحزاب على المبادرة خرج هؤلاء الشباب لتأييد الانتخابات التي جاءت بعبد ربه، وهو جزء من النظام. أعتقد أنه سيحصل فرز في المستقبل، وعلى ضوئه سنرى هل سيرضخ الثوار للأحزاب أم سيواصلون ثورتهم حتى إتمام الأهداف، ويكون الرئيس مدنيا؛ لأنني شخصيا لا أعترف بشرعيته ما لم يتماهَ مع أهداف الثورة. هو الآن رئيس بحكم الواقع الذي فرضته ظروف داخلية وخارجية.

* لكن الملايين صوَّتوا لعبد ربه منصور هادي، فكيف لا تعترف بشرعيته؟

- الناس وُضعوا في ظرف لم يكن لهم فيه سوى خيار واحد سيقوا إليه، بينما جوهر الانتخابات يقوم على حرية الاختيار، وهذا لم يتوافر في الانتخابات الأخيرة. شعب تعرض للحصار على مدار أكثر من عام، على صعيدي الطاقة والغذاء، وهدد بالحرب الأهلية والفوضى، وأغلقت أمامه الأبواب كلها، ثم قيل له ليس أمامك إلا هذا المخرج، فماذا تتصور منه أن يفعل؟! بالإضافة إلى أن لجنة الانتخابات مطعون فيها، والسجل الانتخابي كذلك، وغياب التنافس أيضا. الأصل أن تجرى الانتخابات في جو من عدم الإكراه ماديا ومعنويا، وهذا لم يتوافر كما قلنا في الانتخابات التي جاءت بهادي رئيسا توافقيا. ومع ذلك ليست المشكلة في شخص عبد ربه، إذا استقال من منصبه العسكري لكي يكون رئيسا مدنيا، ومن منصبه الحزبي لكي يكون رئيسا توافقيا. مشكلة الرجل الآن أن الكل يعتبره نصيرا له: المؤتمر يحسبه له، و«المشترك» يقول هو لنا، والقبائل تدعي أنه لها أيضا، والخارج يقول إنه رجله. وبذلك انتهينا إلى بلد تحت الوصاية ورئيس تحت الوصاية. أشخاص ليس لديهم انتماء حزبي، لكنهم يعملون لصالح أحزاب، ربما أكثر مما يعمله منتمون لها.