انتخاب قس مدافع عن حقوق الإنسان رئيسا جديدا لألمانيا

غاوك يتحدر مثل ميركل من ألمانيا الشرقية.. وتمتع بشعبية كبيرة

المشرعون يصفقون ليواخيم غاوك (وسط) بعد انتخابه رئيسا جديدا لألمانيا في برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

انتخب القس السابق يواخيم غاوك، أمس، رئيسا لألمانيا، محققا فوزا كبيرا على منافسته الوحيدة بياتي كلارسفلد. وحصل غاوك (72 عاما) غير المصنف سياسيا، على 991 صوتا من 1231 من الأصوات المصرح بها داخل المجلس الفيدرالي المكلف انتخاب رئيس الجمهورية. والذي يحتل هذا المنصب الفخري يمارس خصوصا سلطة معنوية في البلاد.

وبعد دقائق من إعلان فوزه، أعلن غاوك رسميا أمام المجلس «أقبل هذا التصويت». وأضاف أنه «ليوم أحد جميل»، مذكرا بأنه في مثل هذا اليوم قبل 22 عاما جرت أول وآخر انتخابات ديمقراطية في ألمانيا الشرقية السابقة قبل أشهر قليلة من توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1990. وقال في تأثر باد: «لن أنسى أبدا تلك الانتخابات. لقد انتخبتم رئيسا لا يمكنه التفكير من دون فكرة الحرية».

ويضم المجلس الاتحادي الـ620 نائبا في البرلمان وممثلين عن المقاطعات الإقليمية. وانتخب غاوك الذي ناضل من أجل الحريات في نهاية حكم الاستبداد الشيوعي في ألمانيا الشرقية السابقة، من الدورة الأولى. وكان انتخاب غاوك شبه مؤكد، لأن الأحزاب الممثلة في مجلس النواب متفقة على اختياره، باستثناء حزب اليسار الراديكالي دي لينكي. وكان اليسار الراديكالي يفضل بياتي كلارسفلد (73 عاما) التي ركزت في حياتها على مكافحة النازيين.

وأصبح هذا الاقتراع الرئاسي المبكر ضروريا بعد استقالة المحافظ كريستيان فولف بعد 20 شهرا من ولايته إثر قضية فساد أساءت لصورته وصورة منصب الرئيس.

وقدمت المؤسسات الاتحادية الأوروبية ببروكسل، التهنئة للرئيس الألماني الجديد غاوك. وقال بيان صدر باسم رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو «إن اختيار الرئيس الألماني الجديد، يأتي في وقت تمر فيه أوروبا بتحديات تاريخية ولا بد من التغلب عليها مثل أزمة الديون الحكومية والضغوط التنافسية بسبب العولمة مما يشكل اختبارا لنا جميعا أمام المواطنين الأوروبيين».

يتمتع الرئيس الجديد لألمانيا غاوك بسلطة معنوية كبيرة لتولي منصب أضرت به فضائح دفعت سلفه إلى الاستقالة. ويتحدر هذا الرجل المتبسم دائما الذي يتحدث بصوت منخفض، من شمال شرقي ألمانيا، مثله مثل المستشارة أنجيلا ميركل، التي هي أيضا ابنة قس. ولد غاوك في يناير (كانون الثاني) 1940 في روستوك (شمال شرق) واختار أن يصبح قسا في الكنيسة اللوثرية في ألمانيا الديمقراطية التي كانت الكنائس فيها تتمتع بهدوء نسبي.

وفي سيرته الذاتية «الشتاء في الصيف والربيع في الخريف» التي صدرت في 2009، تحدث عن عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي لأشهر من قبل الشرطة السياسية الألمانية الشرقية (شتاسي)، التي شهدها في عهد الشيوعيين. ووالده نفسه أوقف وحكمت عليه محكمة عسكرية سوفياتية بالسجن 25 عاما عندما كان غاوك طفلا. وقد أمضى عدة سنوات في أحد المعتقلات في سيبيريا.

استخدم غاوك موقعه كقس للدفاع عن حقوق الإنسان. وفي 1989 عندما بدأت المظاهرات التي أدت إلى انهيار جدار برلين في نوفمبر (تشرين الثاني) أصبح الناطق باسم مجموعة المعارضين في «المنتدى الجديد» في روستوك. وقد اختير في الثالث من أكتوبر 1990 لتولي رئاسة الهيئة التي كلفت إدارة ملفات الشرطة السياسية لألمانيا الديمقراطية. وشغل غاوك هذا المنصب 10 سنوات وأصبح رمز الجهد الألماني ضد النظام الديكتاتوري الشيوعي السابق. وهذا ما جعله عدو اليسار المتطرف الممثل في حزب دي لينكي الذي يشعر معظم أعضائه بحنين إلى ألمانيا الديمقراطية السابقة.

ويصف غاوك نفسه بأنه «محافظ من اليسار الليبرالي» و«وطني متنور». وقبل أسابيع من الانتخابات، كان غاوك يتمتع بشعبية كبيرة، حتى إن مجلة «دير شبيغل» كتبت على غلافها «رئيس أفضل». ولقي غاوك تأييد الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، واضطر مرشح الأغلبية كريستيان فولف الذي واجه تمرد بعض نواب حزب ميركل، حينذاك لخوض دورة ثالثة فاز فيها. وبقي غاوك منذ ذلك الحين «رئيس القلوب». ودفعت استقالة فولف بعد فضيحة تتعلق بهدايا تلقاها من أصدقاء أثرياء ومحاولات قام بها لترهيب الصحافة، غاوك إلى الواجهة من جديد.