المكسيك تتحول إلى بلد طبقة وسطى.. بامتياز

ازدهار مدن توفر الهدوء وفرص العمل لملايين الفارين من الفقر ومناطق المخدرات

شبان يجلسون قرب مركز تسوق يدعى بلازا ريو، بمدينة تيجوانا في المكسيك (واشنطن بوست)
TT

تتجه الطبقة الوسطى المتماسكة، رغم قلقها، بخطى حثيثة لتصبح الغالبية في المكسيك، مساهمة بذلك في كسر ثنائية الفقراء والأغنياء، في إطار تحول ديموغرافي عميق سيكون له تأثيرات طويلة المدى هنا. ورغم أن صورة البلاد التي يعاني مواطنوها من الاضطهاد من قبل قلة من الأثرياء ما زالت تسيطر على تفكير الكثير من المكسيكيين وجيرانهم في الشمال، يتزايد أفراد الطبقة الوسطى الذين يملأون المتاجر التابعة لـ«وول مارت» ويقودون سيارات «نيسان» ويستخدمون البطاقات الائتمانية. ولا يشعر الأفراد، الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، بالقلق من حصولهم على قوت يومهم، بل على العكس من ذلك يشعرون بالقلق بسبب تناول أبنائهم لكميات كبيرة من الطعام.

ويقول لويس دي لاكال، خبير الاقتصاد ووكيل وزارة التجارة السابق في الحكومة المكسيكية، الذي شارك في إعداد تقرير جديد بعنوان «المكسيك: مجتمع الطبقة الوسطى.. اختفاء الفقراء والتنمية الكاملة»: «يصعب على الكثيرين تقبل فكرة تحول المكسيك إلى دولة من الطبقة الوسطى، وهو ما يعني انتفاء كل الأعذار. علينا أن نبدأ التصرف كدولة طبقة وسطى». لم تعد الصورة النمطية للمكسيك مهاجرين غير شرعيين يتكالبون على يوم عمل خارج «هوم ديبوت» في فينيكس، فمكسيكي الزمن الحالي هو شخص منشغل ويتسوق من أجل إقامة حفل شواء داخل «هوم ديبوت» في مدن مكسيكية مزدهرة مثل كويريتارو.

وقد كان فوز الرئيس فيليب كالديرون، المنتمي إلى حزب التحرك الوطني (يمين وسط) عام 2006 على عمدة ميكسيكو سيتي الذي ينتمي إلى تيار اليسار، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بفارق بسيط بفضل الطبقة الوسطى. وخلال الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو (تموز) المقبل سيعود المركز الاقتصادي المتنامي ليكون العامل الحاسم، على حد قول محللين سياسيين ينتمون إلى أكبر ثلاثة أحزاب في البلاد. وتتسم الطبقة الوسطى في المكسيك بالتنوع وتنتمي إلى الأحزاب السياسية الكبرى التي يعد أعضاؤها معتدلين من الناحية الاجتماعية ومحافظين من الناحية المالية، وينتقدون بشدة الوعود السياسية ويخشون خسارة ما حققوه من مكاسب نتيجة أزمة مالية أو ثورة اجتماعية مثل التي شهدتها المكسيك في فترة التسعينات.

يقول غابرييل بولين، وهو شاب عمره 30 عاما ويقيم في مجمع سكني في حي جديد في كويريتارو: «لا تريد الطبقة الوسطى في هذا البلد خسارة ما حققته من مكاسب». وعلى الطاولة التي يجلس عليها توجد نسخة إسبانية من رواية «فاونتينهيد» لآين راند، وهي من الكتب الأساسية التي يقرأها أفراد الطبقة الوسطى إلى جانب مجموعة أسطوانات «دي في دي» لمسلسل «رجال مجانين».

يقيم أكثر أفراد الطبقة الوسطى في المكسيك في المرتفعات الوسطى في المدن الصناعية الصاخبة التي تشبه إلى حد ما المدن الحدودية المتاخمة لنهر ريو غراند أو المدن التي تعد مقصدا للسياح مثل كانكون. تضم كويريتارو، عاصمة ولاية مشمسة متأنقة ويسكنها مليون شخص وتقع على مسافة ساعتين من ميكسيكو، ضواحي جديدة ومناطق صناعية تمتد عبر مزارع الصبار وترحب بموجات من الأسر المكسيكية الطامحة التي تجذبها فرص العمل والأمان في تلك الأحياء. وقد قدم بعض السكان الجدد هربا من عنف معارك عصابات المخدرات في مدن الشمال مثل مونتيري، حيث يشعر أفراد الطبقة الوسطى بخطر التعرض للاختطاف والابتزاز والقتل العشوائي.

وعلى الجانب الآخر تعد كويريتارو ملاذا هادئا نسبيا، وهي تتميز بالطقس المشمس الذي يمكنك من رؤية نيومكسيكو التي يبلغ عدد ساعات العمل فيها أسبوعيا 60 ساعة، ومتاجر «كوستكو» الصغيرة والأكاديميات التي تعلم اللغة الإنجليزية لمن هو في الرابعة عشرة من العمر. ثم إنها المكسيك التي يدفع الناس فيها تذاكر سينما قيمتها 5 دولارات، وهناك قائمة انتظار طويلة على ملاعب التنس العامة. كما أنها البلد الذي تحققت فيه أحلام اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وعززت استثمارات أجنبية تقدر بالمليارات قطاع صناعة الطائرات بدعم من شركات مثل «بومباردييه أيروسبيس» و«جنرال إلكتريك» و«سيمنز».

وفي الطرف الشرقي من كويريتارو تتولى شركات تنمية عقارية إنشاء وحدات سكنية جديدة، المجتمع العمراني المثالي الذي يتسع لـ150 ألف شخص. وسيكون هذا التجمع السكني مغلقا ويحرسه أفراد أمن خاصون، وفيه سيتم استخدام تقنية التعرف على الهوية من خلال الوجه للسماح بدخول السكان. ومع ذلك فإن الأثرياء ليسوا الفئة السكانية المستهدفة من هذا المشروع، بل الطبقة الوسطى، على حد قول مسؤول المبيعات في المشروع، ميغويل فيغا، وهو يشير إلى نموذج مصغر من وحدات سكنية بأسعار متوسطة وممرات مخصصة للدراجات وأشجار ومراكز تسوق. ويوضح قائلا: «إنه مجتمع متكامل لا إقصائي، فنحن نحاول أن نتيح للجميع مستوى معيشة مرتفعا».

ويرى فيغا أنه لا يوجد شيء يحقق ذلك أكثر من هذا المشروع السكني الذي يضم ملاعب غولف بـ18 حفرة مع أكاديمية لتعليم الغولف. وهناك عزم على تنظيم دروس في السلوكيات وقواعد المدنية، ومنها الحد من اقتناء الحيوانات الأليفة والضوضاء والتخلص من المواد القابلة لإعادة التدوير، وهي قواعد اجتماعية نادرا ما تهتم بها المجالس البلدية في المكسيك. وشعار ذلك التجمع السكني هو «حين يصبح المستحيل ممكنا».

من الصعب تحديد شكل وحجم الطبقة الجديدة من مشتري المنازل. وينتمي إلى الطبقة الوسطى في المكسيك 114 مليونا تقريبا، وإن كانت الإحصاءات غير دقيقة تماما وتستند إلى عائدات الضرائب. ويرى الباحثون في الدول النامية مثل الهند والصين والمكسيك أنه يمكن تعريف الطبقة الوسطى بمدى استهلاك أفراد الطبقة الوسطى، لذا يمكن النظر إلى الأسرة التي تمتلك منزلا به ثلاجة ولديها سيارة وعدد من الهواتف الجوالة من الطبقة الوسطى، حتى وإن كان ما يحصلون عليه من دخل يجعل منهم فقراء بؤساء محرومين في واشنطن. ومن المعايير الأخرى التي يمكن أن تحدد أفراد الطبقة الوسطى هو الإدراك، فإذا كنت تعتقد أنك تنتمي إلى الطبقة الوسطى فأنت كذلك حقا. وأوضح مسح أجراه جورج بوينديا، الباحث المستقل، في فبراير (شباط) الماضي في المكسيك أن 65 في المائة من المكسيكيين يصنفون أنفسهم كأفراد ينتمون إلى الطبقة الوسطى مقابل 27 في المائة يصنفون أنفسهم كأفراد ينتمون إلى الطبقة الدنيا، و2 في المائة يصنفون أنفسهم كأفراد ينتمون إلى الطبقة العليا.

وقال ويلي أزاركويا، مؤسس إحدى الشركات البحثية الصغيرة: «إذا نظرت في محفظة أحدهم ستظن أن المكسيك لا تحقق تقدما سريعا»، في إشارة إلى إجمالي الناتج المحلي السنوي الذي يتراوح بين 2 و3 في المائة ويعد ثابتا لكنه ليس كبيرا. ويضيف أزاركويا: «يعتقد الناس أن بمقدورهم القيام بهذه الإنجازات الآن، وهذا هو الفرق. إنه التغيير في المواقف والقناعات».

ويعترف أزاركويا بوجود فقراء في المكسيك حتى هذه اللحظة، وتتراوح نسبتهم بين ربع ونصف السكان بحسب الإحصاءات. وقد ارتفعت نسبة الفقر قليلا عقب الأزمة المالية عام 2008، لكن سرعان ما عادت الطبقة الوسطى إلى مسارها، وهو ما يؤكده الخروج الجماعي من دائرة الفقر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»