أميركا تعجل تطوير «أسلحة الإنترنت»

نذر المواجهة مع إيران نبهت البنتاغون إلى أهمية تعطيل شبكات الاتصال المعادية

TT

يعمد البنتاغون، حاليا، إلى تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى تطوير جيل جديد من أسلحة الإنترنت لديه القدرة على تعطيل شبكات الاتصال العسكرية المعادية، حتى عندما تكون تلك الشبكات غير متصلة بالإنترنت، وذلك بحسب مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.

وقد نبهت احتمالية حدوث مواجهة مع إيران وسوريا خبراء المؤسسة العسكرية الأميركية إلى قيمة أسلحة الإنترنت، التي يمكن استخدامها ضد عدو لا تعتمد أهم أهدافه، مثل أنظمة الدفاع الجوي، على شبكات الاتصال عبر الإنترنت. لكن ضبط تلك الأسلحة الإلكترونية وتعديلها قد يستغرقان شهورا أو حتى سنوات من العمل الفني الشاق.

وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون: إن خبراء التخطيط العسكري الأميركي، وهم يبحثون عن سبل لتعطيل منظومة الدفاع الجوي لليبيا قبل بدء الهجمات الجوية لحلف الناتو العام الماضي، ناقشوا إمكانية استخدام تكنولوجيا الإنترنت، لكن الفكرة سرعان ما رُفضت لأن أيا من الخيارات الفعالة لم يكن متاحا.

وكان من المقدر أن يستغرق تصنيع سلاح إنترنت عاما كاملا، بما في ذلك الوقت اللازم لتقييم أوجه الخلل في منظومة الاستهداف. ويقول مسؤول أميركي سابق، طلب عدم ذكر اسمه؛ نظرا لحساسية تلك المعلومات: «لم نكن جاهزين للقيام بذلك في ليبيا، والآن أيضا لسنا جاهزين للقيام بذلك».

ومن أجل التعجيل بعملية تطوير أسلحة الإنترنت، وكذلك التكنولوجيا الدفاعية، قام ويليام لين، نائب وزير الدفاع آنذاك، والجنرال جيمس كارترايت، نائب قائد هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأميركي، بتخصيص مبلغ 500 مليون دولار على مدار 5 سنوات لميزانية «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وهي إحدى المؤسسات البحثية الرئيسية التابعة لوزارة الدفاع.

كما أطلقت الوكالة مبادرات جديدة لتطوير أسلحة الإنترنت، ومن بينها برنامج ذو مدى زمني قصير. وقد ذكر كيغام غابرييل، نائب مدير «داربا»، في شهادته التي أدلى بها أمام الكونغرس الشهر الماضي: «نحتاج إلى خيارات إلكترونية يمكن تطبيقها من حيث السرعة والمدى ومعدل الإنجاز».

وفي الأثناء نفسها، يعكف مسؤولو البنتاغون، بتكليف من الكونغرس، على وضع استراتيجية من أجل الوصول سريعا إلى أسلحة إنترنت يمكنها مجاراة التهديدات والتكنولوجيا الراهنة.

ويجري المسؤولون أبحاثا لتطوير أسلحة إنترنت يمكنها استهداف المنظومات العسكرية أثناء عدم اتصالها بالإنترنت، وذلك بتسخير التكنولوجيا الناشئة التي تستخدم الإشارات اللاسلكية في إدخال شفرات الكومبيوتر عن بعد إلى شبكات الاتصال.

يقول جويل هاردنغ، مستشار مستقل وعسكري سابق ومدير «معهد العمليات المعلوماتية» سابقا: «للتأثير على منظومة ما، لا بد أن تكون لديك القدرة على الدخول إليها، ونحن لم نبلغ تماما القدرة على الوصول إلى أي منظومة نريدها واختراقها أثناء عدم اتصالها بالإنترنت».

ويضيف أنه حتى لو نجح أحد الخبراء الفنيين في الدخول إلى منظومة ما «إذا لم تكن لدينا الشفرة الخاصة بتلك المنظومة، فأغلب الظن أنه لن يكون لدينا سلاح للقيام هذا؛ لأن كل منظومة لها برمجيات وتحديثات مختلفة».

وفي بعض الحالات، كما في نُظم القيادة والسيطرة، تعتمد الأصول العسكرية على الاتصالات عبر الإنترنت، مما يجعل من الأسهل نظريا استهدافها.

ومن دون ذلك الاتصال، سيتعين على المهاجم الاعتماد على وسائل أخرى - كوضع أجهزة محمولة مثل «الفلاش ميموري» أو مكونات كومبيوتر تم تبديلها في تلك النظم. لكن الخبراء يقولون إن هذه الطرق تنقصها القدرة على التحكم والتنبؤ، التي يريدها القادة العسكريون.

ويصل حجم إنفاق البنتاغون الذي تم الكشف عنه على أمن الإنترنت وتكنولوجيا الإنترنت - سواء الهجومية أو الدفاعية - إلى 3.4 مليار دولار للعام الحالي، وقد تم سنة 2010 إنشاء قيادة العمليات الإلكترونية الأميركية، التي تقع في فورت ميد، ووصلت ميزانيتها هذا العام إلى 154 مليون دولار.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن أسلحة الإنترنت التي يتم تصنيعها حاليا ستكون لديها إمكانية تعطيل مكونات أي منظومة أسلحة، إلا أنه من المستبعد أن تتمكن من تدمير المنظومة نفسها.

ومن الممكن استعمال أدوات الإنترنت بالتوازي مع تكتيكات وأسلحة أخرى؛ حيث يمكن لتكنولوجيا الإنترنت مثلا أن تفيد في تنفيذ هجوم ما عن طريق تأخير اكتشاف العدو لذلك الهجوم إلى أن يبدأ بالفعل.

يقول الفريق تشارلز ديفيز، قائد «مركز النظم الإلكترونية» بقاعدة هانسكوم الجوية، الذي يتولى شراء الأدوات والبرمجيات التي تدعم أنشطة الإنترنت الدفاعية والهجومية للقوات الجوية الأميركية: «لن يكون هناك في الغالب مجرد هجوم إنترنت منفرد على شبكة اتصالات».

وأثناء إحدى مناقشات مؤسسة «مجلس الأطلنطي» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال الجنرال مارتن ديمبسي، قائد هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأميركي: إن تكنولوجيا الإنترنت لم تكن عاملا مهما في العمليات العسكرية منذ 10 سنوات «لكنها أصبحت اليوم عاملا رئيسيا».

وأثناء موجة الزيادة الهائلة في قوات الاشتباك الأميركية في العراق سنة 2007، استخدمت وكالة الأمن القومي أدوات الإنترنت للتشويش على إشارات الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر المحمولة التي كان المتمردون يستخدمونها لتنسيق ضرباتهم، بحسب تقارير نشرت سابقا وأكدها مسؤولون أميركيون سابقون. وقد استخدم خبراء الإنترنت الأميركيون تلك التقنيات لخداع العدو بمعلومات خاطئة؛ حيث تمكنوا في بعض الحالات من استدراج المسلحين إلى كمائن أعدتها القوات الأميركية.

لكن مواجهة الدفاعات الجوية الليبية كانت أمرا مختلفا؛ حيث بدأت العمليات سريعا، في ظل فشل المسؤولين في التنبؤ باندلاع الثورة ضد رجل ليبيا القوي، معمر القذافي، ضمن سلسلة ثورات الربيع العربي، ولم يتم القيام بأي عمل استخباراتي أو هندسي لاستغلال نقاط الضعف في منظومة الدفاع الجوي الليبية.

يعتقد بعض الخبراء أن إسرائيل ربما تكون قد استخدمت أسلحة الإنترانت لتضليل الرادارات السورية قبل قصف المنشأة النووية المشتبه بها في سبتمبر (أيلول) 2007، لكن الكثير من المسؤولين الأميركيين يرون أن التقنية التي استخدمت على الأرجح كانت حربا إلكترونية تقليدية أو التشويش على الرادار باستخدام الإشارات المنبعثة من طائرة.

ويرى أحد الخبراء أن فيروس «ستوكس نت»، الذي نقلت الأنباء قيامه بتعطيل نحو 900 جهاز طرد مركزي في منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية في عامي 2009 و2010 - على الرغم من وصف رالف لانغر، خبير أنظمة تحكم، للفيروس بأنه أول رأس حربي رقمي - افتقر إلى الدقة والقدرة على التنبؤ والتحكم، حتى إن قائدا عسكريا لن يحتاجه خلال القتال.

وقال المسؤول العسكري السابق: «إذا كنت أحاول تحطيم الدفاعات العسكرية، ينبغي عليَّ أن أعرف تماما ما سيحدث عندما يحدث. إنه أسلوب مختلف بشكل جوهري عن أسلوب عمل (ستوكس نت)».

وقال غابرييل في شهادته مؤخرا أمام لجنة الخدمات المسلحة الفرعية في مجلس النواب الأميركي حول التهديدات الناشئة والقدرات: «إن وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة تخطط للتركيز على زيادة حصة أبحاث الإنترنت الخاصة بالقدرات الهجومية للتعامل مع متطلبات عسكرية محددة».

وخلال العقد الماضي، كانت هناك بعض المواقف التي تم التفكير في استخدام أدوات الإنترنت بها، لكنها لم تُستخدم بسبب المخاوف من أن تؤدي إلى خسائر جانبية؛ فعلى سبيل المثال، ناقشت وكالتا الاستخبارات والدفاع استخدام تكنولوجيا الإنترنت لتجميد الأموال في حسابات الديكتاتور صدام حسين المصرفية قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2003 لمنعه من تعزيز دفاعاته، أجهضت الخطة بسبب المخاوف من إمكانية أن تعطل هذه الهجمة عبر الإنترنت الأنظمة المالية في أوروبا وخارجها.

ربما يقتصر استخدام أسلحة الإنترنت في مناطق الحرب على اعتبارات أخرى؛ فهناك خطر الأضرار الجانبية للنظم المدنية، مثل تعطيل إمدادات الكهرباء إلى المستشفيات، فما إن تطلق شفرة حاسب مدمرة، يمكن عكسها هندسيا وإرسالها مرة أخرى إلى أهداف أميركية ضعيفة أو مصممة للاستخدام من قبل وكالات تجسس أجنبية؛ فتكنولوجيا الإنترنت ليست على الدوام الوسيلة الأكثر كفاءة لمهاجمة هدف، وأحيانا تكون القنابل أو الحرب الإلكترونية أسهل وأكثر جدارة.

في البنتاغون، هناك الكثير من الأموال التي تنفق على الدفاع ضد هجمات الإنترنت أكثر من الاستعداد لشن عمليات هجومية؛ فهي، بحسب رأيهم، الوسيلة المثلى عندما يحاول الخصوم تطوير أسلحة إنترنت مشابهة لاستخدامها ضد أهداف عسكرية أميركية ربما لا تكون آمنة ضد الهجوم وعندما تتعرض شبكات البنتاغون للفحص آلاف المرات بصورة يومية.

ويعتقد البعض أن المزيد من الأموال ستنفق على تطوير أسلحة إنترنت؛ فقال كارترايت: «يجب أن تبدأ في الاستثمار في الجانب الهجومي». ويشير المسؤولون إلى أن إنفاق البنتاغون على التكنولوجيا الإلكترونية آخذ في التزايد في الوقت الذي يقلص فيه من نفقاته في جوانب أخرى.

يقول آشتون كارتر، نائب وزير الدفاع، في مؤتمر كريديت سويس وماك آليسي وشركائهما للدفاع، الذي عقد بولاية فيرجينيا هذا الشهر: «ما زلت غير راض إلى حد بعيد عن موقفنا الحالي في فضاء الإنترنت. يمكنني القول إننا سننفق المزيد، عندما يتبين لنا الوجه الذي يمكننا الإنفاق فيه».

* خدمة «واشنطن بوست» _ خاص بـ «الشرق الأوسط»