قصة شركة لزيت الزيتون أنهكها الروتين الحكومي في اليونان

الأمر يتطلب 10 أشهر و10 موافقات لفتح شركة لبيع أغراض متعددة

فوتيس أنتونوبولوس صاحب شركة لبيع منتجات زيت الزيتون على الإنترنت («واشنطن بوست»)
TT

قبل عام تقريبا قرر فوتيس أنتونوبولوس، مصمم برامج ناجح، افتتاح شركة لبيع منتجات زيت الزيتون على الإنترنت. لحسن حظه، أنه كان يعمل بالفعل في وظيفة دائمة.

تطلب الأمر منه 10 أشهر - والتنقل في المدينة للحصول على عشرات الاستمارات والموافقات، بما في ذلك إثبات أنه يسدد أقساط المعاشات حتى الوقت الراهن - قبل أن يتمكن من الحصول على الموافقة لبدء الشركة. لكن حتى ذلك لم يكن كافيا، وربما كان التطور الأغرب في ذلك، شرط خضوع أعضاء مجلس إدارة شركته لإجراء أشعة على الرئة - وتحليل عينات الغائط - لأن الشركة تروج منتجات غذائية.

وقال أنتونوبولوس: «عندما أتذكر هذه الشروط الآن أضحك. لكن ذلك ما كان ليضحك، لو لم أحصل على وظيفة جيدة براتب جيد، ولكان ذلك قد تحول إلى كابوس». ومع دخول الاقتصاد اليوناني عامه الرابع من الكساد، يتوق أصحاب الشركات الجديدة إلى التغلب على مد الخوف. ففي العام الماضي أغلقت 68,000 شركة على الأقل ما بين صغيرة ومتوسطة في اليونان. وتلاشت ما يقرب من 135,000 مرتبطة بها، ويتوقع ألا يقل عام 2012 كآبة عن الأعوام السابقة. لكن رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحسين الأوضاع، لا يزال مناخ الأعمال في اليونان سيئا للغاية. ففي التقرير الذي صدر مؤخرا بعنوان: «اليونان بعد عشر سنوات»، أكدت مؤسسة «ماكينزي أند كومباني» أن «الاقتصاد اليوناني يعاني بشكل مزمن من أوضاع غير مشجعة للشركات. وأن الشركات الناشئة تواجه قدرا كبيرا من الروتين الحكومي وأنظمة ضريبية وإدارية معقدة ومثبطات إجرائية».

وقد حولت الخطوات التي تطلبها إطلاق أنتونوبولوس لموقعه OliveShop.com منه إلى شخص شهير هذه الأيام، على الرغم من خجله. وعبر عن أمله في أن تشجع قصته - التي رواها للمرة الأولى في حواره مع أصدقائه على الإنترنت - الشباب اليونانيين الآخرين على إقامة شركاتهم الخاصة. لكن قصته خطفت عناوين الصحف الكبرى، كمؤشر صريح على ضرورة تحول اليونان إلى دولة تشجع المشروعات التجارية الجديدة. ويقول أنتونوبولوس: «أنا أعلم أن ما حدث لم يقتصر علينا فقط، فهذا هو ما يواجهه كل من يحاول أن ينشئ شركة لكسب عيشه، إنه أمر محبط». لا تزال التجارة الإلكترونية حديثة نسبيا في اليونان، على الرغم من التحسن الذي تشهده. لكن شركات الإنترنت، التي تقوم بالبيع في جميع أنحاء العالم نادرة إلى درجة أن أنتونوبولوس عندما سعى إلى طلب العون في تجهيز المدفوعات، أبدت ثلاثة مصارف يونانية مختلفة أنها غير قادرة على فهم المضمون.

قل أن تتمكن المصارف من الموافقة على العمل كدار مقاصة لبطاقات الائتمان، أصروا على أن تكتب أجزاء من موقع «أوليف شوب» - بما في ذلك سياسات الخصوصية والتسويق - باليونانية بصورة حصرية، على الرغم من محاولة أنتونوبولوس الشرح بأن عملاءه لن يتمكنوا من فهم اليونانية.

وقال: «قلنا لهم إن فكرة الموقع تقوم على التصدير - فربما كان العميل صينيا ولن يفهموا اللغة اليونانية»، وأضاف وهو يشير بيديه: «لكنه كان بلا جدوى».

في النهاية تحول إلى «باي بال» ونال ما تمنى في بدء الشركة في أقل من 10 دقائق. لكن أيا من هذا لم يشكل جديدا بالنسبة لفاسيليس كوركيديس، رئيس الاتحاد الوطني للتجارة اليونانية، اتحاد تجاري في أثينا: «يمكنك أن تقول لي أي شيء وسوف أصدقه. فقد عانيت من ذلك كله». جزء من مشكلة أنتونوبولوس، وشركة كوركيديس، كان عدم رغبتهما في المشاركة فيما يشار إليه روتينيا هنا بـ«ضرائب السرعة» (رشى لتحريك الأوراق).

لم يكن كوركيديس من بين مؤيدي الجهود الحكومية الأخيرة لتحسين الأوضاع، وأشار إلى كتيب أصدرته وزارة التنمية الذي يشرح برنامج «الشركات التي تقدم مجموعة واسعة من الأغراض»، للشركات الجديدة. وقال: «هذا لن يجدي، إذ يجب عليك أن تحصل على 10 موافقات أولا، ثم يصبح بمقدورك بعد ذلك افتتاح شركة لبيع أغراض متعددة. إنه لأمر سخيف».

يعمل أنتونوبولوس، عبقري الكمبيوتر ذو الشعر الطويل والشخصية المرحة، رئيسا لقسم الابتكارات الرقمية في شركة Atcom S.A، التي تقوم بإعداد برمجيات لإدارة المحتوى ونتائج محركات البحث على المواقع وأجهزة الهواتف الجوالة. ويعتقد أن التكنولوجيا يمكن أن تكون معبرا من البؤس إلى النجاح لليونان. وعبر عن أمله في أن يشكل الموقع نموذجا يظهر للشباب اليونانيين، خاصة ذوي المعرفة بالكومبيوتر، أنهم ليسوا بحاجة إلى مغادرة اليونان بحثا عن عمل.

ومن خلال تسويق زيت الزيتون، وخشب الزيتون ومستحضرات التجميل المستخلصة من الزيتون، ركز على فئة المنتجات التي يقول الكثير من الخبراء إن اليونان قادرة على القيام بالكثير من خلالها. ويقول تقرير ماكنزي على سبيل المثال إن اليونان تعتبر ثالث أضخم منتج لزيت الزيتون في العالم، لكنها تصدر 60 في المائة من إنتاجها إلى إيطاليا بكميات كبيرة. وهو ما يسمح لإيطاليا بالحصول على نسبة 50 في المائة إضافية على سعر المنتج النهائي.

دخول أنتونوبولوس إلى عالم التجارة الإلكترونية لم يكن بالأمر الهين، فقد واجه المشكلات منذ البداية، فالعثور على زيت الزيتون الجيد كان شاقا، كما واجه صعوبة أكبر في إقناع الفلاحين بضرورة استخدام زجاجات ذات شكل أجمل. كما كان العثور على مستودع صغير في أثينا أشبه بالكابوس، فلم تكن هناك مستودعات متاحة في أثينا، ولم يكن أمامه سوى الاستقرار في متجر وتغطية النوافذ الأمامية. وكانت هناك التصريحات والشهادات التي ينبغي الحصول عليها من مصلحة الضرائب، وغرفة التجارة ووزارة الصحة وقسم البناء وقسم الحرائق.. إلخ.

كان أنتونوبولوس يتبادل هو وشركاؤه الثلاثة الأدوار للوقوف في الصف في انتظار دورهم. وكانت وسيلة للحفاظ على الروح المعنوية. كان كل منا يقوم بذلك أسبوعا. وأشار إلى أن أسوأ اللحظات، عندما جاء ممثلين من وكالتين للتفتيش على المتجر ورفضوا وجود سيور متحركة، وخرجوا وهم يخبرونه بأن عليه حل المشكلة. وقال: «في هذه اللحظة، فكرنا حقا بشأن الانتقال إلى بريطانيا بالمشروع. فأحد المفتشين كان يعلم بشأن التشريع الجديد والآخر لم يكن يعلم به، ومن ثم رفضوا تقديم حل». في ذلك الوقت، حصلت الشركة على طلبية ضخمة من الدنمارك، لكن الروتين الحكومي لما اعتبره صفقة كان مرهقا حتى إنهم قرروا ألا يحاولوا حتى تنفيذ الطلب.

وأشار إلى أنه حصل على موافقة من إدارة الدواء والغذاء الأميركية لتصدير منتجه إلى الولايات المتحدة في نحو 24 ساعة وكان كل ذلك يجري عبر الإنترنت، لكن لا شيء في اليونان يمكن الانتهاء منه عبر الإنترنت. رغم ذلك يقول أنتونوبولوس إن قصته انتهت بخاتمة سعيدة، فشركته التي تعمل منذ خمسة أشهر قامت بشحن بضائع إلى الولايات المتحدة والأرجنتين وأستراليا واليابان وحتى منغوليا وهي تغطي تكلفتها.

وقال: «عينات الغائط لا يمكن أن تكون محور القصة، المهم أننا تمكنا من ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»