واشنطن تتوقع عواقب وخيمة إذا ضربت إسرائيل طهران

تجربة افتراضية: سقوط صواريخ إيرانية على سفينة أميركية قد يؤدي إلى مقتل نحو 200 أميركي

TT

تنبأ تدريب محاكاة حربية سري جرى هذا الشهر لتقييم تداعيات حدوث هجوم إسرائيلي على إيران بأن هذه الضربة ستؤدي إلى حرب إقليمية أوسع، قد تنزلق فيها الولايات المتحدة وتتسبب في مئات القتلى بين صفوف الأميركيين، بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون.

وذكر المسؤولون أن لعبة الحرب هذه ليس مقصودا منها أن تكون بروفة لعمل عسكري أميركي، كما شددوا على أن نتائج التدريب ليست هي المحصلة الوحيدة الممكنة من نشوب نزاع فعلي. لكن لعبة الحرب أثارت مخاوف لدى كبار خبراء التخطيط الأميركيين من أنه قد يكون من المستحيل الحيلولة دون تورط الولايات المتحدة في أي مواجهة تصعيدية مع إيران، وفقا لما ذكره المسؤولون. وفي ظل الجدل الدائر بين صانعي السياسات حول عواقب أي هجوم إسرائيلي محتمل، ربما يعطي رد الفعل هذا أرضية أقوى للأصوات الموجودة داخل البيت الأبيض والبنتاغون ورجال الاستخبارات والتي تحذر من أن ضربة كهذه قد تكون خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للولايات المتحدة.

وقد أثارت نتائج لعبة الحرب قلقا كبيرا لدى الجنرال جيمس ماتيس، الذي يتولى قيادة جميع القوات الأميركية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وجنوب غربي آسيا، طبقا لما ذكره مسؤولون إما شاركوا في التدريب الذي أجرته «القيادة المركزية» أو تم إحاطتهم علما بنتائجه، وقد اشترطوا عدم ذكر أسمائهم نظرا لسرية التدريب. وقال المسؤولون إنه بعد انتهاء التدريب في وقت سابق من الشهر الجاري، أخبر ماتيس مساعديه بأن توجيه إسرائيل لضربة أولى ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها وعلى القوات الأميركية الموجودة هناك. وتدور لعبة الحرب، التي تحمل اسم «النظرة الداخلية» واستمرت لمدة أسبوعين، حول سيناريو يقول بأن الولايات المتحدة ستجد أنه قد زج بها في النزاع بعد تعرض إحدى السفن الحربية الأميركية في الخليج العربي لهجوم صاروخي من إيران سيسقط فيه 200 قتيل أميركي، بحسب مسؤولين مطلعين على التدريب، وبعدها سترد الولايات المتحدة بإطلاق ضربات انتقامية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية.

ويقدر أن ينجح الهجوم الإسرائيلي المبدئي في إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء بنحو عام، وإن كانت الضربات الأميركية اللاحقة لن تنجح في تأخير البرنامج النووي الإيراني بأكثر من عامين إضافيين. غير أن خبراء آخرين في البنتاغون قالوا إن الترسانة الأميركية من قاذفات القنابل بعيدة المدى وطائرات التزويد بالوقود في الجو والصواريخ ذات الدقة العالية يمكنها إصابة البرنامج النووي الإيراني بأضرار أكبر بكثير، ذلك إذا ما اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارا بتوجيه ضربة انتقامية واسعة النطاق.

وقد صمم هذا التدريب خصيصا بهدف اختبار الاتصالات والتنسيق العسكري الداخلي بين قادة الأسلحة المختلفة في البنتاغون وتامبا، بولاية فلوريدا، حيث مقر القيادة المركزية، ومنطقة الخليج عقب أي ضربة إسرائيلية. إلا أن هذه النسخة من التدريب وضعت بهدف تقييم وضع متأزم يحتمل حدوثه على أرض الواقع.

وذكر المسؤولون أن التجربة انتهت إلى تعزيز قناعة المسؤولين العسكريين بأن توجيه إسرائيل لضربة عسكرية أمر غير قابل للتنبؤ أو للسيطرة، ونفس الشيء بالنسبة للضربة المضادة من إيران.

ويتفق جهازا الاستخبارات الأميركي والإسرائيلي بشكل عام بشأن التقدم الذي حققته إيران في عملية تخصيب اليورانيوم، لكنهما اختلفا حول الفترة الزمنية التي ستكون متاحة لمنع إيران من تصنيع سلاح نووي إذا قرر القادة في طهران المضي قدما في تصنيعه.

وفي ظل تصريح الإسرائيليين علنا بأن الباب ينسد أمام إمكانية منع إيران من تصنيع قنبلة نووية، يرى المسؤولون الأميركيون أن شن إسرائيل لهجوم على إيران خلال العام المقبل احتمال مطروح، وهم يتحدثون فيما بينهم عن اعتقادهم بأن إسرائيل في الغالب لن تعطي الولايات المتحدة تنبيها في حال اتخذ المسؤولون الإسرائيليون قرارا بضرب المواقع النووية الإيرانية.

وقال المسؤولون إن إيران، وفقا لتسلسل الأحداث، ستعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة شريكتان في أي ضربة توجه ضد المواقع النووية الإيرانية، وبالتالي ستعتبر قوات الجيش الأميركي الموجودة في الخليج العربي متواطئة مع الهجوم، وسوف تحاول المقاتلات الإيرانية أن تطارد الطائرات الحربية الإسرائيلية عقب الهجوم، ثم سيطلق الإيرانيون صواريخهم على إحدى السفن الحربية الأميركية الموجودة في الخليج العربي، وهو ما سيعتبر عملا حربيا يعطي أميركا الحق في الرد. ويتم إجراء تدريب «النظرة الداخلية»، الذي يعتبر من أهم التدريبات التخطيطية للقيادة المركزية، مرتين سنويا لتقييم كيفية تعامل المقر الرئيسي وقادته وأركان حربه الموجودين في المنطقة مع مختلف الأوضاع على أرض الواقع.

وعلى مر السنين، كان هذا التدريب يستخدم في الاستعداد لمختلف الحروب في الشرق الأوسط. وطبقا للموقع الإلكتروني Globalsecurity.org المتخصص في القضايا الأمنية والدفاعية، فقد كان خبراء التخطيط العسكري أثناء الحرب الباردة يستخدمون تدريب «النظرة الداخلية» من أجل الاستعداد لأي إجراء من جانب الاتحاد السوفياتي للاستيلاء على حقول النفط الإيرانية، وكانت خطة الحرب الأميركية آنذاك تقضي بأن يحرك البنتاغون نحو ست فرق من الجيش شمالا من الخليج العربي إلى جبال زاغروس في إيران لتعطيل أي هجوم سوفياتي.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2002، استعان الجنرال تومي فرانكس، قائد القيادة المركزية الأميركية حينها، بمشروع «النظرة الداخلية» من أجل اختبار مدى جاهزية وحداته للغزو المرتقب للعراق.

ويتوقع كثير من الخبراء أن تحاول إيران إدارة عملية التصعيد بحذر بعد التعرض لضربة إسرائيلية أولى، كي تتجنب إعطاء الولايات المتحدة سببا منطقيا للهجوم بكل ما لديها من تفوق عسكري واضح، ومن ثم فقد تلجأ إلى وكلاء من أجل زرع السيارات المفخخة في مختلف عواصم العالم أو تزويد المسلحين في أفغانستان بعبوات ناسفة شديدة الانفجار للهجوم على القوات الأميركية وقوات الناتو هناك. ومع أن الاستعانة بوكلاء قد لا تكون في نهاية الأمر كافية لإخفاء أصابع إيران وراء تلك الهجمات، فإن الحكومة في طهران يمكنها على الأقل أن تنكر علنا أي مسؤولية عنها.

ويرى بعض المتخصصين العسكريين في الولايات المتحدة وإسرائيل ممن قاموا بتقييم التبعات المحتملة لشن هجوم إسرائيلي أن آخر ما تريده إيران هو حرب شاملة على أراضيها، وبالتالي فهم يقولون إن إيران لن تضرب أهدافا عسكرية أميركية بصورة مباشرة، سواء السفن الحربية في الخليج العربي أو القواعد المنتشرة في المنطقة.

غير أن تحليلهم يشمل أيضا التحذير الصريح من أنه من المستحيل معرفة منهجية التفكير الداخلية لدى القيادة العليا في إيران، مع إدراكهم أن حتى أشد ألعاب الحرب تدقيقا في التفاصيل لا يمكنها التنبؤ بكيفية رد فعل الدول وقادتها في خضم النزاع. لكن هؤلاء المتخصصون ماضون في عملهم، قائلين إن أي تأمل في طبيعة رد فعل الإيرانيين عند تعرضهم لهجوم سيساعد في تحديد إمكانية شن الإسرائيليين لضربة عسكرية من عدمه والموقف الأميركي في حالة حدوث ذلك.

وتلقي التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية، مدعومة بدراسات أكاديمية، ظلالا من الشك حول الافتراض الشائع بأن شن هجمة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية سيولد سلسلة من الأحداث الكارثية، مثل اشتعال المنطقة وانتشار الأعمال الإرهابية وارتفاع أسعار النفط بأرقام فلكية.

وفي حديث مع إذاعة «راديو إسرائيل» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال وزير الدفاع إيهود باراك: «الحرب ليست نزهة». لكنه قال إن إسرائيل إذا شعرت بأنها مجبرة على التحرك، فإن رد الفعل الانتقامي سيكون محتملا. ومضى باراك إلى القول بأنه «لن يكون هناك 100 ألف قتيل أو 10 آلاف قتيل أو حتى ألف قتيل.. إن دولة إسرائيل لن تدمر».

* خدمة «نيويورك تايمز»