آلاف المصريين يشيعون جنازة البابا شنودة بالحزن

غاب طنطاوي وعنان وحضر مرشد «الإخوان».. ومطالبات بتغيير اللائحة الكنسية

جنود الشرطة العسكرية ينظمون جنازة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حيث نقل بطائرة عسكرية من مقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة إلى دير «الأنبا بيشوي» بوداي النطرون الذي سيدفن فيه (رويترز)
TT

وسط حالة من البكاء والعويل، شيع الآلاف من مسيحيي مصر، أمس، في جنازة مهيبة، جثمان البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي وافته المنية مساء السبت الماضي عن عمر يناهز الـ(89 عاما)، ونقل جثمان البابا بطائرة عسكرية من مقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة إلى دير «الأنبا بيشوي» بوداي النطرون، وسط حضور رسمي كبير.

وبينما لن ينتخب خليفة البابا شنودة، والذي سيتزعم طائفة المسيحيين الأرثوذكس في مصر، قبل مرور أربعين يوما على الأقل وفقا للتقاليد الكنسية، دعا ناشطون مسيحيون من تيارات علمانية وليبرالية متعددة إلى تغيير لائحة انتخاب البابا لتتواكب مع ما تشهده مصر من حياة ديمقراطية جديدة.

وحسب وصية البابا شنودة الشخصية، نقل إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون ليدفن في المكان الذي كان يلجأ إليه دائما للتعبد، كما قضى بين جدرانه أربع سنوات كاملة، عندما حدد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إقامته هناك عام 1981 بسبب انتقاده معالجة الحكومة لما اعتبره اضطهادا للمسيحيين.

ويبلغ تعداد المسيحيين في مصر نحو 10 في المائة من عدد السكان البالغ نحو 85 مليونا وفقا لبعض التقديرات، ويشكون من تعرضهم للتمييز بين الحين والآخر، خاصة في عملية بناء وترميم الكنائس.

وبينما غاب أمس المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم، ونائبه الفريق سامي عنان، والدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء، عن حضور مراسم التشييع، وناب عنهم اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية، كان لافتا حضور الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، لتقديم واجب العزاء.

وكان المشير طنطاوي قد أعلن حالة الحداد العام في البلاد أمس، كما قام والفريق سامي عنان، بزيارة الكاتدرائية مساء الأحد الماضي لتقديم واجب العزاء.

وحضر أمس الجنازة لفيف من كبار الشخصيات العامة في مصر وبعض المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، إلى جانب وفود تمثل شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ووزارة الأوقاف.

ومن خارج مصر، حضرت السفيرة الأميركية آن باترسون وسفير الفاتيكان مايكل جيرالد، ومندوب ملك الأردن، وممثل الرئيس اللبناني، وسفراء الاتحاد الأوروبي واليونان وروسيا والإمارات وفرنسا وغيرهم.

وقد وضعت شاشات عملاقة خارج الكاتدرائية ليتابع آلاف الجماهير الصلاة من خلالها، التي سجلت حضورا قياسيا لوفود الأساقفة من الخارج. وقام بتلاوة الصلوات أكثر 110 أساقفة للكنيسة أعضاء المجمع المقدس من داخل وخارج مصر، إلى جانب نحو 500 قسيس ووفود أجنبية من كنائس إثيوبيا وسوريا ولبنان والفاتيكان واليونان وألف مرتل وشماس.

وبينما اتشحت الكاتدرائية بالسواد ولافتات التعزية، انخرط الجميع في حالة من البكاء، ورفع مواطنون لافتات «كل الحب لقداسة البابا شنودة الثالث»، مرددين هتافات «بنحبك يا بابا». وفي نهاية مراسم صلاة الجنازة، تم إغلاق تابوت البابا شنودة والطواف به حول الكنيسة قبل نقله إلى مدفنه.

إلى ذلك، جدد مفكرون وناشطون مسيحيون مطالبهم بتغيير لائحة اختيار البابا الجديد، مؤكدين أنها لا تتناسب مع الوقت الراهن والمتغيرات التي شهدتها مصر، وأنها تحتاج إلى تعديل في أضعف الأحوال.

وكان المجمع المقدس للكنيسة قد أعلن أن فتح باب الترشح لمنصب البابا الـ118 سيكون الجمعة المقبل. وقال إن الشروط الواجب توافرها في اختيار بطريرك الكرازة المرقسية، أن يكون مصريا قبطيا أرثوذكسيا، وألا يقل عمره عن 40 عاما، وأن يكون قد مضى ما لا يقل عن 15 عاما على رهبانيته.

ووفقا للائحة الكنسية للأرثوذكس، فإنه يُنتخب البابا من قبل المجمع المقدس الذي يبلغ عدد أعضائه 74 أسقفا. ويشارك في انتخابه فئة مختارة من الأقباط، من الأعيان وكبار الموظفين، على أن يبقى في المرحلة الأخيرة للانتخاب ثلاثة أسماء الذين حصلوا على أكثر الأصوات، يتم وضع أسمائهم داخل صندوق ويقوم طفل صغير باختيار أحدهم حتى لو كان الأقل في عدد الأصوات.

ومن أبرز المرشحين لخلافة البابا شنودة، الأنبا بيشوي (64 عاما) سكرتير المجمع المقدس ورئيس لجنة محاكمة الكهنة، والأنبا موسى أسقف الشباب، والأنبا بسنتي (63 عاما) أسقف حلوان والمعصرة.

وقال كمال زاخر، منسق جبهة العلمانيين الأقباط، إن اللائحة القديمة التي يتم على أساسها اختيار البابا صدرت عام 1957 وبها الكثير من المشاكل والمعوقات، أبرزها قصر عملية الترشح على الأساقفة والمطارنة، مؤكدا أن القاعدة التنافسية لا بد من إعادة النظر فيها، إضافة إلى ضرورة تغيير فكرة القرعة الهيكلية التي هي ليست قاعدة مسيحية بالأساس.

وأوضح زاخر لـ«الشرق الأوسط»، أنهم كتيار علماني، ومعهم الكثير من الشباب، تقدموا إلى الكنيسة بمشروع لائحة جديدة عام 2008 تهتم بكل المتغيرات وتتجنب أي مخالفات، وقد وُعدنا ببحثه، لكن لم يتم الالتفات إليه.

وحول ما يدعيه البعض من أن التعديل ينبغي أن يتم في ظل وجود خليفة للبابا، قال زاخر إن اللائحة القديمة وضعت والكرسي شاغر بعد وفاة البابا كيرلس وقبل اختيار بديله الذي تم بعد 3 سنوات، متوقعا أن يكون هناك رد فعل على هذه المطالب من جانب الكنيسة، خاصة أن هناك الكثير من الأساقفة في الداخل تتبنى التغيير، تجنبا للمزيد من الصدامات التي قد تحدث.

وقال الدكتور إيهاب رمزي، عضو مجلس الشعب، إن لائحة الكنيسة بها مشاكل وتحتاج لتعديل، مشيرا في تصريحات له نقلتها «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، إلى أن عدم وجود رئيس للجمهورية قد يعيق اختيار خليفة البابا.