أنباء عن موافقة نواكشوط على تسليم السنوسي إلى طرابلس

أحزاب موريتانية تبدأ حملة مضادة لإطلاق سراح رئيس مخابرات القذافي

TT

يخوض المجلس الانتقالي وحكومته الانتقالية في ليبيا معركة سياسية ودبلوماسية شرسة في مواجهة فرنسا والمحكمة الجنائية الدولية، في محاولة لإقناع السلطات الموريتانية بتسليم عبد الله السنوسي صهر العقيد الراحل معمر القذافي، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الليبية.

وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن لديها مخاوف من احتمال إقدام موريتانيا، التي تحتجز السنوسي منذ ثلاثة أيام بعد وصوله إليها قادما من المغرب، على تسليم رئيس جهاز المخابرات الليبية السابق إلى فرنسا في صفقة سياسية من شأنها أن تساعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حملته الانتخابية للفوز بالرئاسة لفترة ثانية.

واعتبرت المصادر أن تسليم السنوسي إلى المجلس الانتقالي، الذي يتولى السلطة في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي ومقتله، سيضمن محاكمته على كل الجرائم الإرهابية التي ارتكبها على مدى نحو ثلاثة عقود داخل وخارج ليبيا، مشيرة إلى أن تسليمه لفرنسا يعني أنه سيحاكم فقط على تورطه في تفجير طائرة «يوتا» عام 1989 الذي قتل فيه 170 شخصا.

وطبقا لما أعلنه الدكتور مصطفى أبو شاقور، النائب الأول لرئيس الوزراء الليبي، عقب اجتماعه أمس مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بالقصر الرئاسي في نواكشوط، فقد تعهد عبد العزيز بتسليم السنوسي إلى ليبيا، حيث إنهما بحثا سبل تدعيم العلاقات الليبية - الموريتانية، وتفعيلها بوتيرة أكبر مستقبلا، وكذلك حرص الحكومة الليبية والشعب الليبي على تسليم هذا الرجل إلى ليبيا فهو ليبي، والشعب الليبي يريد أن يراه، ويحاكم محاكمة عادلة في داخل ليبيا، مضيفا «نحن نقدر ونكرم موقف فخامة الرئيس، وقد وعد خيرا في هذا الأمر». ونقلت وكالة الأنباء الموريتانية عن أبو شاقور شكره للرئيس الموريتاني على الموقف الشجاع الذي اتخذه باعتقال السنوسي، وقال «إنه موقف تاريخي لن ينساه الشعب الليبي إطلاقا، فهذا الرجل كان ثاني شخص في ليبيا بعد القذافي».

ورغم اللهجة الإيجابية التي حملتها تصريحات المسؤول الليبي في موريتانيا، في إشارة إلى إمكان تسليم السنوسي لبلاده، وتحدثه عن أهمية تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وتفعيلها بوتيرة أسرع في المستقبل، فإن مراقبين يرون أن علاقات موريتانيا مع ليبيا موضوعة الآن على المحك، ومرهونة بالتعامل السياسي الذي ستتعاطاه الحكومة الموريتانية، في الأيام القادمة، مع ملف أكبر «مطلوب للعدالة الدولية».

وكان وفد ليبي قد وصل إلى موريتانيا مساء أول من أمس برئاسة النائب الأول لرئيس الحكومة الليبية وعضوية كل من وزير العدل وممثلين عن وزارتي الداخلية والخارجية، كما تم استقبال الوفد من لدن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بحضور وزير العدل الموريتاني عابدين ولد الخير. وقال أعضاء في المجلس الانتقالي الليبي، في المقابل، إن التعهد الموريتاني المعلن لا يرقى إلى درجة الوعد الرسمي. وفي وقت لاحق مساء أمس، نقلت وكالة «رويترز» عن نائب رئيس الوزراء الليبي قوله، عبر موقع «تويتر»، إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وافق على تسليم السنوسي إلى ليبيا.

وقال نائب رئيس الوزراء مصطفى أبو شاقور إنه التقى رئيس موريتانيا، الذي وافق على تسليم السنوسي لليبيا.

وأكد مسؤول بالحكومة الليبية أن حساب أبو شاقور على موقع «تويتر» رسمي.

وفي سياق ذلك، قال فادي العبد الله، الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المحكمة الجنائية الدولية طلبت من السلطات الموريتانية تأكيد اعتقال السنوسي، وأرسلت إليها الأمر بالقبض عليه، ومذكرة للتعاون للقبض عليه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف فادي، في رسالة بالبريد الإلكتروني «لم نتسلم ردا، حتى الساعة، من السلطات الموريتانية. في الوقت الحالي، ننتظر الرد من السلطات الموريتانية. وبعد ذلك، يبنى على الشيء مقتضاه وفقا للقواعد القانونية».

ولفت إلى أن موريتانيا ليست دولة طرفا في نظام روما الأساسي، المعاهدة المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، غير أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان قد حثها، كما كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، على التعاون مع المحكمة في شأن الحالة في ليبيا.

ويتعرض النظام الموريتاني، منذ اعتقال السنوسي في مطار نواكشوط السبت الماضي، إلى ضغط داخلي من بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لجهة عدم تسليم السنوسي، وضرورة عدم انصياع موريتانيا للإملاءات الخارجية، واختيارها مكانا للتخلص من الملفات الدولية الشائكة، حسب رأيها.

وبدأت الأحزاب ذاتها حملة مضادة لإطلاق سراح السنوسي وعدم تسليمه إلى أي من الجهات الثلاث التي تطالب بالتحقيق معه، حيث طالبت بعدم تسليمه، وناشدت في بيان مشترك الرئيس الموريتاني «انطلاقا من حسه القومي، وشعوره الإنساني المنحاز للمستضعفين، عدم الانصياع للإملاءات الخارجية التي تجعل من موريتانيا مكانا للتخلص من الملفات الدولية الشائكة، وعدم تسليم السنوسي، وترك الحرية له في اختيار وجهته».

إلى ذلك، قال القانوني الموريتاني، محمد ولد اشدو، إن اعتقال السنوسي يفتقد إلى المرجعية القانونية، وإن تسليمه لا يتماشى مع شيم الموريتانيين، خاصة أن موريتانيا ليست من ضمن الدول التي وقعت على اتفاقية روما الملزمة بتسليم الجناة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأن تسليمه لأي جهة أخرى يحتاج إلى مستند قانوني لا يتوافر في حيثيات الملف الآن.

من جهته، شدد المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، على أن تكون ليبيا وحدة واحدة موحدة من شرقها إلى غربها إلى جنوبها إلى شمالها. وقال في كلمته خلال الاحتفال الذي أقيم مساء أول من أمس بمدينة بنغازي بمناسبة دحر كتائب ومرتزقة القذافي على مشارف المدينة «إننا جئنا اليوم لنقول كلمة واحدة.. إننا يا ليبيا لن نخذلك، وإننا سوف نحافظ على الوطن ولن نخونه، وقد رفضنا في وقت الشدة نزول الحلفاء إلى الأرض، ونحن اليوم وفي وقت الرخاء نرفض التقسيم».

وأكد عبد الجليل أن المجلس الانتقالي تعهد على نفسه بأن يلتئم في الأسبوع الأخير من كل شهر في بنغازي معقل الثورة، مشيرا إلى أن المجلس سيعود للانعقاد في بنغازي اعتبارا من الأسبوع المقبل، كما سيكون للحكومة الانتقالية مقر في المدينة. وأوضح أن بنغازي تحملت عبء النضال ضد القذافي، وأُعدم أبناؤها في الجامعات وفي الميناء وفي الساحات العامة وفي ميدان الكنيسة وحتى في الصالات الرياضية.

وخاطب عبد الجليل الليبيين قائلا «إذا كنتم قد ضربتم الأمثال في تحرير الأوطان وفي الشجاعة وفي الثبات وفي الصبر وكسر شوكة الظلم والطغيان، فإن العالم الذي ساندكم والذي سخره الله لكم ينظر اليوم إليكم لتضربوا أسمى الأمثال في تجربة الانتخابات والديمقراطية التي أنتم مقدمون عليها وصولا إلى صياغة دستوركم الذي سيحفظ حقوقكم ويكون لسانكم الناطق بتطلعاتكم وأمانيكم».

من جهته، أعلن الدكتور عبد الرحيم الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية، عن بدء مرحلة جديدة في ليبيا، وصفها بأنها مرحلة البناء والعطاء والجهد من أجل بناء مستقبل واعد للجميع، وقال «نحن نريد أن نحقق الأمن والاستقرار حتى تعود الحياة إلى طورها الطبيعي. وتدور عجلة الاقتصاد وتتحقق التنمية الشاملة ويتحقق الرخاء».