فرنسا تتجند للبحث عن «السفاح».. وشهود رأوه بكاميرا بعد هجوم تولوز

تعليق حملات انتخابات الرئاسة.. ونقل جثامين ضحايا المدرسة اليهودية إلى إسرائيل

ساركوزي (الثاني يسارا) وفيون (يسار) يعقدان اجتماعا مع ممثلي الطائفتين اليهودية والمسلمة في الإليزيه أمس (أ.ب)
TT

بينما كثفت الشرطة الفرنسية أمس جهودها للبحث عن منفذ الهجوم الذي استهدف مدرسة يهودية في تولوز جنوب غربي فرنسا، والذي يعتقد أنه سفاح تورط أيضا في قتل ثلاثة عسكريين، تكشفت معلومات جديدة تفيد بأن القاتل كان يحمل كاميرا صغيرة وربما تمكن من تسجيل العملية. وجاء هذا فيما دخلت فرنسا في حالة حداد، وتم تعليق حملات الانتخابات الرئاسية من دون وقفها بالكامل.

وتوالت في تولوز أمس المراسم التكريمية لضحايا الهجوم على «مدرسة اوزار هاتوراه»، وهم أستاذ للتربية الدينية يحمل الجنسية الفرنسية، وثلاثة أطفال يحملون كلهم الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية. وقد تم نقل الجثامين الأربعة مساء أمس إلى إسرائيل على متن رحلة تابعة للخطوط الجوية الإسرائيلية (العال). وكان مفترضا أن يرافق وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه العائلات إلى إسرائيل حيث سيدفن الضحايا اليوم الاربعاء طبقا لرغبة أقربائهم. وفي كل مدارس فرنسا، تم الوقوف دقيقة صمت يوم أمس عند الساعة 11,00، تذكرا لضحايا الهجوم على المدرسة. وشارك الرئيس نيكولا ساركوزي، في دقيقة صمت في مدرسة وسط باريس صباحا، وأكد من ناحية أخرى، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «تصميمه الكامل» على القبض على منفذ هجوم تولوز، وذلك في رسالة أعلن الاليزيه عن مضمونها أمس.

ومن بين الفرضيات المطروحة تحقق الشرطة في إمكان أن يكون القاتل منتميا إلى اليمين المتطرف ويلتزم بمبادئ عنصرية ومعادية للسامية. وكان القاتل المفترض أطلق النار في 11 مارس (آذار) في تولوز على عسكري من أصول مغاربية مما أدى إلى مصرعه. وفي 15 مارس، أطلق النار على ثلاثة جنود مظليين في مدينة مونتوبان المجاورة بينهم اثنان من أصول مغاربية والثالث متحدر من جزر الانتيل. وقتل اثنان فيما أصيب الثالث بجروح بالغة. أما فرضية أن يكون منفذ الهجوم من الجنود المتمركزين في المنطقة الذين أظهروا سلوكا عنصريا فطرحتها الصحافة ولم يستبعدها المحققون.

وأمس، كرر ساركوزي كما وزير الداخلية كلود غيان، التأكيد على أن القبض على القاتل يمثل أولوية مطلقة، مع الإقرار بأن العناصر المتوفرة في التحقيق حتى الساعة لا تعد باعتقال قريب للقاتل. وكشف غيان أيضا عن تفصيل مريب قائلا «أحد الشهود رأى كاميرا صغيرة حول عنق القاتل». وأشار الوزير إلى أن هذه الكاميرا «تسمح بتسجيل صور من زاوية عريضة ثم مشاهدتها على جهاز الكومبيوتر»، مضيفا «في بالي، هذا الأمر يكشف التركيبة النفسية للقاتل». وقال: «الجميع يصورون (القاتل) على أنه شخص بارد جدا، صاحب تصميم كبير، وقادر على السيطرة على نفسه بشكل كبير في تصرفاته، وشرير جدا».

واستدعت مثل هذه العملية النادرة على الأرض الفرنسية، توظيف وسائل استثنائية للعثور على القاتل الذي يشتبه في ارتكابه سبع جرائم قتل في المحصلة. وأعلن ساركوزي للمرة الأولى في فرنسا رفع مستوى الإنذار من الخطر الإرهابي إلى مستوى اللون «القرمزي» أي أعلى مستوى إنذار ضد الإرهاب في المنطقة الكبرى المحيطة بتولوز. وتم إرسال محققين بشكل عاجل خصوصا عناصر من النخبة في الشرطة مدربين على أكثر العمليات دقة.

وتخشى السلطات الفرنسية خصوصا من ارتكاب القاتل جريمة جديدة. وقال وزير الداخلية الفرنسي صباح أمس: «حتى اللحظة، لا عناصر تسمح لنا بالقول إننا أمام اعتقال وشيك» للقاتل، بعد أن أعرب الاثنين عن خشية من «اعتداء رابع».

وكان القاتل يتنقل على متن دراجة نارية سوداء عندما هاجم العسكريين وعلى دراجة نارية بيضاء صباح الاثنين خلال تنفيذه الهجوم على المدرسة اليهودية. وقال وزير الداخلية إن الدراجة النارية «تم تحويلها بلا شك». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قريب من التحقيق قوله إن الدراجة النارية المستخدمة في العمليتين هي نفسها، وقد سرقت في 6 مارس في منطقة تولوز. وفي العمليات الثلاث استخدم السلاح نفسه من عيار 11.43 مم.

وبسبب الهجوم على المدرسة اليهودية تم تعليق الحملة الانتخابية الرئاسية (الانتخابات ستجري في 22 أبريل /نيسان و6 مايو /أيار المقبلين). وأشار الرئيس ساركوزي المرشح لولاية ثانية إلى أنه سيوقف حملته حتى (اليوم) الأربعاء على الأقل موعد مراسم تشييع العسكريين الثلاثة الذين قتلوا في مونتوبان والتي سيحضرها شخصيا.

وقال المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند وهو الأوفر حظا بحسب استطلاعات الرأي «لا سبب للتفكير في أن مرشحا سيستخدم ذلك حزبيا. لا أريد أن أصدق أن أيا كان سيحاول استغلال مأساة. لا أريد حتى تصور ذلك». ومثل ساركوزي، شارك هولاند هو الآخر في دقيقة صمت في إحدى المدارس، ويفترض أن يشارك أيضا في تشييع القتلى.

ورحبت الصحافة الفرنسية أمس بتصرف المرشحين الرئاسيين في هذه اللحظة للتضامن الوطني. إلا أن مرشحين رئاسيين آخرين هما الوسطي فرنسوا بايرو واليساري المتطرف جان لوك ميلينشون كسرا هذه الجبهة الموحدة بتأكيدهما أمس أنهما سيواصلان حملتيهما باسم محاربة عدم التسامح والتصدي للكراهية والعنف.

وشهدت فرنسا مظاهر حزن عمت البلاد. فقد شارك مئات الأشخاص بعد ظهر الاثنين في مناسبة تكريمية لضحايا الهجوم على مدرسة تولوز في معبد يهودي بالمدينة. كما شهد معبد يهودي في باريس توافدا لعدد مماثل من الأشخاص قبل مسيرة لآلاف الأشخاص في شوارع العاصمة. وأمام مدرسة اوزار هاتوراه، تمت إضاءة عشرات الشموع ووضعت أكاليل من الزهر على الجدار الداخلي. وكانت إسرائيل قد نددت الاثنين بما سمتها «الجريمة الدنيئة» التي استرعت سلسلة إدانات دولية.

في غضون ذلك، أدانت إسرائيل أمس تعليقات منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون عن هجوم تولوز، بسبب استذكارها في هذه المناسبة الشبان الذين يموتون في غزة وفي سوريا. إلا أن مايكل مان المتحدث باسم أشتون نفى أن تكون المسؤولة الأوروبية بتعليقاتها التي أدلت بها الاثنين والتي كانت تشير إلى الأطفال «الذين قتلوا في أنواع مختلفة من الظروف السيئة»، كانت تقارن بأي طريقة بين اعتداء تولوز والوضع في قطاع غزة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في بيان «ما أثار غضبي واستيائي هو المقارنة بين مجزرة متعمدة استهدفت أطفالا، وبين أعمال جراحية دفاعية يقوم بها الجيش الإسرائيلي تستهدف إرهابيين يستخدمون الأطفال دروعا بشرية»، على حد تعبيره. وكانت أشتون استذكرت الشبان الذين يموتون في مناطق عديدة من العالم ومنها غزة وسوريا في إدانتها لاعتداء تولوز. وقالت أشتون على هامش اجتماع للشبيبة الفلسطينية في بروكسل الاثنين «عندما نفكر فيما حدث اليوم في تولوز، عندما نتذكر ما حدث في النرويج قبل عام، عندما نعرف ما يحدث في سوريا، عندما نرى ما يحصل في غزة وفي مناطق أخرى من العالم، نفكر في الشباب والأطفال الذين يلقون مصرعهم». وأضافت «لهؤلاء (الشباب) أوجه تقديري»، مشيرة أيضا إلى «الأطفال البلجيكيين الذين قتلوا في مأساة» حادث الحافلة في سويسرا الأسبوع الماضي.