«دقيقة حداد» تعمق التوترات بين السلفيين والمسيحيين بمصر

الكنيسة تتلقى العزاء في وفاة البابا شنودة.. وشيخ الأزهر على رأس الحاضرين

TT

ما إن تهدأ حدة القلق والمخاوف التي تسبب فيها وصول بعض أعضاء التيار الديني المتشدد إلى السلطة في مصر، إلا ويقوم بعضهم بافتعال أزمة تعمق هذه التوترات وتثير المخاوف من سياسات وأفكار هذه الجماعات إذا ما أحكمت قبضتها على الحكم، خاصة تجاه الديانة المسيحية التي يصل عدد أتباعها نحو عشرة في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 85 مليون نسمة.

ومنذ أيام افتتح مجلس الشعب المصري (البرلمان) جلسته بدعوة رئيسه الدكتور سعد الكتاتني النواب للوقوف دقيقة حدادا على وفاة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لكن عددا كبيرا من أعضاء حزب النور السلفي رفضوا الوقوف باعتباره أمرا «غير شرعي»، بينما فضل آخرون الخروج من القاعة لعدم الوقوع في الإحراج أمام وسائل الإعلام لحين انتهاء «دقيقة الحداد»، قبل أن يعاودوا الدخول مرة أخرى بعد انتهاء الدقيقة.

وقال نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي: إن «الوقوف دقيقة حدادا ليس من الشريعة الإسلامية»، لكنه استدرك قائلا إنه «لن يفرض على أحد رأيه بهذا الشأن وإن كل شخص له الحق في تقييم موقفه». ويحوز السلفيون على ما يتجاوز ربع مقاعد البرلمان المصري بمجلسيه الشعب والشورى. ومنذ صعودهم البارز في البرلمان عقب الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي، ثارت الكثير من المخاوف بعد تصريحات تتعلق بأن الديمقراطية كفر والتشديد على التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية. وتوفي البابا شنودة السبت الماضي عن عمر ناهز 89 عاما، وشيعت أول من أمس جنازته إلى دير الأنبا بيشوي في منطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة، في جنازة شارك فيها مئات الآلاف. ومنذ أمس بدأ العديد من الشخصيات الرسمية والعامة التوافد على الكاتدرائية في القاهرة للعزاء في رحيل البابا، تقدمهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ووزير الأوقاف محمد عبد الفضيل القوصي، كما حضر وفد من جماعة الإخوان المسلمين برئاسة الدكتور محمد بديع المرشد العام.

ورغم مشاركة رموز معتبرة من الدين الإسلامي في عزاء البابا ونعيه، فإن موقف السلفيين من المسيحيين أثار المزيد من التساؤلات عن الطريقة التي يمكن التعايش بها في بلد واحد خاصة مع وجود الكثير من القيادات السلفية في المجالس التشريعية واللجنة التأسيسية للإعداد للدستور الجديد. وأبدى عدد من المسيحيين المصريين استغرابهم لموقف السلفيين خاصة من نواب البرلمان المفترض فيهم النيابة عن الشعب كله لا عن ديانة أو فئة. وقال شاب مسيحي يدعى «ريمون» حضر إلى الكاتدرائية لتقديم العزاء: «البابا بصرف النظر عن ديانته وقدسيته لدينا، فهو شخصية مصرية وطنية له العديد من المواقف التي يستحق عليها التكريم، وليس مجرد الوقوف دقيقة حدادا».

وأفتت الدعوة السلفية في مصر، بعدم جواز اتباع جنائز أهل الكتاب، لكن مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل قال لـ«الشرق الأوسط»: إنه مع بدء المشاركة الوجدانية في جميع النواحي بما يتسع المقام، مستدلا بقيام الرسول صلى الله عليه وسلم بالوقوف عندما مرت عليه جنازة يهودي وقال حينها «أليست نفسا». وأكد واصل أنه يمكن القياس على هذا بالوقوف دقيقة حدادا، موضحا أن النفس الإنسانية التي خلقها الله، والتي قال عز وجل عنها «إني جاعل في الأرض خليفة»، هي نفس نقدرها في ذاتها، وبالتالي من وقف فقد اتبع سنة الرسول وراعى أصول المودة والمحبة والتواصل الإنساني.