معارض لبوتين يتطلع للفوز بمنصب عُمدية في موسكو

أورلاشوف يواجه مرشحا مدعوما من السلطة.. واختار لحملته شعار «أعيدوا المدينة لأصحابها»

يفغيني أورلاشوف
TT

تسيطر موضوعات الحفر الموجودة في الشوارع، وخطوط الحافلات، وفواتير المياه والكهرباء، ووجبات الغداء المدرسية، على الحملات الانتخابية للفوز بمنصب العمدة هنا في ياروسلافل، والتي تمثل نوعا من المخاوف الرتيبة التي تكمن في صميم الاستراتيجية التي تنتهجها المعارضة في جميع أنحاء روسيا، لتحدي نظام الحكم الذي أسسه فلاديمير بوتين. عادة لا تجذب الانتخابات المحلية التي تجرى في ياروسلافل، والتي تشتهر بإنتاج الإطارات والكحوليات والمحركات الكهربائية، الكثير من الاهتمام، لكن هذا الاهتمام يرجع إلى ظهور صدع في النظام الذي يقوده بوتين، في صورة مرشح ينتمي إلى حملة مكافحة الفساد يدعى يفغيني أورلاشوف، والذي ركب موجة الاحتجاجات السياسية التي استمرت طيلة الشتاء ليصبح المرشح الأوفر حظا في هذه المنطقة.

«أعيدوا المدينة إلى أصحابها» هو شعار الحملة الانتخابية لأورلاشوف، والتي يتردد صداها ليس فقط في مدينة ياروسلافل، التي يقطنها 600.000 نسمة، وإنما في موسكو وما وراءها. لا يتحدث أورلاشوف عن الحفر الموجودة في الشوارع فقط وإنما أيضا عن الفساد وثقافة الغطرسة الرسمية.

يعتمد نجاح النظام السياسي الحاكم في روسيا على قدرته على منع ظهور معارضة قوية وتهديد المرشحين إذا اقتضت الضرورة وحظر الأحزاب الوليدة. وسيكون سباق الفوز بمنصب عمدة مدينة ياروسلافل، التي تقع على نهر الفولغا على بعد 250 كيلومترا شمال شرقي موسكو، بمثابة اختبار مبكر وقوي للجهود التي تبذلها المعارضة الروسية لتحويل اهتمامها إلى السياسة الداخلية، كي تكسب موطئ قدم لها في الحياة السياسية في روسيا، في أعقاب فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية في الشهر الحالي. ويقول ألكسندر كينيف، الخبير بمجموعة «غولوس»، وهي مجموعة غير هادفة للربح مقرها موسكو وتدعو إلى إجراء انتخابات نزيهة، إن فوز أورلاشوف في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في الأول من أبريل (نيسان) سيمثل قيمة رمزية هائلة. ويضيف «ستمثل أي قصة نجاح على المستوى المحلي حافزا شديد الأهمية للمعارضة». كما كتب فلاديمير ميلوف، مؤسس حزب «حرية الشعب» المعارض، على مدونته «يمر الطريق إلى الكرملين بمدينة ياروسلافل».

لا يعتبر أورلاشوف دخيلا على مجال السياسة في المدينة، حيث قضى ثمانية أعوام في العمل بمجلس المدينة، وكسب قليلا من الأصدقاء هناك، حيث إنه من أشد منتقدي عمليات التزوير والسرقة التي تحدث في المدينة، خاصة بعدما تم إنفاق مبالغ مالية ضخمة كانت مخصصة للاحتفال بالذكرى الألف لإنشاء المدينة في 2010 من دون نتائج ملموسة تذكر.

يتنقل أورلاشوف من ساحة منزل إلى أخرى في حملته الانتخابية، حيث تصبح قاعات الاجتماعات مشغولة فجأة كلما حاول استئجار إحداها. يقف أورلاشوف لساعات طويلة عاري الرأس في هذا البرد القارس، حيث يصبح وجهه أكثر بياضا وأنفه أكثر احمرارا عندما يحيط به السكان المحليون ويمطرونه بالأسئلة والشكاوى حول الأمور كافة، بداية من استجابة الشرطة للصوص في مقر البلدية وحتى طريقة تعايشه مع المحافظ في حال انتخابه عمدة للمدينة، وهو السؤال الذي رد عليه أورلاشوف بصورة صحيحة عندما قال «إنه ليس زوجتي». وتقول إيرينا بوروفا (58 عاما)، التي أتت لتستمع إليه «أعتقد أنه سيفوز بالانتخابات، لكنهم لم يدعونا أبدا لننتخب شخصا شريفا من قبل».

ظل عمدة ياروسلافل، الذي سيتقاعد، في منصبه منذ الحقبة السوفياتية ولم يقم أبدا بإعداد شخص ليخلفه. وقد تم منع جيلين من القادة المحتملين من الدخول في هذه العملية، مثلما حدث بطرق مختلفة في مختلف أنحاء روسيا، بما في ذلك الكرملين. وقرر أورلاشوف منذ عدة أعوام خوض سباق الترشح لمنصب العمدة، وحاول أن يكون سياسيا مرنا، حيث كان عضوا في حزب «روسيا الموحدة» الحاكم حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما استقال من الحزب بطريقة علنية اعتراضا على رد فعل الحزب تجاه حادث تحطم الطائرة الذي أودى بحياة فريق «لوكوموتيف» للهوكي بمدينة ياروسلافل. ولا يزال هذا الحادث يشغل حيزا كبيرا في أذهان الناس، حيث اضطر الفريق لركوب الطائرة بعدما استولى الرئيس ديمتري ميدفيديف على ملعبهم الرياضي لعقد مؤتمر دولي. ويعتقد كثيرون هنا أن الطائرة قد تعجلت في عملية الإقلاع لإفساح المكان لكبار الشخصيات. وانعكس غضب السكان المحليين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث حصل حزب «روسيا الموحدة» على أقل عدد أصوات في البلاد في ياروسلافل. وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الرابع من مارس (آذار)، حصل بوتين على مجموع أصوات أقل بنسبة 10 في المائة مما حصل عليه في شتى أنحاء روسيا.

وفي اليوم نفسه، تفوق أورلاشوف على المرشحين الأربعة الآخرين في الجولة الأولى لانتخابات عمدة المدينة بعدما حصل على 40 في المائة من الأصوات، بينما حصل صاحب المركز الثاني ياكوف ياكوشيف، الذي رشحه المحافظ في اللحظات الأخيرة وسط حالة من التخبط شهدها حزب روسيا الموحدة، على 27 في المائة من الأصوات. ويواجه ياكوشيف، الذي يملك مصنع طلاء والعديد من العقارات الأخرى، أورلاشوف في الجولة الثانية من الانتخابات. وقال أورلاشوف في إحدى المقابلات «تدعم السلطات مرشحا ينتمي للقلة الحاكمة، بينما أمثل أنا أمرا مختلفا تماما. إنها قوة المحتالين واللصوص المحتشدة ضد الناس الذين فقدوا الأمل يوما من الأيام، لكنهم يستعيدون جزءا منه الآن». بالطبع، ليس كل الناس منبهرين بأورلاشوف، حيث تقول ستانيسلاف فولكوف (34 عاما)، وهي واحدة من زميلاته في مجلس المدينة «يعرف يفغيني كيف يثير حماس الناس، وهذا أمر جذاب للغاية، لكنه لم يكن يوما مديرا. أما ياكوشيف، فهو شخص يفكر بصورة بناءة ولا يبالي بالشعارات، حيث إنه رجل أعمال ناجح ومستقر للغاية. نعم ينتمي ياكوشيف إلى القلة الحاكمة، لكننا على الأقل نعرف من هو».

أدار ياكوشيف، الذي لم يدخل الانتخابات باعتباره مرشحا رسميا لحزب «روسيا الموحدة»، حيث إن اسم هذا الحزب بات يثير مشاعر الضيق في المدينة، حملة انتخابية شديدة السلبية في المرحلة الأولى. ويقول ياكوشيف «لقد كسروا عظامي عظمة عظمة». وبنوع من الذعر، تحاول السلطات الآن معرفة كيف ستتعامل مع أورلاشوف. ويخشي أنصاره أن يحاولوا إخراجه من السباق الانتخابي. ويقول أحد المستشارين الذي عمل مع أورلاشوف ولم يرغب في الكشف عن هويته، إن الاتجاه الآخر ربما يتمثل في محاولة احتضانه واستمالته نحوهم. ويقول ألكسندر سوكولوف، وهو محلل في منظمة غير هادفة للربح في ياروسلافل تدعى «مركز الشراكة الاجتماعية»: «تعتمد الكثير من الأشياء على الاستنتاجات التي استخلصها فلاديمير فلاديميروفيتش (بوتين) من الأحداث التي وقعت في الأشهر القليلة الماضية». وشدد سوكولوف على حقيقة أنه يتضح في نهاية المطاف عدم وجود سياسة محلية في روسيا، مضيفا أن بوتين سيقوم بتحديد الطريقة - إما الاحتواء أو القمع - وسيلتزم بها كل من يعملون تحت إمرته. ويقول أورلاشوف «لا تزال الديمقراطية في روسيا في العصر الجليدي ولا يزال المستودون (حيوان منقرض يشبه الفيل) يعيش حولنا».

تعتبر الانتخابات على منصب العمدة هنا وفي العديد من المدن الأخرى مجرد خطوة أولى، حيث ستجرى انتخابات مجالس المدن في وقت قريب، وغالبا ما ستنتخب معظم المناطق محافظين لها في الخريف القادم. وعلاوة على ذلك، سيتم اختيار أعضاء الهيئات التشريعية الإقليمية في معظم المدن في غضون عام من الآن. وعلى الرغم من أن بوتين سيجلس على كرسي الرئاسة لفترة تمتد إلى 6 سنوات، فإنه لا يزال ينتظره موسم سياسي طويل. ويقول سوكولوف «لا نعرف إلى أين نتجه ولا الدروس التي سنتعلمها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»