مصرع مراح يعيد الجدل حول فتوى الانتحار لدى «القاعدة»

نفذها التنظيم في تفجيرات الرياض وعملية مسجد الصوير شمال السعودية

TT

أثارت نهاية الشاب الفرنسي من أصول جزائرية بإلقاء نفسه من شرفة شقته وهو يواصل إطلاق النار، تساؤلا حول ما إذا كان قد تعمد قتله على أيدي الشرطة الفرنسية وإنهاء حياته، سواء أكان من خلال طلقات الأمن أم من خلال سقوطه عبر النافذة.

ففي حال ترجح رواية الجهات الأمنية الفرنسية وفاة المشتبه به سقوطا عبر شرفة منزله، متباهيا بتلقيه التدريب لدى تنظيم القاعدة، يعيد ذلك كله فتوى جواز قتل الأسير نفسه لعدم إفشاء الأسرار تحت التعذيب للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعد توظيفها من قبل تيارات إسلامية متطرفة، مضافة إليها استدلالات منزوعة من سياقها لإصدار فتوى بالانتحار خوفا من إفشاء الأسرار، واعتبار هذا النوع من الانتحار نوعا من الشهادة في سبيل الله.

والمفارقة أن الفتوى التي صدرت منذ قرابة 100 عام، تعد جوابا عن سؤال من بعض المجاهدين الجزائريين إبان حرب التحرير ضد فرنسا عن مسألة قتل الأسير لنفسه لمنع إفشاء الأسرار للأعداء، حيث أجاب «الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب ويستعملون (الشرنقات) إذا استولوا على واحد من الجزائريين، ليعلمهم بالذخائر والمكامن، ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر، فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا، وهذه الإبرة تسكره إسكارا مقيدا، ثم هو مع هذا كلامه يختلط، فهو يختص بما يبينه بما كان حقيقة وصدقا».

ويتابع المفتي حيثياته «جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول أموت أنا وأنا شهيد، مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب؟ فقلنا لهم إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله (آمنا برب الغلام). وقول بعض أهل العلم (إن السفينة.. إلخ)». إلا أن بن إبراهيم ومع كل ما ذكره من اعتبارات خاصة يبقي شيئا من التحفظ على هذا العمل فيقول «إلا أن فيه التوقف، من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا، فـ(القاعدة) محكمة، وهو مقتول لا محالة».

لتخرج من بين ثنايا أدبيات «القاعدة» عقب ذلك عدد من الفتاوى مفصلة فيها أحوال المأسورين، منهم من يحمل سرا لا قيمة له، وآخر يحمل سرا مهما كقادة تنظيم القاعدة الذي لا يجوز تسليم نفسه وانتحاره يعد شهادة. ففي كتاب «المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار» الذي ألفه أحد السعوديين، مفصلا في أحوال المأسورين يبين أن الذي يحمل سرا من المأسورين على نوعين، إما أن يكون سرا لا قيمة له ولا يضر بالعمل ولا تستباح بسببه «بيضة» الإسلام فهذا يتحمل ويجوز أن يقع في الأسر كما لا يجوز له قتل نفسه، وأما الذي يحمل سرا مهما، كقادة التنظيم، فلا يجوز له تسليم نفسه إذا غلب عليه الظن أنه سيفشي هذا السر، بل ينتحر ويعتبر شهيدا عند الله، حسب شرحه. ولكي يعزز موقفه الفقهي استدل مؤلف الكتاب الذي نشره على شبكة الإنترنت في موقع «منبر الجهاد والفتوى» بفتوى المفتي السعودي الراحل محمد بن إبراهيم التي قالها تعليقا على حرب تحرير الجزائر، والذي كان متحفظا فيها كما سلف. يعلق مؤلف كتاب «المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار» قائلا «في نظري القاصر فإن هذه الفتوى من الشيخ قاصمة الظهر لمن يسأل ويقول من سبقك إلى هذا القول، لذا وبعد أن عثرت على هذه الفتوى مؤخرا فإنني لا أرى غضاضة في أن أقول قد يتوجه وجوب قتل النفس على من وقع في مثل ذلك، صيانة لدماء المسلمين وأعراضهم».

كما استدل بفتوى لـ«الإخواني» المصري حسن أيوب في كتابه «الجهاد والفدائية في الإسلام» (ص 247 - 248) بجواز هذا الفعل، حيث قالها في ما يبدو قاصدا الحالة الفلسطينية التي زادت على نصف قرن من الزمان، والتي تقول «الانتحار إذا كان له مبرر أصيل وقوي، يتصل بأمر يخص المسلمين وينفعهم، ومن دونه يحصل الضرر للمسلمين، فإنه حينئذ يكون جائزا.. وذلك كأن يعذب إنسان من أجل الإفضاء بأسرار تتعلق بمواقع الفدائيين أو أسمائهم». ثم يخلص صاحب البحث إلى أن الانتحار يجوز خوف إفشاء الأسرار، بشرط النية الخالصة وأن يكون السر مهما يترتب على كشفه ضرر كبير يلحق بالمسلمين، من هزيمة أو قتل أحدهم، أو هتك أعراضهم، أو الزج بهم في غياهب السجون وتعذيبهم مددا طويلة لا يعلم أمدها إلا الله. ويرجع مصرع الشاب الجزائري إلى الساحة العالمية الجدل من جديد حول فتوى الانتحار لدى تنظيم القاعدة، بعد عمليات 12 مايو (أيار) الإرهابية في الرياض 2003، عندما قام مهاجمون انتحاريون بتفجير أنفسهم داخل مجمعات سكنية، مسقطين معهم عشرات الضحايا المدنيين من قتلى وجرحى، بالإضافة إلى عملية مسجد الصوير التي وقعت في العام ذاته شمال السعودية، عندما قام أربعة من المحاصرين، على رأسهم المطلوب الأول تركي الدندني، بتفجير أنفسهم حينما داهمتهم القوة الأمنية، تخلصا من خطر الاعتقال، في ما يتعلق بالانتحار خشية إفشاء الأسرار.