إجماع دولي على إدانة انقلاب مالي ودعوات للعودة إلى الشرعية

المتمردون برروا إطاحتهم بنظام توماني توري بنقص موارد الجيش في معاركه بالشمال

عسكريون يتجمعون أمام مقر الإذاعة والتلفزيون في باماكو بعد الانقلاب أمس (رويترز)
TT

توالت الإدانات الدولية على الانقلاب الذي نفذه عسكريون متمردون ضد نظام رئيس دولة مالي، أمادو توماني توري، أمس، وبرروه بعزمهم وضع حد لنقص موارد الجيش في مكافحته لمقاتلي الطوارق والجماعات الدينية المتشددة في شمال البلاد.

وكان عسكريون متمردون قد ظهروا على شاشة التلفزيون الحكومي أمس وأعلنوا «إسقاط النظام غير الصالح» في باماكو وحل «جميع المؤسسات» وتعليق «الدستور» وفرض حظر للتجول. وقال المتحدث باسم المتمردين اللفتنانت أمادو كوناري إنهم تحركوا حيال «عجز» نظام الرئيس توماني توري عن «إدارة الأزمة في شمال بلادنا». وتحدث كوناري الذي أحاط به قرابة عشرة عسكريين بالنيابة عن «اللجنة الوطنية لإصلاح الديمقراطية وإعادة الدولة». وبعده، تحدث زعيم العسكريين، الكابتن أمانو سانوغو، معلنا فرض حظر للتجول اعتبارا من أمس. وبرر المتحدث الانقلاب بـ«عدم توفر المعدات اللازمة للدفاع عن أرض الوطن» بأيدي الجيش لمحاربة التمرد والمجموعات المسلحة في الشمال و«عجز السلطة عن مكافحة الإرهاب». وقال إن العسكريين «يتعهدون بإعادة السلطة المدنية وإقامة حكومة وحدة وطنية».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن «مصدر عسكري موال للرئيس» قوله، إن أمادو توماني توري موجود في معسكر للجيش مع أعضاء من الحرس الرئاسي. وأضاف المصدر أن «الرئيس موجود فعلا في باماكو وليس في سفارة. إنه في معسكر للجيش يتولى القيادة منه».

وخلف الانقلاب مقتل عسكري واحد على الأقل، وإصابة نحو 40 شخصا بجروح، بينهم مدنيون، غالبيتهم بالرصاص، عندما أطلق الجنود المتمردون النار. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري قوله: «سقط قتيل وجريح في صفوف المتمردين»، الأربعاء، أثناء معارك مع الحرس الجمهوري قرب مقر الرئاسة. ومن جهته، أحصى الصليب الأحمر المالي «نحو أربعين جريحا»، معظمهم «أصيبوا بالرصاص الطائش» في مستشفيات باماكو وكاتي، وهي المدينة المحصنة القريبة من العاصمة التي انطلق منها التمرد، بحسب أحد مسؤوليه. وأضاف «هناك 3 إلى 4 مدنيين بين الجرحى الأربعين. والبقية من العسكريين، وهم أصيبوا عموما بالرصاص الطائش»، ونقلوا إلى مستشفيات باماكو وكاتي. وأصدر الانقلابيون، أمس، بيانا طلبوا فيه من الجنود «الوقف الفوري لإطلاق النار ومظاهر الفرح في المدينة وفي مواقعهم أيضا».

وتوالت الإدانات من عدة عواصم أمس.. فقد أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة «تدين بشدة» الانقلاب العسكري في مالي وتطالب بـ«العودة الفورية للنظام الدستوري» في البلاد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني في بيان، إن واشنطن «متضامنة مع الماليين والحكومة المنتخبة شرعيا للرئيس أمادو توماني توري». كما أعلنت فرنسا، التي كانت تستعمر مالي سابقا، تعليق تعاونها لكنها أعلنت الإبقاء على مساعدتها الإنسانية للسكان. وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في بيان مكتوب، إن «فرنسا تعلق كل تعاونها مع مالي. نبقي على مساعدتنا للسكان، وخصوصا المساعدة الغذائية، ونواصل عملنا في مكافحة الإرهاب». وأوضحت باريس أن قرار تعليق التعاون يشكل كل الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية لكن السفارة الفرنسية في باماكو ستواصل نشاطها على الرغم من تجميد المبادلات السياسية. من جهة أخرى، دعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى «احترام سلامة» الرئيس توري.

بدورها، استنكرت الجزائر الانقلاب وقررت وقف تعاونها العسكري والاستخباراتي والإنساني، إلى حين عودة الاستقرار في مالي. وعبر المتحدث باسم الخارجية الجزائرية عمار بلاني عن «قلق الجزائر البالغ» حيال الوضع في مالي، الذي يعتبر أكبر بلد جار للجزائر في الساحل الأفريقي. وقال بلاني إن الجزائر «تتابع بانشغال كبير الوضع في مالي، وتدين من حيث المبدأ وبناء على ميثاق تأسيس الاتحاد الأفريقي، الاحتكام إلى العنف ونرفض بشدة أي تغيير خارج الأطر الدستورية». وأضاف: «نعتقد أن حل الأزمات الداخلية في مالي، ينبغي أن يتم في إطار السير العادي للمؤسسات الشرعية لهذا البلد وفي إطار احترام القواعد الدستورية»، مشيرا إلى أن الجزائر «تؤكد تمسكها الصارم بعودة النظام الدستوري في هذا البلد المجاور». وأفاد مصدر أمني جزائري لـ«الشرق الأوسط»، بأن الحكومة أعطت تعليمات صارمة لحرس الحدود الجنوبية بتوخي أقصى درجات الحذر، بعد الذي حصل في مالي. وذكر المصدر أن الحكومة قررت أيضا، وقف مساعداتها في إطار إعمار مناطق الشمال المتاخمة لحدود الجزائر والتي يسكنها الطوارق المعارضون للحكومة المركزية في باماكو. ويرجح أن الوساطة التي تؤديها الجزائر بين باماكو والمسلحين الطوارق، ستتوقف في ضوء التطورات الأخيرة.

وفي الرباط، عبرت الحكومة عن رفضها استعمال العنف للاستيلاء على السلطة، في تعليقها على انقلاب مالي. وقال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن المغرب يتابع باهتمام ما يجري في مالي، و«نرفض استعمال العنف للاستيلاء على السلطة، ونؤيد إجراء الانتخابات، ونحن حريصون على وحدة هذا البلد». وأضاف أن استقرار مالي مهم وحيوي بالنسبة لاستقرار منطقة الساحل والصحراء. كذلك أدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ الانقلاب في مالي وطالب من منفذيه «إنهاء تحركهم». وقال بيان للاتحاد إن «رئيس المفوضية يدين بحزم هذا التمرد الذي يضرب الشرعية الدستورية ويشكل تراجعا خطيرا لمالي وللعمليات الديمقراطية الجارية بالقارة».

كما أدان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي، الانقلاب في مالي، مشددا على ضرورة الالتزام بالنظام الديمقراطي والاحتكام لشرعية صناديق الاقتراع. وذكر بيان عن المنظمة أن إحسان أوغلي يعبر عن «إدانته وبالغ صدمته من الانقلاب العسكري الذي وقع في مالي ضد رئيس جمهورية مالي أحمد توماني توري». ودعا إحسان أوغلي «من قاموا بالانقلاب لضرورة الالتزام بالنظام الديمقراطي والعودة في أقرب وقت ممكن لتمكين الشعب المالي من التعبير عن إرادته الحرة إزاء الوضع في البلاد».

وعلى نفس المنوال، أدانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توريه ووصفته بأنه «انقلاب واضح». وقالت أشتون في بيان «أدين الانقلاب الواضح في باماكو وتعليق عمل المؤسسات الجمهورية في مالي». ودعت أشتون إلى «إعادة ترسيخ النظام الدستوري وإجراء انتخابات ديمقراطية بأسرع ما يمكن». وفي إشارة إلى تمرد الطوارق، في شمال مالي، حثت أشتون «جميع الأطراف على إظهار المسؤولية لضمان احترام حياة البشر والحريات الأساسية ووحدة أراضي البلاد».

وكان من المقرر أن تشهد مالي الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 29 أبريل (نيسان) المقبل.

وفي مطلع فبراير (شباط) تظاهرت نساء قريبات لجنود في العديد من المدن من بينها باماكو للتنديد بالصمت حول وضع هؤلاء الجنود و«تراخي السلطة» إزاء التمرد. وانتهت بعض تلك المظاهرات بأعمال عنف وتم تدمير ممتلكات تعود إلى الطوارق وغيرهم من الماليين والأجانب من ذوي البشرة غير السمراء. ونجح الرئيس توري آنذاك في تهدئة النساء من خلال التعهد بأنه سيكون بإمكانهن الحصول على معلومات عن أزواجهن المنتشرين على الجبهة.

وتواجه مالي منذ أواسط يناير (كانون الثاني) الماضي هجمات تشنها حركة «تحرير أزواد» ومتمردون من الطوارق من بينهم مسلحون حاربوا إلى جانب نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وسيطروا على العديد من المدن في شمال البلاد.