هونغ كونغ تنقلب على كبار المليارديرات

تستعد لاختيار زعيم لها الأحد وسط انقسام حول فضائح وتبدل ولاءات رجال الأعمال

هنري تانغ و ليونغ تشون بينغ
TT

عندما بدأ الحزب الشيوعي الحاكم في الصين الإعداد لاستعادة هونغ كونغ من بريطانيا، سرعان ما وجد حليفا لم يكن في الحسبان، وهو كبار رجال الأعمال المليارديرات، الذين كانوا يشعرون بالرعب من الشيوعية، وطالما قدموا الدعم للحكم الاستعماري البريطاني.

ويتذكر ممثل الحزب شو جياتون ما حدث قائلا «لم يمض وقت طويل على وصولي إلى هونغ كونغ حتى أدركت أن الميول السياسية لرجال الأعمال دائما ما ترتبط بمصالحهم التجارية»، مشيرا إلى أنه كان يتودد لـ«الرأسماليين الكبار» من خلال إقناعهم بأنهم سيستفيدون من تغيير ولائهم من لندن إلى بكين.

والآن، وبعد مرور ثلاثة عقود على ذلك، رحل شو، عن بكين ويعيش الآن في كاليفورنيا، لكن التحالف الذي أنشأه بين الكوادر الشيوعية وبعض الرأسماليين الأغنياء في هونغ كونغ لا يزال قويا، وسيكون على أهبة الاستعداد يوم الأحد المقبل، عندما تقوم لجنة مكونة من 1193 عضوا غالبيتهم من المؤيدين لبكين باختيار زعيم جديد، أو رئيس تنفيذي جديد، لهذه المنطقة الإدارية التابعة للصين والتي يبلغ عدد سكانها 7.1 مليون نسمة.

وبدلا من أن يكونوا بمثابة الركيزة التي يستقر عليها الحكم الصيني، يقوم المليارديرات في هونغ كونغ بتأجيج الصراع وزعزعة الاستقرار. وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الغضب الشعبي هنا بسبب الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تحول كبار رجال الأعمال الذين كانوا ينظر إليهم في الماضي على أنهم مثال على روح التحدي والإصرار، إلى هدف للانتقاد وصب اللعنات. ويقاتل هؤلاء المليارديرات بشراسة في ما بينهم - وهو ما يثير استياء الصين - لتحديد هوية الشخص الذي سيقود هونغ كونغ خلال السنوات الخمس المقبلة.

وقال لي تشيوك يان، وهو زعيم اتحاد نقابات العمال وعضو المجلس التشريعي المحلي في هونغ كونغ «لقد تغير الشعور العام، ولم يعد الناس معجبين بكبار رجال الأعمال، وأصبحوا يرونهم كرموز للجشع والطمع». وقد تسبب هذا التحول المذهل في المدينة التي اشتهرت لفترة طويلة بتبجيل الأثرياء في حدوث مشاكل كبيرة لنخبة النظام السياسي والاقتصادي في هونغ كونغ، بدءا من دونالد تسانغ، الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته، وحتى أصحاب شركات التنمية العقارية الأثرياء ومسؤولي الحزب الشيوعي المسؤولين منذ عام 1997 عن المنطقة الإدارية الخاصة التابعة للصين.

وفي الوقت الذي شهد فيه انتقال السلطة في الصين نفسها بعض التصدعات والانشقاقات في قمة الحزب الشيوعي بعد إقالة بو شي لاي الأسبوع الماضي، وهو نجل أحد القادة الثوريين، فإن الاضطراب الذي شهدته هونغ كونغ قبل اختيار الرئيس التنفيذي الجديد يوم الأحد قد زاد من حدة المطالب، سواء هنا أو في بكين، بوضع حد لعملية صنع القرار من قبل مجموعة صغيرة من المسؤولين داخل مراكز السلطة. أما المعسكر التقليدي الموالي للصين في هونغ كونغ - وهو عبارة عن شبكة سرية معظم أعضائها من الناشطين اليساريين، علاوة على أعضاء سريين في الحزب الشيوعي وبعض الشخصيات الوطنية الصينية – فلا يروق له العبث الذي تقوم به بكين مع كبار رجال الأعمال. وعلى الرغم من أنهم موالون لبكين، فإنهم لا يعلنون ذلك على الملأ.

وعلى الرغم من ذلك، انضم بعضهم حاليا إلى التيار المضاد لرجال الأعمال البارزين. وفي تعليق له في إحدى الصحف في الآونة الأخيرة، أعرب لاو ناي كيونغ، وهو من الشخصيات البارزة الموالية للصين، عن احتقاره وازدرائه لـ«الأباطرة الأنانيين»، وقال إنهم يتعين عليهم أن «يحزموا أمتعتهم ويرحلوا». وانهالت التصريحات من قبل المسؤولين الصينيين والتي تؤكد على أن زعيم هونغ كونغ المقبل يجب أن يكون شخصية تتمتع بشعبية كبيرة في أوساط العامة، وهو ما يشير إلى أن بعض فصائل القيادة في بكين على الأقل تعيد النظر في الانحياز إلى رجال الأعمال الأثرياء الذين انخفضت شعبيتهم بصورة كبيرة الآن وأصبحوا مكروهين للغاية في أوساط العامة.

تعتبر هذه أخبارا سيئة بالنسبة لهنري تانغ، العامل السابق بالخدمة المدنية من شنغهاي القديمة، والذي بدا منذ بضعة أشهر مهيئا ليكون الرئيس التنفيذي التالي. ومدعوما بكثير من أغنى رجال هونغ كونغ، وطد تانغ أيضا علاقات ممتازة بوسطاء السلطة في بكين. فقد كان والده صديقا قديما للرئيس الصيني السابق، جيانغ زيمين، وحضر حفل زفافه شو، الذي كان في تلك الفترة مفوض الحزب في هونغ كونغ. ويكافح تانغ، الذي تحيط به الفضائح وينظر إليه على نطاق واسع بوصفه خاضعا لسيطرة شركات التنمية العقارية، الآن من أجل إنقاذ حملة معرضة للزلات من شغل أعلى المناصب في الدولة. ومن خلال طلبه الدعم مؤخرا على شاشة التلفزيون، أصر، بعبارته، على الرغم من دعمه من قبل أكبر أقطاب العقارات في هونغ كونغ، قائلا «لست مقربا إلى هذه الدرجة من المطورين العقاريين».

ويحظى منافسه الرئيسي، ليونغ تشون بينغ، مساح أراض، بمؤيدين أثرياء وبمباركة الصين. وقد لطخت سمعته الفضائح بالمثل، ويشتهر، لا سيما بين هؤلاء الذين يعرفونه ولا يثقون به، بالمراوغة والخداع. ويعتقد كثيرون أنه عضو سري في الحزب، وهو الأمر الذي ينكره. وعلى الرغم من ذلك، نجح ليونغ في إظهار نفسه بمظهر رجل الشعب بالتزامن مع مخاوف عامة الشعب. ومن خلال مخاطبته المشاعر المعادية لرجال الأعمال ذوي النفوذ والثراء الفاحش وأقطاب الصناعات، استغل حقيقة أن والده كان رجل شرطة - وليس رجل أعمال ثريا مثل والد تانغ.

إبان الفترة التي حكمت فيها بريطانيا هونغ كونغ، تمتع المليارديرات المحليون بمكانة أبطال القصص الشعبية. فلي كا شينغ، أحد أوائل رجال الأعمال الصينيين العرقيين الذين شقوا طريقهم إلى طبقة نخبة رجال الأعمال التي يسيطر عليها البريطانيون، كان معروفا كـ«رجل خارق». وقد ازداد ثراء لي، الذي يعد الآن من أكبر مدعمي تانغ وعضوا في لجنة الاختيار التي تعقد اجتماعها يوم الأحد، وتم تصنيفه مؤخرا كأغنى رجل في آسيا من قبل مجلة «فوربس»، من خلال صافي ثروة يقدر بأكثر من 25 مليار دولار. لكنه، شأنه في ذلك شأن العديد من زملائه الأثرياء، فقد معظم محبيه في أوساط الناس العاديين الذين يشعرون بالغضب بسبب ما يعتبرونه نظاما مزيفا ومليئا بالتكتلات والعلاقات الحميمية بين الحكومة ورجال الأعمال.

وقد نال تانغ، المرشح لمنصب الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، قسطا كبيرا من السخرية بسبب تصريح له العام الماضي ردا على المتظاهرين الذي ينددون بالامتيازات الممنوحة للأغنياء (طلب منهم أن يكفوا عن الشكوى ويسألوا أنفسهم: «لماذا لا يمكنني أن أصبح كا شينغ القادم؟»).

ويقول مايكل تشوغاني، وهو محلل سياسي «كان الناس يعجبون بكبار رجال الأعمال ويريدون أن يصبحوا مثلهم، لكن لم يعد هذا موجودا الآن. يتحكم عدد قليل للغاية من الأشخاص في عدد كبير من العقارات والمتاجر وسلسلتي الصيدليات الموجودة في البلاد وشركات الهاتف الجوال. ينظر الناس إلى كبار رجال الأعمال على أنهم محتالون وإلى الحكومة على أنها متورطة معهم».

وأبدى مواطنو هونغ كونغ غضبهم عندما كشفت وسائل الإعلام المحلية الشهر الماضي عن أن تسانغ، الرئيس التنفيذي الحالي، قد أبرم صفقة استئجار شقة راقية خارج الحدود في مدينة شنتشن الصينية، وأنه يصاحب كبار رجال الأعمال على يخوتهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة. وعندما قام النواب باستدعائه لشرح موقفه، قدم تسانغ اعتذارا تافها. وكشف استطلاع للرأي أن ثلاثة أرباع الأشخاص المستطلعة آراؤهم فقدوا الثقة في الرئيس التنفيذي، وهو نجل لشرطي في أثناء الحقبة الاستعمارية.

وتبدو هونغ كونغ مزدهرة من على السطح، حيث نما اقتصادها بـ5 في المائة وزادت نسبة البطالة على 3 في المائة العام الماضي. وعلى الرغم من زيادة أعداد الطائرات الخاصة المسجلة في مطار هونغ كونغ من 2 إلى 50 طائرة خاصة منذ أن عادت المدينة إلى السيادة الصينية، وفي الوقت الذي تكتظ فيه المحلات الراقية بالمتسوقين الأثرياء من خارج الجزيرة، فإن خمس السكان تقريبا يعيشون تحت خط الفقر. وطبقا لتقرير أصدره مصرف «مورغان ستانلي» مؤخرا، أصبحت المدينة مستقطبة اقتصاديا بصورة كبيرة نتيجة «لزيادة نسبة العائلات المنتمية إلى الطبقات الأدنى والأعلى وانخفاض نسبة العائلات المنتمية إلى الطبقة الوسطى، مقارنة بعام 1996»، وهو آخر عام كامل لهونغ كونغ تحت الحكم البريطاني.

ويقول تشوغاني إن اختيار رئيس تنفيذي جديد من خلال عملية يملك فيها 0.0168 في المائة فقط من السكان حق التصويت قد زاد من الشعور بأن «النظام بالكامل يغرق». ويعتبر 1.200 شخص تقريبا ممن أدلوا بأصواتهم منقسمين بصورة كبيرة الآن، لدرجة أن اقتراع الأحد قد لا يسفر عن فائز، وهو الأمر الذي يحتم تنظيم انتخابات جديدة في مايو (أيار) والتي قد تشهد مرشحين جددا على الأرجح.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»